قبل أيام قليلة تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى للإعلامى عمرو أديب، وفى ثنايا كلامه اعترف الرئيس بوجود أزمة بين الدولة والشباب، والاعتراف فى حد ذاته خطوة شجاعة تستحق الثناء والتقدير، لكنها كانت فى الوقت نفسه كاشفة لفشل مؤسسات الدولة والمجتمع فى التواصل مع فئة مهمة تشكل 25% من تعداد المحروسة، رغم كل ما يتردد ويُقال على الصعيد الرسمى من اهتمام فائق بالشباب، والسعى لتمكينهم من شغل أرفع المناصب، واعتبارهم الزاد والذخيرة للمستقبل الواعد المشرق. فخطوط الاتصال والتفاهم بين الشباب والدولة تكاد تكون مقطوعة، فكل طرف فى وادٍ يهيم على وجهه فيه، ويغرد بعيدًا عن الطرف الآخر، ويصعب على الجانبين الوصول لنقطة التقاء تجمعهما، ويمكن من خلالها إذابة الحواجز والموانع الفاصلة بينهما، واستغلال الطاقات الشبابية، بما فى ذلك الجامحة منها، الاستغلال الأمثل الذى يعود بالفائدة الجمة المرجوة على الوطن وناسه. اختلال العلاقة مرده انعدام الثقة المتبادلة، فالمجتمع لا يثق فى الشباب وفى توجهاتهم، ويراهم غير جديرين وغير مؤهلين لتولى دفة القيادة، ولا المشاركة فى تصحيح المسارات، التى يرسمها الكبار الذين يُنظر الكثيرون منهم للشباب على أنهم مجرد وردة مثبتة فى عروة الجاكت كلمسة جمالية لا أكثر ولا أقل، فهم جزء من ديكور المجتمع وعليهم ألا يحلموا بأزيد من هذا، وما يزيد الفجوة اتساعًا أن المجتمع لا يواجه نفسه بتلك الحقيقة ويلف ويدور من حولها. بدورهم فإن الشباب لا يثقون لا فى المجتمع ولا فى الحكومة، فهم يرون أنهم كانوا وما زالوا ضحية للإهمال، والتجاهل، والحرمان من فرص الارتقاء، ووأد أحلامهم وآمالهم فى مهدها، واحتكار فئات بعينها للمناصب العليا، وإجمالا فإنهم يؤمنون بأن مجتمعهم لا يفهمهم، وغير راغب حتى فى محاولة فهمهم ومراجعة ما وقع فيه من أخطاء. إزاء هذا الوضع غير السليم يتوزع شبابنا بين ثلاث طوائف، الأولى ترنو لخارج الحدود بحثا عن بلد تهاجر إليه، بلد يحترم ويقدر الكفاءة والخبرة بصرف النظر عن عامل صغر السن، بلد يفتح الأبواب أمام الجميع بلا خوف ولا وجل، الطائفة الثانية ينسحبون وينغلقون على أنفسهم من فرط احساسهم بالاحباط وعدم تغير الأحوال، رغم حدوث ثورتين، أما الطائفة الثالثة فتجد ملاذها فى الانجراف خلف جماعات شعارها المفضل التمرد على كل شىء، ورفض كل شىء، وإحداث أكبر قدر ممكن من الفوضى والخلخلة داخل المجتمع عقابا له على سوء معاملته واهماله لهم. العلة هنا ليست فى التشخيص فهو معلوم ومحفوظ عن ظهر قلب، بل فى المصارحة، والتوصل لأسلوب العلاج السريع القادر على المحافظة على ثروتنا البشرية من الشباب، وتوظيف حماسهم وجهدهم للخروج بمصر من عنق زجاجة أزماتها الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية التى يعرف الجميع عن ظهر قلب حجمها ومدى حرجها وضغطها على أعصاب ومفاصل الدولة، بما يعوقها عن التقدم والنهوض، ونظل ندور فى دائرة مفرغة، بسبب عنادنا وإصرارنا على التعامل مع أعراض المرض وليس أصل وجوهر الداء العضال. وإن كنا حقا وصدقا نرغب فى عدم التفريط فى قوتنا الشبابية وجعلها تتسرب من بين أيدينا فعلينا الحرص على ما يلى: أولا: أن يُغير المجتمع من لغة خطابه مع الشباب بحيث تتوافق وتتناغم مع مستجدات ومتغيرات عصرنا، فشباب اليوم لم يعد مرحبا بلغة التقريع والتسفيه التى كانت ولا تزال سائدة فى أوساطنا، فهو يرتاح لمفردات التواصل، والتفاهم، ومقارعة الحجة بالحجة وليس فرض الوصاية والفوقية فى التعامل، وإبداء الاحترام لاختياراته. فمثلا يؤمن أغلب شباب مصر بأن الخامس والعشرين من يناير كانت ثورة الشباب، وأنهم أصحاب فضل فى اندلاعها، وأنها جزء أصيل منهم، فلماذا نستكثر عليهم ذلك، ونستهين بها باعلاء لغة خطاب تشكك فى وطنية مَن شاركوا فيها، وأنهم كانوا عملاء لجهات خارجية، وتوصف تارة بعملية يناير، وتارة أخرى بمؤامرة يناير، وغيرها من الأوصاف والتشبيهات القبيحة التى تحمل اتهامات أكثر مما تحمل من عرفان وتفهم؟ ثانيا: أن تكون الوعود مشفوعة بالتنفيذ، فما أكثر ما يرفعه المجتمع والحكومة من شعارات وأمنيات تخص الشباب، وعند النظر فى المحصلة النهائية لا نجد شيئًا ملموسًا على أرض الواقع، واحصر معى عدد الشباب فى المواقع القيادية الكبيرة، ومتوسط أعمار الوزراء التى تتراوح ما بين الأربعينيات والخمسينيات، وحينما اختار مجلس النواب رئيسًا للجنة الشباب كان عمره 70 ربيعا متعه الله بالصحة والعافية، والنواب الشباب ال 60 بالمجلس دون ال 35 عامًا، فنصيب الشباب قليل جدا. أتابع هذا الحال وأقارنه بما فعلته حكومة دبى الأسبوع الماضى الذى شهد اطلاق الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى دعوة للجامعات الإماراتية بترشيح ثلاثة شباب وثلاث شابات من خريجيها لاختيار وزير من بينهم يكون عمره دون ال 25، حتى يعبر ويمثل قضايا الشباب وطموحاتهم. تلك خطوات عملية تدل على ثقة المجتمع فى نفسه ثقة لا تتزعزع، وأنه حريص على تجديد خلاياه باستمرار ولن يجد أفضل وأحسن من الشباب للقيام بذلك، ويجعل الشباب مرتبطا ببلاده ويعتز بحياته واسهاماته فيها، ولم لا وهى تفتح أمامه أبوابها دون استثناء. وأشير فى هذا المقام إلى أن الرئيس السيسى أعلن أن 2016 سيكون عام الشباب، فما هى الخطوات العملية التى تم اتخاذها بخصوصها من قبل الحكومة حتى الآن؟! ثالثا: إجادة استثمار نماذج النجاح الشبابية سواء كانت فى الداخل أو الخارج، فابراز هذه النماذج وجعلها فى دوائر الضوء والعناية ينعش آمال وطموح الشباب فى أن الناجحين والنابهين من بينهم سيكونون موضع اعتزاز وافتخار دائما وليس فقط وقت الاعلان عن نجاحاتهم، فالدولة وأجهزتها بيدها تكثيف جرعات الأمل إن أحسنت استثمار نجاح الشباب. ياسادة ضعوا ثقتكم فى الشباب ولن تندموا. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي