بدأ التنقيب عن النفط فى أفريقيا فى أوائل القرن العشرين، على أيدى الشركات متعددة الجنسيات. وكان البحث عن هذا المورد الحيوى قد تأخر فى القارة السمراء بفعل عدم استقرار الأوضاع الداخلية فى معظم أنحاء القارة، والانشغال بمقاومة الاستعمار، والافتقار إلى البنية التحتية اللازمة للقيام بعلميات التنقيب والاستخراج. وفى العشرينيات من القرن الماضى، تبلور النفط كسلعة استراتيجية، وتركزت الاكتشافات البترولية آنذاك فى الشمال الأفريقى, وكانت معظم الشركات العاملة فى الإقليم - وهى شركات أمريكية وفرنسية- تخفى عثورها على النفط، حتى تحين الفرصة للإستئثار به دون غيرها. ومنذ العام 1970 بدأت الدول النفطية الأفريقية تنعم بعائدات النفط. بعد ذلك بدأت الاكتشافات النفطية فى شرق أفريقيا، يليها غرب وجنوب القارة. ثم دخلت الشركات الآسيوية مجال المنافسة فى التنقيب عن النفط. وتعد أفريقيا أكبر القارات التى تضم دولاً منتجة للنفط، حيث توجد بها 21 دولة منتجة، فى مقابل 19 دولة فى آسيا، و19 دولة فى أوروبا، و10 دول فى أمريكا الشمالية والجنوبية. وتنتج القارة الأفريقية فى الوقت الراهن نحو11% من النفط العالمى، بما يعادل حولى 80 إلى 100 مليار برميل من النفط الخام. كما أنها تملك قدراً من الاحتياطات النفطية ربما يصل إلى نحو 10% من الاحتياطى العالمى، حسب تقديرات مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية. وتنقسم القارة الأفريقية نفطياً إلى أربع مناطق هى: شمال أفريقيا، شرق ووسط أفريقيا، غرب أفريقيا، الجنوب الأفريقى. بالنسبة لمنطقة الشمال الأفريقى فتضم خمس دول منتجة للنفط هى: ليبيا، الجزائر، مصر، تونس ، المغرب. أما منطقة شرق ووسط القارة، فأبرز دولها المنتجة هى: السودان، التى بدأت تصدير النفط منذ العام 1999،وتشاد، والكونغو برازافيل، والكونغو الديموقراطية. أما منطقة غرب أفريقيا، فأبرز المنتجين فيها هم: نيجيريا، توجو، الكاميرون، غينيا الاستوائية، ساحل العاج، غانا، بنين، موريتانيا، ساوتومى وبرنسيب. أما منطقة الجنوب الأفريقى، فأبرز منتجيها هم: أنجولا، جنوب أفريقيا، زيمبابوى. وحتى السبعينيات من القرن الماضى كان الشمال الأفريقى فى صدارة الإنتاج فى القارة، لكن الوضع اختلف فى العقود الثلاثة التالية، لصالح إقليم غرب أفريقيا، الذى أصبح أكثر مناطق أفريقيا الواعدة بالنفط، بعد الاكتشافات الهائلة فى منطقة " خليج غينيا"، وهى الشريط الساحلى الواقع بين نيجيريا وأنجولا، والتى تشير التقارير إلى أنها تعتبر من أهم الاكتشافت النفطية فى العالم خلال السنوات الخمس الأخيرة. والآن أصبح هذا الإقليم يستاثر بنحو 70% من إنتاج النفط الأفريقى، ويصل حجم إنتاجه الحالى إلى نحو 9.5 مليون برميل يومياً، وهو ما يزيد عن مجمل إنتاج فنزويلا وإيران والمكسيك. ولعل ذلك هو ما دفع المختصين بصناعة النفط إلى تسميه هذا الإقليم باسم " الكويت الجديدة أو الجنة الجديدة". أما ترتيب الدول الأفريقية المنتجة للنفط، فإن ترتيبها فى الوقت الراهن هو: نيجيريا، ليبيا، أنجولا، غينيا الاسئوائية، الكونغو برازافيل، الجابون، الجزائر، مصر، الكاميرون، تونس. لكن يراعى أن الترتيب السابق ربما يتغير من عام لآخر، حسب حجم الإنتاج، والاكتشافات النفطية الجديدة، وعلى سبيل المثال احتلت أنجولا فى العام 2002المرتبة الثانية بعد نيجيريا، إلا أن ليبيا انتزعت منها هذا المركز بعد ذلك، ولا يزال تغير المراكز مستمراً. وبالنسبة للكيان المؤسسى الذى تتعاون فى إطاره الدول الأفريقية المنتجة للنفط، فيتمثل فى "رابطة منتجى البترول الأفريقى "، African Petroleum Producers Association- APPA، التى أنشئت عام 1987 فى لاجوس بنيجيريا. ويدير شئون الرابطة مجلس وزارى، يتألف من وزاء النفط فى الدول الأعضاء، ويجتمع هذه المجلس مرة سنوياً على الأقل. ويبلغ عدد أعضاء الرابطة 12دولة هى: نيجيريا، ليبيا، الجزائر، أنجولا، الكونغو برازافيل، الكونغو الديموقراطية، غينيا الاستوائية، الجابون، الكاميرون، مصر، ساحل العاج، بنين. ومن بين هؤلاء الأعضاء تنتمى ثلاث دول إلى منظمة " أوبك "، وهى ليبيا والجزائر ونيجيريا. وتعد هذه الرابطة هى المنظمة الأفريقية الوحيدة المختصة بالشئون