«ميتا» تزيل 10 ملايين حساب من فيسبوك بسبب المحتوى الزائف    أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال    البوري ب 80 جنيها.. أسعار الأسماك اليوم بأسواق كفر الشيخ    «التعليم» و«التنظيم والإدارة» يتفقان على الاستعانة ب«المعلمين الناجحين» غير المعينين بالمسابقات (تفاصيل)    السيطرة على حريق محدود بمبنى إداري دون إصابات بشرية بمستشفى قنا العام    أمير كرارة وأبطال فيلم الشاطر يحتفلون بالعرض الخاص فى 6 أكتوبر.. اليوم    تداول 11 ألف طن بضائع و778 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    انطلاق منتدى مصر للتعدين بالقاهرة اليوم    تعزيز العلاقات الاقتصادية أبرزها، مستجدات تطور الشراكة الاستراتيجية المصرية مع الاتحاد الأوروبي    الاتحاد الأوروبي يبحث فرض عقوبات جديدة على روسيا    الدفاع الروسية: إسقاط 55 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    بدلا من بورفؤاد، المصري يواجه كابسي غدا الأربعاء وديا    "لمساعدة رونالدو".. جيسوس يتحدث عن سبب موافقته على تدريب النصر السعودي    وزير التعليم يشيد بمقترح إعداد قوائم انتظار للناجحين بالامتحان الإلكتروني ولم تشملهم أعداد التعيين    فرص عمل في لبنان برواتب تبدأ من 500 دولار - تفاصيل ورابط التقديم    قبل إعادة فتحه، كامل الوزير يتفقد الطريق الإقليمى بالمنوفية    حالة الطقس اليوم.. حرارة شديدة تصل ل41 درجة    مصرع وإصابة 5 أفراد من أسرة واحدة في حادث مروع    المركزي يقرر عودة البنوك للعمل إلى الساعة 3 عصرا بدلا من 5 مساء اليوم    تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    إعلام إسرائيلي: الجيش غارق في وحل غزة وقيادته تخشى مواجهة المستوى السياسي    وزير الدفاع الألماني: يُجرَى الإعداد لتسليم نظامي باتريوت لأوكرانيا    رئيس جامعة جنوب الوادى يناقش مشروع الاعتماد المؤسسي للجامعة    "تكريم وتمكين".. ملتقى بجامعة قناة السويس لربط الإبداع الأكاديمي بفرص التوظيف    تعرف على مدة الدراسة في نظام البكالوريا وفقا للقانون الجديد    شوبير: رغبة أحمد عبد القادر الأولى هي اللعب للزمالك    أبرزهن هذا الثلاثي، نجمات ظهرن في بروموهات ألبوم تامر حسني الجديد    بإقبال كبير.. قصور الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" لدعم الموهوبين بشمال سيناء    عبد اللطيف: قطاع التعليم الفني أحد الركائز الأساسية لبناء مستقبل مصر الاقتصادي والصناعي    الإصابات بالسعال الديكي في اليابان تتجاوز 43 ألف حالة خلال 2025    رئيس «قناة السويس» يبحث مع السفير الإيفواري التعاون في تطوير الموانئ والتدريب    تنسيق الدبلومات الفنية 2024 دبلوم التجارة نظام 3 سنوات.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة كاملة    بلغت كولر..تعليق مثير للجدل من المعد النفسي السابق للأهلي على قرار الإدارة    يعالج الاضطرابات الزائدة.. مستشفى جامعة الفيوم تضم أحدث أجهزة علاج القسطرة القلبية- صور    الصحة الأمريكية: تفشي مرض الحصبة لا يعتبر حالة طوارئ وطنية في الوقت الحالي    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تقصف مبنى سكنيًا غرب مدينة غزة    شعبة الأدوية تطالب بزيادة أسعار 1000 صنف دوائي وتوضح الأسباب    بيراميدز يستفسر عن ثنائي الزمالك.. ويرفض التفريط في نجمه للأبيض (تفاصيل)    إعلام فلسطيني: الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة    عمال الجيزة: مشاركتنا في انتخابات الشيوخ ستعكس وعيًا ديمقراطيًا ومسؤولية وطنية    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    توقعات الأبراج وحظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025.. «الجوزاء» أمام فرصة ذهبية في العمل    أحمد وفيق: عملت في الإضاءة والديكور وتمصير النصوص المسرحية قبل احترافي الإخراج    مدحت العدل يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تصريحه حول حجاب حفيدة أم كلثوم    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. الكليات والمعاهد المتاحة لدبلوم صنايع (قائمة كاملة)    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    مستشار وزير التموين: توقعات بوصول أوقية الذهب ل 4500 دولار    الحكم محمد الحنفي يعلن اعتزاله    صفقة جديدة لزعيم الفلاحين.. المحلة يتعاقد مع لاعب كاميروني    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    بدء إصلاح سنترال رمسيس جزئيًا.. وشكاوى من استمرار انقطاع الخدمة    المنقلبون على أعقابهم!    «أحلى صفقة في حياتي».. أول تعليق من سيد مرعي بعد انتقال نجله إلى الأهلي    أحمد وفيق يكشف كواليس جديدة عن تعاونه مع سامح عبدالعزيز ب«صرخة نملة»    «واشنطن» تُصعّد لهجة الانتقادات ضد «موسكو».. وتستعد لتزويد «كييف» بأسلحة هجومية    «عايز عقد أكبر من زيزو».. إمام عاشور يفاجئ الأهلي بطلب صادم.. كريم حسن شحاتة يكشف    أمين الفتوى: صلاة المرأة في الأماكن العامة ليست باطلة (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورتا الشباب في فرنسا ومصر‏..‏ نقطة تحول نموذجية في التاريخ
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 02 - 2011

دخل استاذ العلوم السياسية في جامعة كوينز بكندا الي مدرج المحاضرات ليناقش طلابه فيما تعني ثورة مصر‏,‏ ولكنه طلب من طلابه اغلاق كتاب التاريخ عن الصراع والسلام في الشرق الأوسط ودعا الي حوار ومناقشات حرة‏,‏ فقد أدرك الاستاذ أن لاشيء في التاريخ يماثل ما حدث في مصر‏,‏ في‏25‏ يناير‏.2011‏ كما أدرك الأستاذ الكندي ان المشهد السياسي في الشرق الأوسط يتم اعادة تشكيله في تلك اللحظة وتحت أعين العالم‏,‏ ووصف مايحدث في مصر بأنه تحول جيوسياسي لارجعة فيه اجتثت لكل شيء من الجذور بما في ذلك قدرته هو كأستاذ علي تقييم مايحدث أو توقع ماقد يحدث واكد البروفيسور لطلابه أن سياسات الشرق الأوسط تشهد كل‏20‏ عاما تحولا نموذجيا واحداث مصر هي واحدة من تلك اللحظات التاريخية‏.‏
ولكن في تاريخ أوروبا هناك لحظة تاريخية مماثلة وقعت قبل‏43‏ عاما‏,‏ في مايو من عام‏1968‏ في مدينة باريس العاصمة الفرنسية‏,‏ وان لم تكن متطابقة تماما مع ثورة مصر‏,‏ إلا أن هناك العديد من النقاط التي يمكن أن نجد تشابها بينهما فيها ويمكن ان نقارنهما حتي نفهم الي حد ماحدث هنا‏.‏
من اهم نقاط التشابه هي صفة الثورة والتي قادها في كلتا الدولتين ما أطلق عليهم شباب الغضب فهم الشباب في باريس وفي القاهرة‏,‏ الذين أطلقوا وحركوا الثورة‏,‏ وان كان شباب فرنسا كان لازال في عمر الجامعة بينما شباب مصر كان اكثر نضجا‏,‏اذا تجاوز العشرينات والثلاثينات من عمره‏.‏
والنقطة الثانية كانت مطلب الشباب الرئيسي والذي سمعناه في فرنسا عام‏1968‏ يطالب رئيسه الجنرال شارل ديجول‏,‏ بالتنحي لأن عشر سنوات هذا يكفي حيث ان الرئيس ديجول كان قد تولي السلطة في عام‏1958,‏ نفس الطلب وجهه شباب مصر الي رئيسه حسني مبارك في‏2011‏ يطالبه بالتنحي بعد‏30‏ عاما علي السلطة‏.‏
من ناحية أخري وعلي الرغم من ان كل شيء في سياسات الرئيس ديجول تختلف عن تلك التي كان ينتهجها الرئيس مبارك‏,‏ سواء في مجالات الاهتمام بالوحدة الإقليمية‏,‏ ونبذ السياسة الإسرائيلية العدوانية ضد العرب وفلسطين والتمسك باستقلالية القرارات السيادية الفرنسية في مواجهة رغبة امريكا في الهيمنة‏,‏ إلا أنه من الممكن ايجاد نقاط التقاء بين مبارك وديجول من حيث ان كليهما كان يستمدشرعيته من تاريخه العسكري ومقاومته للاحتلال الأجنبي‏,‏ فقد كان الرئيس ديجول يستمد شرعيته من تزعمه المقاومة ضد الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية‏,‏ بينما كان الرئيس مبارك يستمد شرعيته من دوره في حرب‏1973‏ ضد الاحتلال الصهيوني‏.‏
وفي إدارتهما للأزمة الداخلية تعامل كل من مبارك وديجول بنفس الطريقة‏,‏ فقد قاما بترك الأمور تتفاقم عدة أيام‏,‏ وتدخل البوليس بقسوة في مصر‏,‏ بينما وقعت صدامات عنيفة في فرنسا بين المتظاهرين والشرطة وعندما تصاعدت الفوضي الي أقصي حد لها‏,‏ ظهر ديجول وقال كلمته الشهيرة‏:‏ أنا أو الفوضي وهي نفس كلمات الرئيس المصري السابق الذي اكد في حديث له مع القناة البريطانية بي بي سي‏:‏ ان تركت الحكم فإن الأمور ستتحول الي الفوضي الشاملة‏.‏ تمسك الرئيسان بالحكم لفترة ما‏,‏ فلم يتنح ديجول إلا بعد مرور عام علي احداث مايو‏,‏ حينما طرح استفتاء في أبريل عام‏1969‏ واكد انه سوف يتنحي في حالة رفض الاستفاء وقد كان فقد رفض الناخبون الاستفتاء بنسبة تتجاوز‏52%‏ من الاصوات‏,‏ وتنحي ديجول في نفس الليلة‏.‏ وفي مصر تمسك مبارك بالسلطة لمدة‏18‏ يوميا‏,‏ ولكن ضغط الشارع المصري كان كبيرا‏,‏ وكان بمثابة استفتاء علي وجود الرئيس نفسه‏,‏ فاضطر الي التخلي عن الرئاسة اخيرا‏.‏
ولكي نفهم احداث مايو‏1968‏ الفرنسية ونقاط تلاقيها واختلافها مع احداث يناير وفبراير‏2011‏ في مصر‏,‏ سوف نتصفح كتاب صدر عام‏1969‏ في فرنسا عن مايو‏1968,‏ تحت عنوان شهر مايو والجنرالللكاتب السياسي جان ريمون تورنو‏,‏ يتساءل الكاتب كيف استطاع ديجول تجاوز تلك الأزمة التي هزت في‏30‏ يوم عشر سنوات من الحكم وفي أقل من‏24‏ ساعة كانت الضربة القاضية‏.‏
ثورة أم أزمة قومية؟
بالنسبة للمحللين السياسيين فان الثورة هي الحركات التي تنجح أما الأحداث‏.‏ فهي المشاعر المتدفقة التي تتوقف عن المضي قدما‏.‏وفي باريس‏,‏ فجأة في ذلك اليوم من ربيع‏68,‏ ثار أطفال الغضب حيث تناطح كل شيء‏:‏العقائد والاديان‏,‏ القوانين والسلطات‏.‏ الاساتذة والتلاميذ الجنرال والمرافقين‏,‏ ولم يجد الكاتب أي حركة أو ثورة تشبه تلك التي تشهدها باريس في ربيع‏68,‏ كانت الفوضي كاملة وكان الحماس في كل مكان‏.‏ بدأت الاحداث بنقد للجامعة‏,‏ وانتهت بنقد للمجتمع ككل‏.‏ وبدأت الثورة في باريس ثم انتقلت إلي العديد من مدن فرنسا الاخري‏,‏ ثم امتدت مثل النار في الهشيم إلي سائر الدول الأوروبية والأمريكية اللاتينية والشرق الأوسط وحتي الهند والصين‏.‏
في البداية لم يلتفت أحد في السلطة للتململ في جامعة نانتير في ضواحي باريس‏.‏ بل بالعكس‏,‏ فقد كان رئيس الوزراء جورج بومبيدو يري ان الوضع عامة في البلاد ينبيء بالنمو والتقدم وعندما اعرب وزير الداخلية عن قلقه ازاء المظاهرات التي بدأت‏,‏ دعاه رئيس الوزراء الي الشدة والي عدم الإذعان لهم‏,‏ بل معاملتهم بقسوة تعامل المتظاهرون من البداية بالعنف عندما تدخل البوليس فتحول الاستفزاز الي ردع والردع الي تضامن سائر الطلبة مع حفنة المحتجين‏..‏ ومع تجاهل السلطة وقمع الشرطة تجمع الطلبة في نانتير والسوربون يحملون الخوذات والعصي وتحولت احداث الحي اللاتيني الي العنف وهي نقطة اختلاف أساسية مع ثورة شباب مصر الذي أصر من اليوم الأول وحتي اليوم الاخير علي ان ثورتهم سلمية رغم كل محاولات قمعها بالعنف‏.‏
وكانت الذروة في فرنسا مع اصطدام الطلبة مع الدولة ورأس الدولة الجنرال ديجول الذي لم يقبل التحاور قبل عودة الهدوء والنظام الي الجامعة ولكن الطلبة اكدوا انهم سوف يستمرون في اعتصامهم في السوربون ومدرجاتها حيث تجري المناقشات حول مشاكل الجامعة‏.‏ ورأي ديجول ان الوضع يعني ان هناك تحديا بين الجانبين وأكد علي انه لن يقبل هذا الوضع ولن يذعن لبضعة طلبة يتحدون العودة الي الهدوء والعمل وتصور المسئولون حول الرئيس ان الاحداث ماهي الا عمليات بسيطة وسوف يتم علاجها بالشدة بالعصي البيضاء والقنابل المسيلة للدموع ورفض ديجول مايقال عن أن الاحداث قد تؤدي الي هز المجتمع بشدة او انها تعني ان هناك أزمة حضارية‏.‏
لم يدرك المسئولون في تلك الفترة ان الاصلاح كان يجب ان يبدأ مسبقا لتغيير العلاقات بين الاساتذة والطلاب وديمقراطية التعليم ولم يدرك المسئولون وايضا الرئيس ديجول حجم وخطورة مايحدث في الحي اللاتيني واعتبروا المحتجين مجرد طلبة لا يريدون اجراء الامتحانات وان الطلبة الذين يقودون العنف يرهبون زملاءهم الاخرين‏.‏
وبدأ الجدل حول كيفية ادارة الازمة‏:‏ البعض يري ضرورة قمعها بالعنف ويري البعض الآخر ان ذلك سوف يغذي التمرد ويعطي المتمردين المبرر لتصعيد الأمور ولكن الهدوء لم يعد بسرعة واقيمت المتاريس في الشوارع واصبح من أهداف الطلبة قلب نظام المجتمع ثم انضم العمال الي الطلبة يطالبون بقلب النظام الاجتماعي البرجوازي‏.‏
الدولة أم التمرد
بدأ بعض المسئولين يشعر بالقلق ويطالب بسحب الشرطة من مواجهة الطلبة والا وقعت مجازر‏..‏ بينما التزم البعض الآخر بعقيدة الدولة‏:‏ يجب علي المتظاهرين الانسحاب من أمام الشرطة الدولة لا تستطيع ترك الشارع للمتمردين وبدأ البوليس في القاء القنابل المسيلة للدموع وهكذا يري الكاتب كيف يكتب التاريخ من احداث صغيرة وكيف تنسج الاحداث الكبري من بضع عمليات صغيرة تتدرج مثل كرة الثلج الي ان تتحول الي انهيار ثلجي وبدأ الحديث عن احتمالات ان تتحول الحركة الي ثورة والثورة الي حرب أهلية‏.‏
ومثل كل سلطة تريد ان تبرر الثورة فتقول كما قال احد المسئولين الفرنسيين هناك عناصر ثورية وفوضوية تغلغلت بين المحتجين ذي النوايا الطيبة‏..‏ هذه العناصر تصر علي ان تنتهي تلك المغامرة في بحر من الدماء‏..‏ وعددهم قد يتجاوز أربعة آلاف شخص‏.‏
دور التقدم التكنولوجي
لم يكن اصلاح الجامعة هي المهمة الحقيقية أمام الدولة ولكن في الواقع كانت مشكلة الشباب عامة هي السبب الاساسي في تفجر الثورة‏:‏ مكانتهم في المجتمع واجباتهم وحقوقهم وايضا توازنهم الاخلاقي نفسه فيري الكاتب ان الشباب عادة يخضع الي الانضباط والجهد كما يخضع لمثل أعلي يحتذي به لفكرة اخلاقية‏.‏ وفي رأي رئيس الوزراء جورج بومبيدو ان الانضباط لدي الشباب قد اختفي الي حد كبير بسبب دخول التليفزيون والراديو الي المجتمع مما جعل الشباب منذ طفولتهم علي اتصال بالعالم الخارجي لقد أدي التطور في الاخلاقيات الي تغيير العلاقات بين الأهل وأطفالهم وبين الاساتذة وتلاميذهم‏.‏
لقد ادي التقدم التكنولوجي وتطور مستوي المعيشة الي الغاء مفهوم الجهد‏.‏
نفس هذا التقدم في التكنولوجيا الحديثة مع اختلاف الزمن هو الذي ساعد شباب مصر علي التكاتف معا لخوض الثورة والتظاهر ضد الدولة‏.‏
ولكن كان شباب‏68‏ من الطلاب الذين وصفهم بومبيدو بأنهم علي عكس العمال والفلاحين لا يعملون بعد وبالتالي يقضون وقتهم في التفكير وطرح التساؤلات واجراء ابحاث والقلق علي المستقبل والبعض الاخر يتجهون نحو الانكار والرفض الكامل والتدمير كان الشعور بالرغبة في التدمير ينصب أساسا علي الجامعة ولكن ايضا علي المجتمع ككل المجتمع الحديث والمجتمع المادي وروح هذا المجتمع‏.‏
ولكن بعكس فرنسا فان شباب مصر كان من الفئة التي بدأت تعمل بالفعل وتدفع ضرائبها وبالتالي فان احساسها بالوطن ينبع من الاحساس بالمسئولية لذلك فلم يتجه شباب مصر الي التدمير بل ظلوا يؤكدون في احلك اللحظات ان ثورتهم سلمية وبعدها عادوا الي الميدان لتنظيفه وهو اكثر شيء يعكس هذا الاحساس الكبير بالمسئولية‏.‏
كانت الروح التدميرية لدي شباب فرنسا هي السبب في خفوت شعبية الثورة في فرنسا فقد صدمت تلك الأحداث العقلانية لدي الشعب مثل احتلال الجامعات بشكل تمثيلي والفوضي والاسلوب الذي سارت عليه الثورة في محاولة للتشبه بالثورة الثقافية في الصين اثار كل ذلك قلق وتوتر الشعب الفرنسي كما ادي إحراق السيارات الي تحول الرأي العام تماما ضد ثورة الشباب‏.‏
وعندما امتد التظاهر الي قطاعات اخري مثل العمال والاعلام والصحافة والانشطة الفنية والثقافية عكست فرنسا صورة أخري من العصور الوسطي‏.‏
ولكن في داخل نفسه كان الجنرال ديجول يدرك تماما ان ماحدث كان‏:‏ عاصفة لم أكن استطع الإمساك بها‏.‏ لا يستطيع أحد الإمساك بعاصفة بين يديه‏.‏
لم يعد لدي القدرة علي السيطرة وشعر المحيطون بالجنرال أن الارهاق زحف اليه ولكنه عاود المقاومة‏.‏
دور الجيش
في فرنسا‏,‏ كما هو في مصر‏,‏ أو في أي مكان آخر‏,‏ دور القوات المسلحة هو حماية الوطن‏.‏ وواجبها هو عدم الخروج عن الشرعية‏,‏ والجيش في فرنسا في عام‏8691‏ كان يدرك تماما أنه درع الحكومة الشرعية‏,‏ أيا كانت تلك الحكومة‏.‏
ولكن في الوقت نفسه‏,‏ كان يدرك تماما أن عليه تجنب المواجهة المسلحة في الشارع بأي ثمن‏..‏ كان من المستحيل علي الجيش أن يتدخل كعنصر أمني بين الفصائل القومية‏..‏ وكان قرار العسكريين واحد‏:‏ في الظروف الحالية‏,‏ فإن مهمة الجيش لا تخرج عن الردع الثابت‏.ww‏
القرارات الأخيرة
أدت تطورات الأحداث في الشارع الفرنسي‏,‏ إلي أن أصبح النظام علي شفا الانهيار‏,‏ وسادت الساحة السياسية دعوات بضرورة رحيل الرئيس ديجول‏.‏ ولكن ديجول لم يرحل‏,‏ وقرر رئيس الوزراء جورج بومبيدو الاستقالة من منصبه‏,‏ في محاولة كما قال الكاتب إلي إحداث صدمة نفسية قوية والعمل علي الانطلاق من أسس جديدة‏,‏ واختيار رئيس حكومة جديد وتشكيل حكومة جديدة‏.‏
قرر ديجول البقاء‏:‏ لن أرحل‏..‏ فقد حصلت علي تفويض في الانتخابات الرئاسية‏,‏ وسوف أستمر في تحقيق مهامي‏.‏ وفي‏92‏ مايو اختفي ديجول عن باريس‏,‏ مما أذهل الجميع وفتح الباب أمام كل الاحتمالات‏.‏ وعند ظهوره مرة أخري‏,‏ بعد‏42‏ ساعة‏,‏ استخدم ديجول شرعيته التاريخية وتحدث إلي الفرنسيين بحزم وقوة‏,‏ مذكرا إياهم بصوته عبر الأثير ينادي إلي المقاومة ضد الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية‏.‏
وأعلن حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية‏,‏ وكان لصوته في‏86‏ تأثير قوي‏,‏ دفع مئات الآلاف‏,‏ قد يصل العدد إلي مليون شخص‏,‏ إلي الخروج في مظاهرة عارمة من ميدان الكونكورد إلي قوس النصر عبر الشانزليزيه‏.‏
وعادت الأمور إلي طبيعتها تدريجيا‏,‏ لم يتنح الجنرال ديجول في مايو‏8691,‏ واعتبر الجميع تغيير المد لمصلحته بمثابة انتصار له‏,‏ ولكن في حقيق الأمر‏,‏ فإن أحداث‏86‏ كانت بداية النهاية بالنسبة للزعيم الفرنسي‏..‏ وبعد أقل من عام‏,‏ في ابريل عام‏9691‏ طرح ديجول علي الشعب في استفتاء عام‏,‏ مشروع قانون لنقل بعض سلطات إلي المحليات ودمج مجلس الشيوخ مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي‏,‏ كان الاستفتاء علي سؤالين‏,‏ ولكن يتطلب إجابة واحدة‏,‏ وربط ديجول مصيره بنتيجة الاستفتاء‏,‏ معلنا استعداده للتنحي في حالة رفضه‏.‏
رفض الناخبون الفرنسيون الاستفتاء بنسبة‏25,14%‏ في يوم‏82‏ ابريل عام‏9691,‏ وفي الليلة نفسها‏,‏ بعد منتصف الليل بدقائق‏,‏ خرج بيان من مسقط رأس الجنرال في كولومبي ليه دوزيجليس يقول‏:‏ إنني أتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للجمهورية‏..‏ هذا القرار سيكون ساريا ابتداء من اليوم في الساعة الثانية عشر ظهرا‏.‏
‏‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.