لا يعرف الكثيرون من الذين يهاجمون المدافعين عن حقوق الانسان أن مصر لعبت دورا أساسيا فى صياغة أول وثيقة دولية لحقوق الانسان وهى الاعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 1948 ، وقد كان الدكتور محمود عزمى مندوب مصر الدائم فى الأممالمتحدة وقتها وشارك بالدور الأساسى فى صياغة المسودة الأخيرة لمشروع الاعلان الذى قدم الى الجمعية للأمم المتحدة التى اصدرته بالفعل دون ادخال تعديلات عليه . كما شاركه فى هذه الصياغة الدكتور شارل مالك مندوب لبنان فى الأممالمتحدة . ولا يعرف هؤلاء أن مصر وقعت على كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان وصدق على التوقيع السلطة التشريعية مما أكسب هذه الاتفاقيات قوة القانون ، من بين هذه الوثائق العهد الدولى للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووثيقة الحق فى التنمية وما يتعلق بحماية المرأة وبذلك تعتبر مصر من أوائل الدول التى تفهمت أهمية حقوق الانسان للمجتمعات البشرية فى عالم يموج بالصراعات وأنظمة الحكم الاستبدادية والسلطوية التى تحرم شعوبها من كثير من حقوقها الأساسية . وكان لهذا الموقف المبكر لمصر من حقوق الانسان اثره فى تطلع المصريين للتمتع بالحقوق التى نصت عليها وثيقة الاعلان العالمى وما تبعه من اتفاقيات دولية . وكما ساهمت مصر فى صياغة أول وثيقة دولية لحقوق الانسان فان الشعب المصرى دافع عن حقه فى ممارسة هذه الحقوق منذ اللحظة الأولى وتأسست أكثر من جمعية للدفاع عن حقوق الانسان المصرى ما لبثت أن أصبحت عشرات المنظمات الحقوقية فى النصف الثانى من السبعينيات التى لعبت دورا مهما فى الدفاع عن تمتع المصريين بهذه الحقوق ورصد الانتهاكات التى تتعرض لها هذه الحقوق . وقد توج هذه كله بتأسيس المجلس القومى لحقوق الانسان سنة 2004 كمؤسسة مستقلة ماليا واداريا عن أى جهة حكومية وقد دفع كثير من القائمين على هذه المراكز الحقوقية ثمنا غاليا لاصرارهم على موقفهم هذا. وأستخدمت قضية التمويل الأجنبى للنيل من هذه المراكز والتشهير بها لعزلها عن سائر المواطنين . واذا كان بعض هذه المراكز سعى الى التربح منها بالتمويل الأجنبى فان أغلبيتها العظمى كان مدافعا بقوة عن حق المصريين فى التمتع بهذه الحقوق منها على سبيل المثال مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب الذى قدم خدمات جليلة لمئات المصريين رجالا ونساء الذين عانوا من ظاهرة التعذيب ، وكذلك مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذى بذل جهدا حقيقيا لايجاد جذور فى التاريخ المصرى والإسلامى لهذه الحقوق وهناك أيضا الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية والمنظمة المصرية لحقوق الانسان ومركز استقلال القضاء والمحاماة . وهناك تراث هائل من الوثائق والدراسات والكتب التى أصدرتها هذه المراكز والجمعيات حول حقوق الانسان ودفع بعضها ثمنا غاليا من حريته نتيجة هذا النشاط. كان الاعلان العالمى لحقوق الانسان واضحا فى تناوله لهذه الحقوق منطلقا مما ورد فى ديباجة الاعلان (أن تناسى حقوق الانسان وازدراءها قد أفضيا الى أعمال همجية اذت الضمير الانسانى ، وأن غاية ما يرنو اليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة وتحرر من الفزع والفاقه ) وفى هذا الطرح حقيقة مهمة وهى وحدة حقوق الانسان سواء كانت مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية بما ورد فى المادة 19 من أنه ( لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أى تدخل ، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها واذاعتها بأى وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية) والماده 25 التى نصت على أنه لكل شخص الحق فى مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة ، وله الحق فى تأمين معيشته فى حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن ارادته ، ونص الاعلان فى هذا السياق عن حق الأمومة والطفولة فى مساعدة ورعاية خاصتين وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية . ولما كان اصدار هذا الاعلان فى عصر تعانى فيه الشعوب من الاستعمار والاستبداد حيث حاولت الحكومات تجزئة هذه الحقوق أو المقايضة على بعضها لصالح البعض الأخر فقد كانت أغلب هذه النظم تعترف ببعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق فى التعليم والعمل والعلاج فى الوقت الذى تنكر فيه على الشعوب حقها فى المشاركة السياسية والتمتع بحرية الرأى والتعبير عنه والتنظيم والتظاهر والتجمع السلمي، لهذا كانت خاتمة الاعلان العالمى لحقوق الانسان أنه (ليس فى هذا الاعلان نص يجوز تأويله على انه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أى حق فى القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف الى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه ) وتضمنت الاتفاقيات الدولية الحقوقية نصوصا تنص بشكل مباشر على التعامل مع جميع حقوق الانسان كحزمة واحدة دون تجزئتها أو المقايضة على بعضها لحساب البعض الأخر ، يسرى هذا التناول على المجتمع المصرى الذى لا بديل لنهضته عن احترام الحقوق السياسية والمدنية بقدر احترام الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر