انتهت الجولة الأولي من انتخاب رئيس الجمهورية بنتيجة أصابت الكثيرين بالدهشة والإحباط حيث أصبحت جولة الإعادة من نصيب مرشح الإخوان المسلمين وواحد ممن عملوا مع النظام السابق, ويمكن رصد مجموعة من العوامل.. 1 أوهام المرشحين, اتسمت هذه الانتخابات بعدم معرفة الأحجام الحقيقية لكل مرشح في الشارع, مما أدي إلي تضخيم العديد من المرشحين لقوة كل منهم وقدرته في حصد الأصوات وبالتالي فشلت محاولات التوافق علي مرشح من قوي الثورة بل بدأ كل فريق يهاجم الآخر مما أعطي الفرصة لمرشح الفلول, حيث هاجم حمدين صباحي المرشحين الذين يريدونها دينية وحاول أبو الفتوح بناء تجمع يضم التيارات المتعارضة مما جعله يخسر العديد من القوي التي أيدته في البداية. 2 قوة التنظيمات, مع كل انتخابات تتضح حقيقة أن الفوز سيكون لمن وراءه تنظيم يدعمه وبالتالي فإن المرشح المستقل الذي يعتمد علي شخصه وبرنامجه تقل فرص فوزه, وهو ما اتضح في الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة حيث فاز بها المرشح الإخواني الذي اعتمد علي قوة تنظيم الاخوان الذي أدار المعركة لصالح تنظيم الاخوان أساسا وليس لصالح محمد مرسي كشخص, ورغم كل النكات التي أطلقها البعض علي المرشح الاستبن وان الاخوان قد خسروا الشعبية نتيجة محاولات التكويش علي كل الأجهزة فلقد أثبتت الانتخابات مدي قدرة التنظيم علي تخطي كل هذه المواقف السلبية ليس لأنها خاطئة ولكن لقدرتهم علي الحشد التنظيمي, وهو نفس الأمر مع مرشح النظام السابق حيث تكتلت القوة التنظيمية للحزب الوطني المنحل وأجهزة أمن الدولة السرية بكل مسمياتها وراء تجميع الأصوات لمرشح الفلول, فمن تابع تصريحات هذا المرشح ومؤتمراته التي تعرض فيها لسيل من صور الرفض المختلفة وصلت إلي القذف بالأحذية لم يكن يتصور قدرته علي حصد حوالي22% من أصوات الناخبين ولكنها ليست قدرته بل قدرة التنظيم الذي وقف خلفه يجمع له الأصوات التي أوهمها بقدرته علي تحقيق الأمن الذي كانوا سببا في ضياعه. 3- الانقسام الطائفي والسياسي, من أهم الأسباب التي أدت إلي هذه النتيجة: ما نجح البعض في ترويجه بأن الاختيار بين مرشحي الدولة الدينية والدولة المدنية مما أدي إلي تكتل الأقباط في أغلبهم وراء مرشح الفلول وعلي الطرف الآخر تكتل المتشددين وراء مرشح الاخوان الذي يعتقدون أنه سيطبق الشريعة, وبالتالي يزداد تكريس الانقسام الطائفي في المجتمع, وفي اعتقادي أن كلا المرشحين ينطلقان من معسكر واحد هو المعسكر الرأسمالي الذي لن يستطيع القضاء علي الفقر الذي يرزح تحت وطأته حوالي نصف المجتمع, وبالتالي كان لابد ان يكون الاختيار علي أساس سياسي واقتصادي وليس دينيا كما نجح البعض في فرضه علي الجميع وبالتالي كانت هذه النتيجة فمصر تعاني من مشكلات اقتصادية لها الأولوية في المواجهة وليست الأولوية لنوعية الملابس وهل تفرض الحدود في دولة الجوع يعصف بأغلبيتها. وعلي المنوال نفسه هناك الانقسام بين القوي السياسية فهناك من يرفض سيطرة الاخوان علي مفاصل الدولة حتي وإن أدي ذلك إلي تأييد رمز من رموز النظام السابق مما أدي إلي هذه النتيجة العبثية حيث جاءت الانتخابات بواحد من رموز النظام الذي ثار عليه المصريون من شهور. 4- مناخ الإحباط, جاءت الانتخابات ومناخ الإحباط يسيطر علي الأجواء فالمواطن العادي الذي يتحدد موقفه بين نقيضين إما أبيض أو أسود أو بمعني آخر الرفض أو التأييد لموقف ما دون محاولة تحليل الآراء المختلفة هذا المواطن يعاني من إحباط نتيجة المشكلات التي تتراكم عليه من فقدان للأمن وقراءته عن حوادث السطو المسلح والخطف والسرقات وفي الوقت نفسه هناك الفوضي في كل مجال فلم يعد احد يحترم القانون وهناك النقص في السلع الأساسية وغلاء الأسعار ولا يجد حكومة تتصدي لذلك ويري الأحزاب تتعارك علي حصتها من تركة النظام السابق, لذلك أصبح هذا المواطن مهيأ لأن يسير وراء من يقول له أعطي صوتك لمن سيجلب الأمن والقانون ولم يفكر في مدي صحة هذا القول بينما من سموا أنفسهم بشباب الثورة تفرغوا للظهور في الفضائيات ليهددوا بتنظيم المليونيات إذا حدث غير ما يريدون وهم لا يدركون أن الشعب قد نسيهم. 5- الظاهر والخفي في الانتخابات, الكل يشيد بنزاهة الانتخابات وعدم تسويد البطاقات وهذا بالطبع هو الظاهر من الصورة, ولكن هناك الجانب الخفي الذي لا نعرفه وهو التربيطات لانتخاب مرشح معين والتأثير علي إرادة الناخب بتخويفه من اتجاه معين وحشد أصوات غير المبالين لانتخاب من يريدون, فعلينا أن ندرك أن الديمقراطية ليست مجرد صوت انتخابي بل هي في الأساس وعي واهتمام, فماذا تفعل حرية التصويت لمواطن غير مبالي ولديه استعداد للتنازل عن حقه الديمقراطي لمن يعطيه شيئا من احتياجاته المعيشية. وأخيرا هل نفهم ما حدث لكي نحاول تدارك الخطايا التي قادنا إليها من يتصدرون المشهد السياسي أم أننا مكتوب علينا أن تقودنا خلافاتنا إلي الارتماء تحت أقدام من يمتصون دماءنا؟ المزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل