حيل وألاعيب يستخدمها المشكك في نشر الشبهات، فيديو جديد لوحدة بيان في الأزهر    مصر تتعاقد على شراء 7 قطارات نوم قادمة من إسبانيا    قرار عاجل من محافظ الإسكندرية بشأن غرامات الذبح في عيد الأضحى (تفاصيل)    مصطفى بكري يكشف تفاصيل عودة أحد الناشطين من تركيا إلى مصر بعد اعترافه بخطئه (فيديو)    تقرير: جهود زيلينسكي الدبلوماسية تتلقى ضربة مزدوجة قبل قمة سويسرا    السيسي يتلقى اتصالا من الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة    نصرالله: على إسرائيل أن تنتظر من المقاومة في لبنان المفاجآت    تعليق مثير من إنريكي على إقالة تشافي    في مباراة دراماتيكية.. إنبي يقتنص فوزا مثيرا أمام سيراميكا كليوباترا بدوري nile    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    195 لجنة.. استعدادات محافظة القاهرة لامتحانات الدبلومات الفنية    رسميا.. نقيب الموسيقيين يعلن تحقيق إيرادات 227 مليون جنيه    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الأعراض الرئيسية لمرض السكري لدى الأطفال والمراهقين    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى (فيديو)    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    منتخب مصر للساق الواحدة: تعرضنا لظلم تحكيمي ونقاتل للتأهل لكأس العالم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    لاتفيا وفنلندا: سنتابع بهدوء وعن كثب خطط الحدود البحرية الروسية    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    بسبب فستان.. القصة الكاملة ل أزمة ياسين صبري ومصمم أزياء سعودي (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    خالد جلال: جوميز ركز على الكونفدرالية فقط.. وهذه نصيحتي لفتوح    عادل عقل يكشف صحة هدف الزمالك وجدل ركلة الجزاء أمام فيوتشر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرن الإفريقى.. انسحاب عربى وتغلغل أمريكى صهيونى
نشر في الشعب يوم 02 - 06 - 2007

الخطة الأمريكية لمحاصرة العالم الإسلامى ..

مقدمة:
منذ أن تفككت الخلافة الإسلامية وانقسمت أقطارها عبر آليات وبحسابات وتوازنات قوى الغرب المسيطرة إلى دول قومية "مستقلة"، ودول العالم الإسلامى تحمل فى عناصر بنائها فى معظمها أسباب وكوامن التوترات والصراعات والتدخلات الأجنبية، فهى دول بحكم بنيتها الشائهة، لا تستطيع أن تحقق لمواطنيها، أو الغالبية العظمى منهم، المتطلبات الأساسية.. الأمن.. ضروريات الحياة.. القبول العام للحكام.. القبول الإقليمى والدولى الضرورى.
وافتقاد الدولة القومية فى العالم الإسلامى لبعض هذه العناصر أو معظمها، يجعل منها دولا مفككة، أو دول قابلة للتفكك، كما يعطى للتدخلات الخارجية تأشيرة دخول دائمة غير قابلة للإلغاء.
وقد تغيرت أوزان القوى الخارجية عبر التطورات والأحداث التاريخية المتلاحقة، وعبر نتائج الحروب الكبرى بين قوى الهيمنة العالمية، كما تغيرت على المستوى الإقليمى، فشهدت هذه "الدولة" أو تلك تغيرات فى التحالفات والعداءات تصل فى انقلاباتها وتغيرها إلى حدود الملهاة والسخرية.
والمفهوم الأهم الذى نريد تثبيته فى هذه المقدمة التى فرضت نفسها علينا.. ونعتذر لك عزيزى القارئ لطولها.. هو أن هذه الحالة المشوهة بنيويا للدولة القومية فى العالمين العربى والإسلامى، لم تنعكس فقط على علاقات الدولة مع الدول المماثلة إقليميا، ولم تقتصر على علاقات هذه الدولة بالمجتمع الدولى وقواه الرئيسة فحسب... بل أنها لعبت دورا أساسيا فى بناء وتحديد علاقات وانتماءات وصراعات القوى داخل مجتمعات الدولة القومية الواحدة، سواء اتخذت أشكالا مذهبية أو عقائدية أو عرقية أو قبلية أو سياسية.. والأمثلة على صحة ودقة هذا الاستنتاج لا تقع تحت حصر، بل لا يكاد يخرج من إطارها ظاهرة من ظواهر الصراعات فى المنطقة، أيا كان حجمها، أو إطار المشاركة فيها محليا أو إقليميا .. أو عالميا.

القرن الإفريقى تاريخ الصراع وتحولاته

القرن الإفريقى ونعنى به هنا الدول الواقعة والمطلة على ذلك النتوء الشرقى الاستراتيجى الموقع فى وسط شرق القارة الإفريقية وهى..الصومال .. جيبوتى.. إريتريا.. السودان.. إثيوبيا، هذه الرقعة الجغرافية التى شهدت طوال مئات السنين تواصل وتلاحم مع العرب والمسلمين، والذى أفرز جنسا من البشر يمثلون اختلاط الجنس السامى العربى بالجنس الحامى "الزنج"، عبر الهجرات من جزيرة العرب، ورحلات التجارة، ثم بعد رسالة خاتم النبيين أضيفت الرابطة الدينية.. شهدت أيضا باكورة الهجوم الغربى الاستعمارى على دولة الخلافة الإسلامية، كما شهدت تقسيما لا يعكس سوى توازنات القوى بين معسكر المنتصرين ومصالحهم فى القارة الإفريقية، بصرف النظر عن الروابط بين البشر على هذه الأرض، أو التكوينات القبلية والعرقية فيها.
ففرنسا حطت رحلها على أرضه الصومال عام1872واحتلت ما يسمى اليوم ب "جيبوتي"،ولحقتها بريطانيا فاحتلت ما أطلق عليه الصومال البريطاني،واستولت إيطاليا على البقية المتبقية، وبعد مدة من الزمان أهدت إنجلترا إلى إثيوبيا إقليم"أوغادين"الذى يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين جميعهم مسلمون ، كما تركت الإقليم الشرقى لكينيا رغم أن سكانه عبروا عن رغبتهم بالانضمام إلى الصومال في الاستفتاء الذي أجري قبل استقلال كينيا (إعمالا لمبدأ حق تقرير المصير) إلا أنها لم تستجب لنتائجه وسلمته لكينيا،وما تزال النجمة الخماسية فى العلم الصومالى ترمز لهذه الأقاليم الخمسة.
وقد أنتجت عمليات البتر واللصق الاصطناعية الاستعمارية تشكيلات متنافرة فى الدول "القومية" التى أنشأتها على أنقاض دولة الخلافة الإسلامية، والتى خرجت فيما بعد الحرب الاستعمارية العالمية الثانية من حالة الاحتلال المباشر، إلى حالة ما سمى بالاستقلال الوطنى للدول القومية فى العالمين العربى والإسلامى، والتى بدأت معها فى ذات الوقت، حالة التناحر بين الدول القومية حديثة "التحرر" على السيادة الإقليمية من جهة، ومن جهة ثانية بدأت التناحرات الداخلية فى معظم هذه الدول بين الأعراق والقبائل والمناطق للهيمنة على مقاليد السلطة فيها.. والتى كان جاهزا للوثوب عليها الفئات المتميزة فى الحقبة الاستعمارية.. ومن جهة ثالثة بدأت الاستقطابات الإقليمية والدولية لهذه الدول وقواها الاجتماعية الداخلية من قبل قطبى الصراع فى الحرب الباردة، وكذلك من الدول الإقليمية الكبيرة والمحورية.
ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتى، ونهاية الحرب الباردة بين القطبين، بدأت أمريكا تولى عناية متزايدة بمنطقة القرن الإفريقى، والتى سبق وأن قدم لها فيها التغلغل الصهيونى، وشهدت المنطقة العديد من عمليات خلخلة النفوذ التقليدى للدول الأوروبية، لإحلال النفوذ الأمريكى بمشاركة نشطة صهيونية محل النفوذ الروسى السابق، وكذلك النفوذ الأوروبى، وأيضا مناطق النفوذ التاريخى لبعض الدول العربية والأمثلة على الحالات الثلاث كثيرة.. من أثيوبيا منجستو.. إلى اليمن الجنوبى عبد الفتاح إسماعيل.. إلى صومال سياد برى.
وهكذا يصبح القول بأن العامل الدولى يمثل المفتاح الرئيسى لفهم مجريات وتطورات كثير من الأحداث التى شهدتها منطقة القرن الإفريقى قولا صحيحا سواء فى التاريخ القديم أو المعاصر، أو حاضر ما بعد أحداث 11 سبتمبر، والتى مثلت بداية انتقال الاستراتيجية الأمريكية إلى اعتماد القوة الصلبة وسيلة رئيسة وأساسية لحسم سيطرتها على مقدرات العالم، من جهة، ولمنع أى من القوى الصاعدة من الوصول إلى مرتبة القطب المتساوى واستمرار العالم الأحادى القطب، عملا بمقولات مخططيها ومنظريها الاستراتيجيين عن نهاية التاريخ ونهاية الأيديولوجيا؟!

القرن الإفريقى .. الموقع والنفط والصراع الدينى

يقع القرن الإفريقي على النتوء الشرقى لساحل وسط إفريقيا، ذو الأهمية البالغة لشركات النفط العالمية لقربه من منابع بترول الخليج، ولتحكمه فى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ، إضافة لثرواته الدفينة وغير المستغلة من المعادن النفيسة والاستراتيجية، ومنها النفط المكتشف بكميات إقتصادية، ويبلغ حده البحري10.320كم شرق الصومال،وجيبوتي.
ويسكن القرن الإفريقى شعوبا جلها من المسلمين، وفيه تقع الدولة المركز للمسيحية الإفريقية "إثيوبيا" ويحدثنا التاريخ عن انتصار الصومال على الأحباش عام 1515 ميلادية، ولجوء الأحباش للأوروبيين لنصرتهم، حيث خف لمساعدة الأحباش البرتغال التى بعثت بقواتها إلى السواحل الصومالية على الفور وأنهت التوغل الصومالى فى الحبشة..
وكما قلنا فقد أعد الاستعمار مسرح منطقة القرن الإفريقى، لحالة من التوتر الدائم، حين اقتطع "أوجادين" من الصومال لأثيوبيا، وقد أنتج هذا العديد من الحروب بينهما.. وكذلك إقليم "النفد" الذى اقتطع من الصومال لصالح كينيا، كما اقتطعت جيبوتى لتصبح قاعدة معزولة عن الوطن لخدمة القوات الغربية المتمركزة لخدمة المخططات الغربية فى إفريقيا ومنابع البترول.
فالمصالح الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية، والبعد التاريخى للصراع بين الكنيسة الغربية والإسلام فى إفريقيا، والتكوينة المشوهة للدول القومية فى القرن الإفريقى والدول المجاورة، كل هذا يتجمع فى تلك المساحة من القارة السمراء، ليوجد ظرفا نوذجيا للصراعات والتمزق والتدخلات .. بل التحكمات الخارجية.

سياسة أمريكا فى القرن الإفريقى

منذ أحداث 11 سبتمبر، وما أعقبها من إعلان أمريكا ما أسمته الحملة العالمية على الإرهاب، احتلت منطقة القرن الإفريقى مكانة متقدمة فى أولويات السياسة الأمريكية بشأن المناطق المطلوب السيطرة عليها كمواقع ومراكز حشد ومراقبة، فى إطار خطة تطويق العالم الإسلامى.. والذى يمثل وفقا "لهانتنجتون" العدو فى القرن الواحد والعشرين، تلك الخطة التى اتخذت أشكالا متعددة.. إعلامية وسياسية واقتصادية.. قبل أن تتخذ شكلها العسكرى بدءا بالحملة العسكرية التى قادتها على أفغانستان، أو لحصار المناطق المتصور وجود قواعد وأنصار لتنظيم القاعدة بها، والتى أشارت كثير من التصريحات والتحليلات الغربية إلى تركزها فى دول شرق أفريقيا.
وقد وجدت أمريكا فى الاتفاقات الثنائية الموقعة سابقاً مع كل من كينيا وأثيوبيا وأوغندا بشأن التعاون الأمنى والعسكرى، المدخل لتكثيف الوجود الأمريكى فى تلك البلدان، علاوة على اختيار جيبوتى لتكون مركز دائرة تغطى جانبى البحر الأحمر الإفريقى منه والآسيوى، وقد أعلن أمس 19/2/2007 رئيس وزراء جيبوتي ديليتا محمد ديليتا استعداد بلاده لاستضافة مقر القيادة العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا والتي كان البنتاجون قد كشف عن إنشائها في وقت سابق.
وكانت وزارة الحرب الأمريكية قد أعلنت قبل نحو أسبوعين إنشاء قيادة إقليمية خاصة بإفريقيا على غرار القيادة الوسطى الخاصة في الشرق الأوسط وقيادة المحيط الهادئ وقيادة أوروبا، وقال: إنه يجري مشاورات لاختيار مكان إقامتها.
واختيار جيبوتي لإقامة هذه القاعدة يمثل تغيرا استراتيجيا فى الأمن القومى العربى ( أمن البحر الأحمر ) ، بعد تغير أكثر خطرا حدث فى أمن الخليج العربى، وكلاهما يأتى فى إطار خطة حصار العالم الإسلامى حيث يشكل تقويضا للخصوصية العربية والإسلامية لهذا البحر وذلك الخليج.
كما يمثل إقامة هذه القاعدة فى جيبوتى.. التى توجد فيها أكبر قاعدة فرنسية في الخارج.. مؤشرا جديدا على مدى الاتفاق الأمريكى الأوروبى فى لعبة تقسيم الأوراق فى مواجهة العالم الإسلامى، ودليلا على التراجع الشديد فى الدور الأوروبى، حتى فى مناطق نفوذه التقليدية، وخاصة بعد تراجع السياسة الخارجية الفرنسية والألمانية عن مناوأة التوجهات الأمريكية للسيطرة على القرار فى الشؤن العالمية والانفراد به.
وبالمقابل فقد منحت أمريكا للحليف الأصغر "أوروبا" أدوارا فى مناطق أخرى فى إطار خطة التطويق، حيث منحت ألمانيا القيادة العامة لقوات التحالف المسئولة عن مراقبة الأوضاع فى تلك المنطقة، وأقامت ألمانيا قاعدة عسكرية لها فى جيبوتى إلى جوار القاعدة الفرنسية القائمة هناك منذ "استقلال" جيبوتى. وكذلك انضمت قوات أسبانية إلى القوات الألمانية فى جهود المراقبة فى تلك المنطقة التى تتبع تقليدياً النفوذ الفرنسى، ولم تبد فرنسا اعتراضاً على ذلك باعتبارها شريكا "فى الحملة العالمية ضد الإرهاب"، وقد تلا ذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال قواتها إلى جيبوتى لتكون مقراً لرئاسة أركان التحالف الدولى فى المنطقة والتى يقع عليها مسئولية مراقبة دول جانبى البحر الأحمر، حيث بلغت القوات الأمريكية مع مطلع عام 2003 فى جيبوتى نحو تسعة آلاف فرد، بالإضافة إلى ألف فرد من (المارينز) وذلك قبل الحرب ضد العراق، فى حين لم يزد عدد القوات الفرنسية عن ألفى فرد والألمانية عن ألف فرد، علاوة على بعض القوات البريطانية والأسبانية بأعداد ضئيلة، وتعتبر تلك القوات الدولية على أرض جيبوتى الأكبر من نوعها التى شهدتها دولة أفريقية منذ "الاستقلال". وتجدر الإشارة إلى أن تعاون جيبوتى لم يتوقف عند حد استقبال القوات الأمريكية والدولية حيث وافقت على افتتاح محطة إرسال إذاعة صوت أمريكا فى أراضيها، كما تدفقت عليها أنظمة تسليحية متقدمة.
ومن جانبها، حددت الولايات المتحدة الأمريكية أن هدف قواتها الموجودة بالمنطقة إجراء مسح منتظم للسواحل لضمان عدم تسلل أى من العناصر "الإرهابية" والحيلولة دون حصولهم على ملاذ آمن.

