توريد 77 ألف طن قمح للشون والصوامع بالقليوبية    وزير التعليم العالي يغادر إلى لندن للمُشاركة في فعاليات "المُنتدى العالمي للتعليم"    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ منظومة النقل الذكى على الطرق السريعة (ITS)    بث مباشر.. بدء توافد القادة على مقر انعقاد القمة العربية ال 33    فرمان حسام حسن.. استبعاد 9 نجوم من معسكر منتخب مصر لتصفيات كأس العالم    تبدأ السبت.. محافظ بني سويف يتابع استعدادات التعليم لامتحانات الاعدادية    رحلة بحث عن موعد عيد الأضحى لعام 2024: توقعات وآمال    أمن المنافذ يحكم السيطرة لمكافحة الجريمة: وهذه أبرز الضبطيات في 24 ساع    وزيرا النقل والري يبحثان تنفيذ المحاور الرئيسية أعلي المجاري المائية والنيل (تفاصيل)    إطلاق التيار الكهربائي وتشغيل محطة الصرف الصحي بأراضي "بيت الوطن" بالقاهرة الجديدة    تموين بورسعيد: توريد 15 ألفا و600 طن قمح لشون وصوامع المحافظة حتى الآن    رئيس جامعة قناة السويس يُكلف شريف فاروق بالعمل أمينًا عامًا    جيش الاحتلال يعترف بمقتل 5 من جنوده بنيران صديقة شمال غزة    وزيرة الخارجية الألمانية بعد محاولة اغتيال رئيس حكومة سلوفاكيا: سندافع عن ديمقراطية أوروبا    القناة الأولى: مصر لم تغلق أبواب معبر رفح منذ العدوان الإسرائيلي على غزة    وزير الخارجية اليمني: هجمات الحوثيين لم تضر سوى باليمن وشعبه وأشقائهم العرب    الجامعة البريطانية تحتل المركز الأول للجامعات الشابة وفقًا لتصنيف التايمز العالمي    موعد مران الأهلي في تونس استعدادا للترجي    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    القوات البحرية المصرية والبريطانية تنفذان التدريب البحري المشترك "مدافع الإسكندرية"    التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في الارتقاء بتصنيف الجامعات والمراكز البحثية دوليًا    بعد انخفاض دام نصف ساعة.. قفزة بسعر الدولار بالبنوك اليوم    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    المشدد 6 سنوات لعامل ضبط بحوزته 72 لفافة هيروين في أسيوط    ضبط تاجر بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في الفيوم    "لا تكفيك الدموع".. سلاف فواخرجي تودع المخرج عبداللطيف عبدالحميد بكلمات مؤثرة    «احترس من الخنازير» في قصر ثقافة قنا .. 24 مايو    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    رئيس جامعة المنيا يتفقد معامل المركز الإقليمي للصيانة والترميم بالأردن    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان مشروع إنشاء مستشفى منفلوط المركزي    "الرعاية الصحية": حل 100% من شكاوى المنتفعين لأول مرة    الولايات المتحدة.. تراجع الوفيات بجرعات المخدرات الزائدة لأول مرة منذ جائحة كورونا    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    تعليم الفيوم يحصد مركز ثاني جمهورية في مسابقة المعلمة الفعالة    محمد شريف يقود تشكيل الخليج المتوقع أمام الاتحاد بالدوري السعودي اليوم    محامي سائق أوبر يفجر مفاجأة: لا يوجد دليل على كلام فتاة التجمع.. ولو ثبت سأتنحى عن القضية    تمهيدا لإعلان الرحيل؟ أليجري يتحدث عن لقطته مع جيونتولي "سأترك فريقا قويا"    حالات الحصول على إجازة سنوية لمدة شهر في قانون العمل الجديد    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    يسري نصر الله يحكي تاريخ السينما في مهرجان الفيمتو آرت الدولي الثالث للأفلام القصيرة    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة ويتفقدان مستشفى بني محمديات بأبنوب    «مترو الأنفاق» يُعلن انتطام حركة القطارات بالخط الثاني    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    بوتين وشي جين يعتمدان بيانا مشتركا حول تعميق علاقات الشراكة    شوبير يكشف موقف محمد صلاح من معسكر المنتخب    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    نجم الترجي السابق ل«أهل مصر»: الأهلي مع كولر اختلف عن الجيل الذهبي    ياسمين عبدالعزيز تنشر صورة مفاجئة: زوجي الجديد    طريقة عمل دجاج ال«بينك صوص» في خطوات بسيطة.. «مكونات متوفرة»    تنظيف كبدة الفراخ بمكون سحري.. «هيودي الطعم في حتة تانية»    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    روسيا تعلن إحباط هجوم أوكراني بصواريخ أمريكية على شبه جزيرة القرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنرالات تألقوا‏..‏ في ثياب مدنية

في منعطفات الرحلة الأبدية للبحث عن الحرية والديمقراطية‏..‏ وفي لحظات فارقة في حياة الشعوب والأمم‏,‏ غالبا ما تظهر المؤسسة العسكرية كضوء خافت في الأفق يبشر بمقدم بطل خارق يحمل الأمل للانتقال إلي عصر جديد مشرق في نهاية الرحلة ليحول دون سقوط البلاد في هوة سحيقة. فقوة المؤسسة العسكرية في بعض الدول- وتماسكها ونظامها والانضباط الكامل الذي يقسم عليه أفرادها- غالبا ما تكون الجسر الأخير الآمن الذي تستند إليه الشعوب بعد عهود الظلم والاستبداد والوقوع في مراحل من التخبط وضياع الهوية السياسية والاقتصادية.
ولكن في كثير من الاحيان أيضا قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فربما يكون هذا الخيار بمثابة الصعود الي الهاوية, فحلم النجاة قد يتبدد مع أول قرار عسكري بالسيطرة علي السلطة واقتحام الحياة السياسية وتشكيل الحكومات العسكرية أو المدنية تحت سيطرة المؤسسة ذاتها, لتبدأ في بعض النماذج الفوضي والصراعات غير المتوازنة لاستعادة النظام وينتهي الأمر بخلق دكتاتوريات عسكرية أكثر استبدادا..
ولكن التاريخ يؤكد أنه لا توجد مسلمات, فربما تكون صرامة الانظمة العسكرية ضرورة في بعض الأحيان, وربما تتمتع بتأييد ودعم شعبي لا يحظي به الكثير من الحكام المدنيين, خاصة عندما تأخذ شكل المؤسسة الحريصة علي انقاذ الامم والشعوب من براثن الاستبداد والفقر وترقي الي قمة الوطنية بالحفاظ علي مقومات الدولة واعادة بنائها علي أسس حديثة. ولم يبخل التاريخ بطرح النماذج الاستثنائية التي لعبت دور البطل المنقذ لشعوبها وعبرت بهم مراحل انتقالية حساسة بهدوء وسلاسة. فهناك العديد من القيادات العسكرية التي تمتعت بالقوة والحكمة والكاريزما واستولت علي قلوب شعوبها بغض النظر عما شاب حكمها من مشاهد غير ديمقراطية ربما استهجنتها الدول الأخري رغم ضرورتها. وهناك ثلاثة نماذج لا يمكن تجاهلها بهذا الصدد وهي نماذج صريحة لجنرالات تألقوا في ادارة الحكم في ثياب مدنية ولا مبالغة في القول إن هؤلاء الجنرالات الثلاثة غيروا وجه التاريخ في القرن العشرين وخلقوا واقعا جديدا له خاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية سواء علي المستوي الداخلي أو علي الصعيد الدولي, وهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر, ومؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة الجنرال شارل ديجول, والرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور الذي يعد واحدا من أهم القادة العسكريين والجنرالات البارزين في تاريخ الولايات المتحدة.
عبد الناصر.. حبيب الملايين
لم يكن القائد العسكري جمال عبد الناصر مجرد العقل المدبر لثورة1952 التي أطاحت بالنظام الملكي وحررت مصر من ظلمات الاحتلال الإنجليزي, ولكنه فتح أبواب عصر جديد من الحداثة والمدنية والعدالة الاجتماعية في مصر. ويحسب له أيضا أنه أول رئيس مصري يشعر بمعاناة الفلاح البسيط ويساعده علي استرداد بعض حقوقه المنهوبة. كما لعب عبد الناصر دورا بارزا في ترسيخ المشاعر القومية والوطنية ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي بأكمله بل تجاوزت أفكاره التحررية حدود أمته وصولا الي كل بقاع دول العالم الثالث وألقت بظلال كثيفة علي كل دول العالم قاطبة دون استثناء, وتجلت هذه المشاعر القومية في إعلانه تأميم قناة السويس, وهو ما اعتبره العالم آنذاك أقوي تحد للقوي الغربية الكبري, حيث أكد بشكل عملي رفضه لسطوة الدول الرأسمالية الغنية والقوية علي البلاد وهو ما انعكس بشكل إيجابي علي جموع الشعب المصري, وفي الستينيات من القرن الماضي تحول عبد الناصر إلي رمز للاستقلال والكرامة في العالم العربي وافريقيا ودول عدم الانحياز فضلا عن نجاحه في تحقيق مفهوم الديمقراطية الاجتماعية التي ارتبطت بشكل أساسي بالعدالة وتذويب الفوارق بين الطبقات. ولكن لا يمكن تجاهل سلبيات عصره التي تمثلت بشكل أساسي في غياب التعددية السياسية والاعتماد علي التنظيم السياسي الواحد.
