ثار سؤال كبير عقب انتهاء الحرب الباردة عقب تفكك الاتحاد السوفيتى بنهاية عام 1991م ما هو مستقبل النظم الإقليمية فى ظل النظام العالمى أو الدولى الجديد والأحادية القطبية؟؟ ويقصد بالنظم الإقليمية تلك التجمعات الاقليمية التى تضم عددا من الدول ذات المرجعية الواحدة أو الموحدة، أو تلك التجمعات التى تقع فى نطاق جغرافى معين وهى متجاورة جغرافيا. ومن ذلك النظام الإقليمى العربى (الجامعة العربية)، والنظام الإفريقى (منظمة الوحدة الإفريقية التى تحولت إلى الاتحاد الإفريقي)، ودول أمريكا اللاتينية (منظمة الدول الأمريكية)، ومنها حركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ونحو ما يقرب من (50) تجمعا وتكتلا على هذا النمو وانقسم المحللون بين اتجاهين، فريق يرى أن هذه التجمعات أصبحت بلا مستقبلا وفى طريقها إلى الزوال، وفريق آخر يرى أن هناك مستقبل لهذه الكيانات شريطة التفعيل وتفادى محاولات التقزيم ومحاولة إعادة الهيكلة أو البناء، على سبيل المثال حركة عدم الانحياز التى ولدت على خلفية أن هناك عالما يتربع على عرشه قطبان كبيران هما (الاتحاد السوفيتى والولاياتالمتحدة)، وبينهما تنافس كبير وصل إلى حد الصراع وما نتج عنه من حرب باردة فما هو مستقبل هذه الحركة بعد أن تم تفكك أحد القطبين (الاتحاد السوفيتي) وهو الذى كان داعما لهذه الحركة أصلا، بحيث لا تصب فى دعم الطرف الآخر (الولاياتالمتحدة) بأى صورة وبأى درجة ؟ وثار السؤال: انحياز ضد من يا تري؟ وردد المحللون أن الحركة باقية ولكنها منحازة ضد أمريكا رمز الاستعمار، الذى يذكر هذه الدول المنضوية فى هذه الحركة، بمآس تاريخية ومن ثم فإن ورثة هذا الاستعمار فى مقدمتهم (أمريكا) وتابعوها، يصبحون فى الصدارة ضد هذه الكتل على وجه التحديد ولكن فى الواقع العملى تراجع أداء هذه الحركة وارتبكت سياساتها بعد الاختراق الأمريكى والأوروبى (الاستعمار القديم والحديث)، وأصبحت عديمة الفعالية أى كيان أو بمجمع بلا فعالية، ولكنه أنتج فى محاولة للبقاء على قيد الحياة مجموعة ال (5) والشيء نفسه واجه جامعة الدول العربية، وسعى أعضاؤها إلى التطوير وإعادة الهيكلة وباءت جميعها حتى الآن بالفشل الذريع، لتستمر الجامعة جثة هامدة وهيكلا إداريا بلا فاعلية ويكفى القول إنها أضحت أداة داعمة للتدخل الأجنبى فى النظام العربى بشكل مباشر وغير مباشر، وظهر ذلك بالموافقة على تدخل «الناتو» فى ليبيا!!، والتطوع بتغييب عمدى لسوريا الدولة عن مقعدها فى عضوية الجامعة تحت سطوة الدول المهيمنة على الجامعة صاحبة المال والنفوذ والوكالة عن الغرب الاستعمارى المسيطر كما أن الحال ذاته، واجه منظمة الوحدة الإفريقية لتتحول إلى الاتحاد الأفريقى دون فعالية تذكر، رغم أنه يشير إلى أنه كيان نشيط دون فعالية تذكر. غير أن الكيان الذى كان مستمرا تحت مسمى «الجماعة الأوروبية» امتدادا لمسمى قديم من عام 1957 هو «السوق الأوروبية المشتركة»، واستطاع أن ينقذ نفسه بالاندماج فى كيان جديد هو «الاتحاد الأوروبي»، وسار بخطوات سريعة أفضت عن اتحاد حقيقى فعال له هياكله وعملته «اليورو»، وحرية السوق، وحرية المواطنين فى التنقل حتى أصبح يقدم نفسه باسم (المواطن الأوروبي)، وهنا فإن درجة النضج والتطور السياسى من عوامل نجاح إعادة الهيكلة وسط النظام الدولى الجديد حيث أرادت أوروبا أن تحمى نفسها من الولاياتالمتحدة ذاتها. ولاشك أن الحديث عن النظم الإقليمية والتجمعات المنتشرة فى كل أنحاء الكرة الأرضية، يمكن أن يطول، ولكن الوضع الذى استمر (20) عشرين عاما فى ظل نظام أحادى القطبية وتحت سيطرة القطب الأمريكى بدأ يهتز بعد ظهور دولة روسيا العظمى لتكون قطبا جديدا يحل محل الاتحاد السوفيتى القديم، منافسا للقطب الأمريكى فالاستراتيجية الأمريكية الأوروبية، وهى امتداد للحقبة الاستعمارية القديمة بلا شك ولكن فى صور متجددة تتواءم مع طبيعة المرحلة، تأسست على العديد من الركائز، فى مقدمتها السيطرة على المنطقة العربية والشرق الأوسط باعتبارها أهم منطقة فى العالم للغرب الاستعمارى حيث امتلاك المواد الخام فى مقدمته البترول والغاز وأن السيطرة على المنطقة تتحقق وفقا لهذه الاستراتيجية فى ظل السيطرة على الفاعلية فى صياغة سياسات المنطقة والنظام الإقليمي. كما أن السيطرة على هؤلاء، تتم وفقا لاستراتيجية فرعية تقوم على إضعاف هؤلاء القواعد والتحكم فيهم بما يحول بينهم وبين التفكير فى ممارسة أدوار قائده أو فاعلة أو مؤثرة ويمكن التفسير لما حدث ويحدث فى آخر عشر سنوات (2005 2015)، منذ اطلاق صيحة «الفوضى الخلاقة»، ومحاولة إعادة هيكلة المنطقة بتوافق أمريكى أوروبى ولا يمكن فهم تفسيرات الغرب الذين يروجون لها بأنهم كانوا الفاعلين فى تصدير وخلق الربيع العربي، أو القفز عليه للتحكم فى مساراته وتوجيهه بما يحقق استراتيجية الغرب. إلا أن هؤلاء غاب عنهم كما يحدث دائما ما يسمى بإرادة الشعوب، وهو عنصر غائب فى الإدراك الاستعماري. فدائما يصورون أن ما حدث هو بفعل وتخطيط هؤلاء الاستعماريين. إلا أن الواقع أفرز صعودا روسيا فى مواجهة أمريكا وأوروبا حال دون تحقيق استراتيجية الغرب فى إضعاف القوى الفاعلة فى المنطقة، وكانت سوريا هى المقدمة والتى كانت على وشك السقوط والتفكك والتحلل والخروج من التاريخ كما حدث فى العراق 2003م، كما كانت مصر هى المحطة الثانية التى كانت مرشحة للإضعاف والسقوط، ولكن إرادة الشعب المصرى مع تغييرات النظام الدولى حال دون ذلك. وللحديث بقية لقراءة المشهد وتحليله. ومازال الحوار متصلا. لمزيد من مقالات د. جمال زهران