النفطية فى أفريقيا. وهى تهدف بالأساس إلى تطوير مبادئ السياسة العامة والمشروعات في كل جوانب صناعة النفط في الدول الأعضاء بشكل خاص وفى أفريقيا بشكل عام، ودراسة طرق وأساليب إمداد الدول الأفريقية المستوردة للنفط بالمساعدات للوفاء بمتطلبات الطاقة لديهم، حيث تعتقد الرابطة إن وضع منتجي النفط الأفارقة سيصبح أفضل عند تبنى مبادئ مشتركة بشأن النفط والغاز، مما يمكنهم من الاستفادة من مواردهم الطبيعية على النحو الأمثل. ويتميز النفط الأفريقى بتعدد أنواعه، حيث يوجد نحو 40 نوعاً من خام النفط فى القارة. كما يتسم معظم هذه الأنواع بجودته الفائقة، نظراً لانخفاض نسبة الكبريت فيها، وخفة وزنها، واحتوائها على نسب أكبر من الغاز والبنزين. كما يتمتع قطاع النفط فى القارة بواحد من أسرع معدلات النمو فى العالم. فى هذا الإطار، يبدو أن هذا المورد الاستراتيجى الذى أنعم به الله على دول القارة قد تحول إلى نقمة، حيث أصبح نفط القارة محوراً للتنافس، وربما التصارع، بين القوى الدولية، لا سيما أن معظمها يواجه اليوم موقف الاعتماد على الواردات لتوفير الاحتياجات من الطاقة. فأوروبا تستورد 48% من احتياجاتها، كما أنها بحلول عام 2030 لن تغطى سوى 30% من احتياجاتها من الطاقة، واليابان تستورد 52%، والولاياتالمتحدة تستورد 53%.ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 62% عام 2020. كما أصبحت الصين، التى كانت تتمتع باكتفاء ذاتى من النفط، مستوردة له منذ عام 1993، حيث إنها تستهلك نحو 11 ملون برميل يومياً، مما جعلها تحتل المرتبة الثانية منذ عام 2003 بين الدول المستهلكة والمستوردة للنفط، وذلك بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى تستهلك نحو 40% من الاستهلاك العالمى للنفط. ومن ثم أصبحت القوى الدولية تسعى إلى تنويع مصادر وارداتها من النفط، وذلك بالتوسع فى استيراد النفط الأفريقى، وتكثيف استثماراتها النفطية فى مناطق البترول التقليدية فى أفريقيا مثل نيجيريا والجابون وليبيا والجزائر، فضلاً عن مناطق الاكتشافات الجديدة فى كل من غينيا الاستوائية، والسودان وموريتانيا.. الخ. فالولاياتالمتحدة تخطط بمنتهى الدأب لكى ترفع وارداتها النفطية من أفريقيا من 16% حالياً إلى25% بحلول العام 2015، بهدف التحكم فى إنتاج وأسعار النفط العالمية. ومن جانبها تحرص الصين على زيادة وارداتها من النفط الأفريقى ليصل إلى 30% من إجمالى وارداتها بحلول العام2011، حيث إنها تسعى لتجميع احتياطى استراتيجى من البترول حجمه 100 مليون برميل، وذلك بالتركيز على دول معينة فى منطقة خليج غينيا أهمها: أنجولا وغينيا الاسئوائية والكونغو. فضلاً عن ذلك تولى الصين اهتماماً خاصاً بالسوادن، حيث تعتبر الصين أكبر مستثمر فى قطاع النفط فى السودان، بعد أن تجاوزت استثماراتها 15 مليار دولار. وينطبق الأمر ذاته على فرنسا وبريطانيا اللتان تركزان بشتى السبل على تأمين احتياجاتهما من النفط الأفريقى، وتقليل الاعتماد على النفط الروسى. كما ينطبق على اليابان والهند وفنزويلا وكوريا الجنوبية. وعلى سبيل المثال، تحصل الهند على 16% من وارداتها النفطية من منطقة خليج غينيا. والجدير بالذكر أن الشركات الغربية العاملة فى إنتاج وتصدير النفط تستأثر بالنصيب الأكبر من عائداته. فطبقاً لنظام توزيع الأرباح النفطية فى أفريقيا، فإن الدولة التى يستخرج منها البترول تحصل على ما بين 30% إلى 35%من إجمالى الأرباح، فى حين يعود الباقى على الشركات المستغلة، وذلك بعد خصم التكاليف المتعلقة بالمنشآت ووحدات الإنتاج والصيانة. وبالتالى، فإن الأفارقة مطالبون الآن، أكثر من أى وقت مضى، بالوقوف فى وجه المخططات التى تستهدف " النهب المنهجى " للنفط الأفريقى، بما يحول دون تكرار خبرات الماضى الأليم، التى تعرض فيها الأفارقة للنهب المستمر، بداية من استرقاق البشر، مروراً بمرحلة الاستعمار العسكرى المباشر، والاستعمار الاقتصادى، والاستعمار الثقافى. وهى المخططات التى تطل برأسها مجدداً مع المحاولات الأمريكية الدؤوبة للسيطرة على نفط القارة، والتى سوف نفرد لنا مقالنا القادم بإذن الله. _______________ * مدرس العلوم السياسية نائب مدير مركز الدراسات السودانية جامعة القاهرة