ديجول.. بطل الحرب والسلام
أما الرئيس الفرنسي شارل ديجول, فيعتبر واحدا من أهم القادة العسكريين والساسة في فرنسا وأوروبا بأكملها. فعلي الرغم مما عرف عنه من أنه شخص صعب المراس, فإنه أثبت قدراته العسكرية الفائقة علي مدي سنوات طويلة من الخدمة بين صفوف الجيش الفرنسي. ولعبت شخصيته العسكرية القوية الرافضة للإنحناء لسطوة العدو مهما كانت قوته دورا مهما في تحرير بلاده من قبضة النازي, حيث رفض في عام1940 إبرام الحكومة الفرنسية هدنة مع النازي الألماني. وبالرغم من ضعف الموقف الفرنسي إلا أنه رفض الاستسلام وفضل الفرار إلي بريطانيا, حيث شكل قوات الفرنسيين الأحرار, ووجه خطابا تاريخيا للشعب الفرنسي عبر هيئة الإذاعة البريطانية يطالبهم فيه بالتماسك ومقاومة أي احتلال لبلادهم, بل التصدي لنظام فيشي الذي أبرم هدنة مع الألمان, لتصدر بعد ذلك ضده أحكام بالسجن والإعدام بتهمة الخيانة للنظام الفرنسي. وبالطبع نجح القائد الفرنسي في التعاون مع دول الحلفاء لإنقاذ بلاده من سطوة النازي, ليتحول ديجول- في نظر شعبه- إلي بطل قومي لم يجد الزمان بمثله. وبعودته إلي فرنسا عام1944, بدأ ديجول حياته السياسية حيث شغل منصب رئيس الوزراء في الإدارة الانتقالية التي تسلمت أطلال فرنسا, فلم تكن سوي دولة تعاني من انهيار البنية التحتية والفقر ونقص الاحتياجات الأساسية. ولكن أول قرار جريء وقوي يتخذه هو رفضه دعم قوي المعارضة المسلحة التي دعمته خلال فترات التحرير, ليؤكد لجنوده أنهم لا يمكنهم الاستمرار كقوة ثورية مسلحة بعيدة عن الجيش. وخيرهم بين الانضمام لصفوف الجيش أو ترك السلاح والعودة لصفوف المدنيين. ونجح ديجول في قيادة فرنسا خلال فترة صعبة اقتصاديا وسياسيا, استحوذ خلالها علي ثقة شعبه. ووضع دستور جديد للبلاد أعلن فيه قيام الجمهورية الخامسة عام1958 منح خلاله سلطات أكبر للرئيس, قبل أن يحتل منصب الرئاسة لمدة عشر سنوات متتالية. ولكن انجازات ديجول لم تحل دون اندلاع مظاهرات1968 الحاشدة احتجاجا علي سياساته المستبدة, حتي أنه خشي من اندلاع ثورة أو حتي حرب أهلية. وتجلي رفض شعبه له في العام التالي من خلال الرفض الشعبي لبعض اصلاحاته السياسية المقترحة وهو ما اضطره في النهاية للاستقالة من منصبه.
أيزنهاور.. عسكري في البيت الأبيض
أما وضع الرئيس الأمريكي الراحل الجنرال دوايت أيزنهاور فيختلف كثيرا عن عبد الناصر وديجول, فلم يشعل ثورة ضد حكم جائر أويحرر بلاده من براثن الاحتلال. ولكنه مع ذلك يعتبر من القيادات العسكرية الأمريكية القليلة التي احتلت مكانة بارزة في قلوب المواطنين بسبب مهامه العسكرية الناجحة التي حظيت بشعبية كاسحة, خاصة عند قيادته في1944 لمهمة غزو قوات الحلفاء لأوروبا التي سيطر عليها النازي. ليعود بذلك لبلاده في صورة البطل والمنقذ. وبلغت شعبيته إلي الحد الذي دفع الرئيس هاري ترومان لدعوته للانضمام له كنائب له في انتخابات الرئاسة الأمريكية في1948, وهو ما رفضه أيزنهاور أنذاك وفضل أن يكون أول قائد أعلي لقوات حلف شمال الأطلنطي. ولكنه قرر اقتحام عالم السياسة كجمهوري معتدل في1952 لينتصر عن جدارة لفترتين متوليتين.واستغل أيزنهاور شعبيته الكاسحة كقائد عسكري وشخصيته اللبقة البسيطة والجذابة في تمرير عدد من المشاريع الاجتماعية والتنموية المهمة في تاريخ الولايات المتحدة. وعلي صعيد السياسات الخارجية, أشعل الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق وتدخل بشكل مرضي أحيانا وضار أحيانا أخري في دول العالم الثالث والشرق الأوسط, مما أدخل واشنطن في غياهب حرب مثل فيتنام التي أثارت حفيظة الأمريكيين لأعوام طويلة. وفي الختام, عسكري أم مدني ؟.. ليس هذا هو الفيصل بالنسبة لشخصية القائد أو الرئيس. ولكن قدرته ورؤيته لكيفية انتشال بلاده من أزماتها لابد أن تكون هي المحك. فبالرغم من قسوة حكم التاريخ, فإن هناك مراحل في حياة الشعوب تكون فيها في أمس الحاجة لبطل حكيم.. محبوب..وصارم ولو لبعض الوقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.