تشبه القارة الإفريقية، بصورتها وتضاريسها، «فص ألماس» نادر «منحوت من حجر الألماس الأسود، الذى كانت تحميه فى أحشائها حتى جاء الاستعمار الأوروبى فى القرنين التاسع عشر والعشرين ليبقر البطون ويستنزف الخيرات بغير رحمة، فاستولى على الألماس والذهب والعاج والنحاس وغير ذلك بل وساق البشر عبيدا للخدمة فى القارتين: الأوروبية والأمريكية.. وعندما ارتفع الأنين وثارت الشعوب ونشطت حركات التحرر الوطنى فى منتصف القرن العشرين الماضي.. بدأ رحيل الاستعمار بعد معارك طاحنة دامية ورغم آثار سلبية خلفها وراءه ومنها عدم ترسيم الحدود بوضوح، وتداخل القبائل بين أكثر من دولة، وكذا الآبار والأنهار، وتفريغ المناجم وما إلى ذلك.. إلا أن الأفارقة فى وجود حكام على قدر كبير من الحكمة والمسئولية قد نحوا الخلافات جانبا واتجهوا إلى محاولة استعواض ما فقدوه وما خسروه.. وكان أن أسسوا فى بداية الستينيات، منظمة الوحدة الإفريقية لتكون منظمة اقليمية يتحاورون فى إطارها ويخططون لمستقبلها، ويخاطبون العالم من خلالها.. ولقد نجح الأفارقة فى هذا إلى حد معقول.. وخرجت من القارة مواقف صلبة بالإجماع أو ما يقترب منه..كما شهدت القارة تجارة بينية.. ومشروعات مشتركة.. واستثمار يستهدف تنمية الإنسان والمكان، وليس تسخيرها لمصلحته! وفى المقابل فإن رؤوس الشر قد تحركت.. وعندما ارتفعت فى إفريقيا صيحات تطالب باسترداد ديونها لدى الأوروبيين والأمريكيين ومنها التعويضات عن الماس الذى سرقوه.. وعن الذهب الذى استنزفوه.. وعن العاج والنحاس والأخشاب.. فضلا عن «البشر» سواء الذين جندوهم فى الحروب لحسابهم أو.. الذين أخذوهم للخدمة فى البلاد.. ولما ارتفعت حدة الصيحات وبحثتها المنظمة فى التسعينيات.. سارع الأوروبيون والأمريكيون بتطويق الموقف.. وتكثفت اتصالاتهم مع الدول وعرض مشروعات تنموية.. ورويدا هدأت عاصمة التعويضات.. وفى نفس الوقت لم تتحقق مشروعات لها قيمتها.. بل وعلى العكس تسبب «اللهو الخفي» فى أن جعل الأفارقة، ينشغلون فى مظاهر استعراضية واستفزازية.. وفى صراعات حول السلطة.. وفى ترسيم الحدود وتقسيم البلاد.. والأخطر من ذلك فى مواجهة فتن بذرها. ولقد كان منها جماعة «الرب» وغيرها لأن القارة تنتشر فيها أديان بالمئات. ومنذ سنوات جاءت «بوكو حرام» لتكمل المجموعة.. أما الهدف حتى لا ننسى أن تظل إفريقيا فى مكانها ومحلك سر بينما تمتد «ضروعها» إلى الخارج.. فيستفيد منها الآخر و.. يتغذي! وهذا وضع شاذ.. وقد استفاقت له القارة.. ويبذل المخلصون فيها جهدا.. ومن ذلك مؤتمر «الاستثمار فى إفريقيا» الذى سينعقد فى شرم الشيخ يومى السبت والأحد عشرين وواحد وعشرين فبراير والذى سيحضره الرئيس عبد الفتاح السيسى وعدد من الرؤساء الأفارقة، ورؤساء الحكومات والوزراء، ورجال الأعمال من كل الدول الإفريقية إذ تمت توجيه الدعوة إلى دول القارة الاثنين وخمسين دولة وسيركز المؤتمر على مجالات خمسة أساسية تتصل بالبنية الأساسية والبيئة والصحة والزراعة والطاقة الجديدة والمتجددة.. وهذه بلا شك مجالات حيوية مربحة تفتح الطريق لعشرات المشروعات التى تربط الأفارقة بعضهم ببعض وتجعل القارة.. الألماسة السوداء نادرة غالية بالفعل تحتضن بعضها.. تحنو على نفسها.. ولا تحتضن غيرها أو تحنو عليه إلا فى إطار الندية والمعاملة بالمثل ورفض المصالح المبدئية. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر.. فإننى هنا أشير إلى مشروع مهم سبق أن فكرت فيه كاتب هذه السطور فى الثمانينيات من القرن الماضى وهو إنشاء طريق برى يصل ما بين الساحل المصرى على البحر المتوسط شمالا ويهبط جنوبا ليصل إلى ساحل جنوب إفريقيا على المحيط الهندي.. وقلت إنه يمكن أن يكون غرب الدلتا أى غرب الاسكندرية وهذا ما أستحسنه أو.. شرقها أى ما بين الدلتا والبحر الأحمر.. وقد نشرت عن هذا وقتها كما تحدثت عنه فى مؤتمر التعاون العربى الإفريقى فى طرابلس ليبيا.. ثم عدت ونشرت عنه على هذه الصفحة منذ نحو عام ونصف عام واقترحت أن يكون اسمه: طريق مصر بإفريقيا وذلك فى الجزء الذى ينشأ فى مصر حتى حدودها مع السودان.. ثم يحمل اسم السودان إفريقيا حتى الدولة التالية وهكذا حتى يصل إلى المحيط. مما يخلق عمرانا وحضارة وينشط التجارة البينية وبين القارة وغيرها. وبعد النشر اتصل بى السيد محمد فايق رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان الآن وقال إنه عندما كان مديرا لمكتب الرئيس جمال عبد الناصر للشئون الافريقية، سمعه فى أحد الاجتماعات مع القادة فى المنظمة يتحدث عن نفس الفكرة. وأضاف أن زيمبابوى نفذت بالفعل طريقا من شمالها إلى جنوبها باسم: «كايرو كاب» إشارة إلى القاهرة وكيب تاون فى جنوب إفريقيا! والخلاصة أن الطريق مهم.. ويمكن البدء فيه بكل الدول فورا وقد سمعت أن مسئولا مصريا قد صرح بأن مصر تنشئ طريق مصر إفريقيا.. وبقدر سعادتى لتنفيذ الفكرة بقدر حسرتى على اهمال أصحابها.. فالمسألة ليست قيمة مادية وإنما أدبية للتحريض على مزيد من الأفكار.. من هنا أو.. هناك. ثم.. لماذا لا يأخذ كل صاحب حق حقه.؟ ولعلى أضيف اثراءً وتخصيبا للاقتراح السابق، أنه يمكن بالتوازى مع الطريق.. انشاء خط سكة حديد للقطار فائق السرعة التى تصل إلى تسعمائة كيلو متر فى الساعة.. ليكون وسيلة مثلى سريعة وآمنة لنقل الركاب والبضائع دون أن تفسد فينقل التجارة إلى معدلات عالية سواء البينية أو مع العالم.. وبأقل التكاليف.. وإذ نقول هذا.. فإننا نؤكد أهمية المؤتمر الإفريقى المقبل.. الذى يمثل أملا إفريقيا. لمزيد من مقالات محمود مراد