أما إريتريا فقد شهدت فى عام 2002 سلسلة من الزيارات العسكرية الأمريكية، كان أبرزها زيارة تومى فرانكس قائد القيادة المركزية فى مارس، وزيارة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد فى ديسمبر، والتى التقى خلالها بالرئيس الإريترى أفورقى، وبحثا خلالها السماح للقوات الأمريكية باستخدام المنشآت العسكرية والموانئ والمطارات الإريترية، وتبادل المعلومات "فى مجال مكافحة الإرهاب"، وجاءت تلك الزيارة فى إطار الجولات التى قامت بها الوفود الأمريكية لدول المنطقة المختلفة التى شملت كينيا وأوغندا وإثيوبيا، تحت عنوان تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب فى شرق أفريقيا. وقد اجتمع الرئيس جورج بوش بكل من الرئيس الكينى دانييل أراب موى ورئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى أثناء زيارتهما لواشنطن فى ديسمبر 2002 فى لقاء ثلاثى تناول سبل تدعيم التعاون ، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية أنها سوف تقوم بتغطية التكاليف المادية والمالية اللازمة لمكافحة الإرهاب لهاتين الدولتين باعتبارهما لا تملكان الموارد اللازمة لهذا الغرض. وقد شهدنا تطبيقا عمليا لهذه التفاهمات فى الهجوم الأثيوبى الأخير على الصومال لمساندة سلطة أمراء الحرب، جنبا إلى جنب مع القوات والطائرات الأمريكية.
وكما قلنا من قبل فى مقدمة هذه الإطلالة .. فإن التكوين الشائه للولة القومية فى منطقة القرن الإفريقى، هو تكوين جاهز دائما للتوظيف من الخارج، ففى الوقت الذى تمت فيه زيارة الرئيس الكينى والأثيوبى لواشنطن، كانت مناورات مشتركة أمريكية كينية فى البر والبحر فى شرق أفريقيا تجرى على قدم وساق، بينما كانت أمريكا تضغت على أراب موى، بإعلان رفضها تغيير نص الدستور الكينى الخاص بتحديد رئاسة الدولة مرتين متتاليتين فقط، بما يعنى عدم السماح ل موى بالترشيح للرئاسة مجددا، بينما ضغط الكينى من جانبه بإعلان السلطات الكينية أنها لم تعثر على إية صلة "للقاعدة" أو الجماعات الصومالية فى تفجيرات مومباسا، ردا على التصريحات الصهيونية والأمريكية باتهامهما، ومع ذلك فقد استثمر الحادث فى القيام باعتقالات واسعة لم تطل غير المسلمين فى كينيا.

وفى السودان، ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها كاملا خلف دول (الإيجاد)، لمحاصرة الدور العربى والإسلامى الذى تمثل فى المبادرة المصرية الليبية. وشهد عام 2002 توقيع اتفاق وقف إطلاق النار فى جبال النوبة بين الحكومة السودانية والجيش الشعبى لتحرير السودان، والذى كان قد تم التوقيع عليه فى يناير بسويسرا لمدة ستة أشهر، تم تمديدها لمدة أخرى فى ظل عمل اللجنة الدولية المشرفة على التنفيذ. وشهد العام كذلك ولأول مرة لقاء عمر البشير وجون جارانج ، وهو اللقاء الذى استضافته العاصمة "الأوغندية كمبالا" فى يوليو، وذلك فى إطار مباحثات بين الحكومة والحركة استضافتها "كينيا". وقد مارست أمريكا كل أنواع الضغوط والتهديد على الحكومة السودانية أثناء تلك المفاوضات، والتى أسفرت عن اتفاق مبادئ عرف باسم اتفاق ماشاكوس، حيث شهد شهر أكتوبر توقيع الرئيس الأمريكى القانون الذى أقره الكونجرس بفرض عقوبات على السودان إذا ثبت أنها غير جادة فى مفاوضاتها مع حركة التمرد، كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تجميد الأرصدة المالية لاثنتى عشرة شركة سودانية دون إبداء أى تفسير لقرارها، ولم يكن هناك من هدف لهذه الضغوط سوى إخضاع الحكومة السودانية لشرط التصويت على الانفصال بعد مدة زمنية، وهو ما يمثل هدفا استراتيجيا، وحكم ذاتى شبه مستقل يسمح للجنوب بالاحتفاظ بكل مظاهر الدولة بعيدا عن حكومة الخرطوم تدعيما للنزوع الانفصالى.
ومرة أخرى، وللتأكيد على مفهوم صلاحية التكوينات التى نتجت من التقسيم الاستعمارى للدول القومية، للاستخدام من القوى الخارجية .. فقد دعت أمريكا وفدا من تجمع المعارضة السودانية للقيام بزيارة "رسمية" خلال شهر نوفمبر 2002 لبحث أمر الجولة التالية من مفاوضات ماشاكوس بين الحكومة السودانية والمعارضة والتى عقدت فى يناير 2003. وذلك قبل أن تعقد اجتماعا لممثلى الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان فى ديسمبر 2002 للتمهيد لاستئناف مفاوضات السلام.

الدور الصهيونى فى القرن الأفريقى بين الاستقلال والاستغلال

نحرص فى هذه الفقرة على الابتعاد عن المعلومات المتداولة عن التغلغل الصهيونى فى إفريقيا عموما، وفى الشرق والجنوب الإفريقى بالذات، وفى القرن الإفريقى خاصة، فالدراسات فى هذا الباب كثيرة ومتوفرة، وهى قضية أمن استراتيجية بالنسبة للكيان الصهيونى، فهى مسألة تتعلق بعمق استراتيجى يفتقده الكيان فى كل محيطه الجغرافى، من ناحية، وتعطى للبحر الأحمر صفة عربية وإسلامية خالصة من ناحية أخرى.. وقد مارس خلالها العديد من الصراعات والعمليات المخابراتية فى مواجهة المحاولات المصرية لتأمين منابع النيل والعمق الاستراتيجى الإفريقى لمصر.. وحسبنا فى هذه الفقرة توضيح العلاقة بين الأهداف الصهيونية ونظيرتها الأمريكية فى القرن الإفريقى، ومدى ترابطهما، ومدى استقلال أو تبعية النشاط الصهيونى فى القرن الإفريقى للقرار الأمريكى.
ولابد من الإقرار فى هذا الصدد أن الوعى الصهيونى بالأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقى سبقت كثيرا الاهتمام الأمريكى المؤثر به، وأن الخبرة الصهيونية فى المجال الإفريقى تفوق نظيرتها الأمريكية، وأن النفوذ الصهيونى فى الدول الإفريقية وإن كان مرتبطا بدول خاضعة للنفوذ الأوروبى القديم إلا أنه يتمتع باستقلالية وقوة حقيقيتين فى هذه البلاد، ويعد حجم التبادل التجارى بين الكيان الصهيونى والقارة الإفريقية مؤشرا هاما لتوضيح قوة النفوذ الصهيونى، الذى يكاد يحتكر مثلا تجارة الماس الإفريقى.
ويمكن القول أن النفوذ الصهيونى السابق للاهتمام الأمريكى بالقرن الإفريقى، يعطى للكيان الصهيونى مكانة مفروضة فى المخططات الأمريكية لهذه المنطقة، ويمثل فى ذات الوقت ورقة ضغط معتبرة على الشريك الأوروبى، وهو وضع يسمح للمخطط الصهيونى أن يتمتع فى إدائه بدرجة عالية من الاستقلالية، كما يسمح له باستغلال هذه الوضعية المتميزة للكيان فى الخطة الأمريكية، لممارسة الضغوط على الحليف الأمريكى فى غير موضع.

والخلاصة
ونخلص من العرض السابق إلى عدد من الاستنتاجات حول مستقبل الصراع فى القرن الإفريقى والسياسة الأمريكية فيه:
1 أن الصراع فى القرن الإفريقى له أسبابه التى زرعها المستعمرون منذ زمن طويل، وأن استخدام هذه الأسباب فى اشعال المنطقة كلما احتاجت المصالح الاستعمارية ذلك، هو أمر وارد دائما.
2 أن حالة الغياب والتقصير العربى والإسلامى عن أحداث القرن الإفريقى (رغم بعض المحاولات الفردية من بعض الدول)، تمثل خلالا استراتيجيا ، ليس فقط على مستوى الدول القومية القائمة، ولكن والأهم على مستوى التوازنات الاستراتيجية للأمة.
3 أن تناقضا بين التوجهات الأمريكية فى القرن وبين حلفائها الأوروبيين قد أصبح أكثر بعدا عن ذى قبل (وإن كانت هناك أقطابا أخرى عائدة أو صاعدة روسيا والصين) بدأت فى مناوأة الانفراد الأمريكى بالمنطقة.
4 أن البعد الدينى للصراع والذى دفع بالبعض من الدول العربية إلى التصدى لبعض المواقف الأمريكية الفجة يتزايد، وقد تجلى هذا فى الحرب الأثيوبية الأخيرة على الصومال، وما تبعها من محاولات تنصير، وما حملته هذه الحملة من معانى التجاوز على ثوابت التوافق بين دول المنطقة وأمريكا.
5 أن السياسة الأمريكية .. وإن أخضعت الشركاء الأوروبيين .. إلا أنها تكتسب المزيد من المناهضين فى كل ساعة، وقد تعجل النتائج المأساوية للعدوان على العراق وأفغانستان بجهود هؤلاء المناهضين، ما يؤدى بالمخطط الأمريكى إلى عزلة قاتلة.
6 أن الحالة فى القرن الإفريقى هى نتاج توازنات قوى عالمية قد انتهت، وأن حالة السيولة السياسية على الساحة العالمية هى ظرف موات لمعالجة آثار وأمراض الفترة الاستعمارية، فى حالة توحد موقف عربى وإسلامى للدفاع عن مصالح الأمة والعقيدة، متجاوزا الأهداف المحدودة للأقاليم الوطنية.
7 أن ما يحدث فى القرن الإفريقى يمثل حلقة فى الحصار الذى تهدف أمريكا إلى إحكامه على العالمين العربى والإسلامى، تحت لافتة "مكافحة الإرهاب"، وهى حلقة مفصلية من حلقات الحصار إذا لم يتم تداركها والتصدى لها، فقد تؤدى إلى خلل عميق وبعيد المدى فى موازين القوى، على الأقل من حيث الأبعاد الاستراتيجية لجبهة العالمين العربى والإسلامى.
وأخيرا فإن ما هو مطروح اليوم على ساحة القرن الأفريقى، والتركيز الأمريكى الشديد على هذه الساحة، إنما يمثل مؤشرا معتبرا على حقيقة أن إفريقيا هى المرشحة بقوة، لأن تكون ملعب الصراع القادم المفتوح بين الأقطاب الصاعدة فى عالم متعدد الأقطاب قادم ... لا محالة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.