إن ظاهرة الدروس الخصوصية التى استفحلت فى العقود الأخيرة لا يمكن القضاء عليها بقرار يغلق المراكز التعليمية المشبوهة والتى يغذيها جشع القائمين عليها من جهة وشغف أولياء الأمور وتسابقهم للتواصل معها طلبا للمجاميع الأكبر لأبنائهم من جهة أخرى، بعد أن ساد الاعتقاد الراسخ بغياب دور المدرسة، ذلك الدور الذى بلغ أوج ازدهاره مع بداية سبعينيات القرن الماضي، كما أنه لا يمكن القضاء عليها بإعطاء الضبطية القضائية لبعض عناصر وزارة التربية والتعليم، أو باستيراد بعض التجارب التربوية الرائدة فى ألمانيا وإنجلترا وفنلندا كما أعلن وزير التربية والتعليم، لمحاكاتها أو الاستفادة منها للتطبيق فى مصر، فجميعها خطوات متعثرة لن توصلنا للأمل المنشود. إن إصلاح التعليم واجب وطنى وقومى لابد أن تتضافر فيه كل الجهود خاصة وزارتى التربية والتعليم، والتعليم العالي، باعتبار أن جودة التعليم ترتكز على ثلاثة محاور هي: الإعداد والتأهيل الجيد للمعلم، والكتاب الجيد، والمنشأة أو المبنى المناسب، وإذا كانت الدولة لا تألو جهدا وتعمل على مدار الساعة لزيادة عدد المدارس على مستوى الجمهورية للقضاء على الكثافة العددية الكبيرة للطلاب داخل الفصول وهو من المتطلبات الأساسية لإصلاح التعليم فى مصر، فيبقى بعد ذلك تأهيل المعلم والكتاب ولن يستقيم التعليم إلا بالآتي: 1 أن تستعين الإدارات التعليمية التى تتبع الوزارة بالكثير من الوسائل التعليمية والتوضيحية والشرح المبسط فى الكتاب المدرسى والابتعاد عن المصطلحات المعربة الثقيلة على الأذن والفهم معا، حيث أن صياغة المادة العلمية لظاهرة ما بطريقة غير سهلة تجعل المدرس نفسه غير قادر على توصيل المعلومة لطالب الإعدادى أو الثانوى بطريقة مبسطة، لأن الاختصار أحيانا قد لا يسمح بتناول الأساس العلمى لتلك الظواهر، وحلا لهذه الإشكالية يجب التركيز على محاضرات التأهيل التربوى للمدرسين أو إيجاد آلية جديدة لعقد الكثير من هذه الدورات، حتى يتفهم الطالب ما يقال له، لا أن يحفظه لزوم الامتحان، وفى هذا الصدد أقترح: 1 أن تخصص السنة الرابعة من كليات التربية ليؤهل الطالب فيها ليكون مدرسا محترفا يعد إعدادا جيدا لهذه المهنة السامية، وأن تقتصر الدبلومة العامة فى التربية على خريجى العلوم والآداب، باعتبار أن المناهج التى تدرس بهما هى المحتوى العلمى للمرحلة الإعدادية والثانوية. 2 كثير من المناهج الدراسية لهاتين المرحلتين قام بتأليفها نخبة من أساتذة الجامعات، ولكن مازال يشوبها القصور، ومن ثم فإنه يفضل الأخذ بمبدأ إسناد التأليف فى منهج بعينه إلى قسم من أقسام كليات العلوم والآداب ذات الصلة، يكون فيه من التخصصات ما يغطى كل مفردات ذلك المنهج، وإلا تصبح عملية التأليف مجرد مقاولة، إضافة إلى أن القسم العلمى سوف يختار من المواضيع المبسطة والشاملة ما يعد مقدمة لما يمكن أن يدرسه طلاب الكليات العملية فى الفرق الأولي، فلا تكون النقلة للمستوى الأكاديمى مفاجأة للطالب وقد تعود من قبل على الحفظ والتلقين، وعندها نفاجأ بتواضع مستوى التحصيل رغم ارتفاع المجاميع. 3 لا يتم تحديث المنهج الدراسى إلا كل 5 سنوات، وتقوم الإدارات المدرسية بتسليم نفس الكتب للدفعات المتتالية لنفس السنة الدراسية (أى يتم تداول نفس نسخة الكتاب لمدة خمس سنوات) وسوف يوفر هذا النهج ملايين الجنيهات التى تصرف فى نفقات طباعة هذه الكتب على مستوى الدولة، وإذا كان هذا هو الوضع فى كل الدول الأوروبية وأمريكا، فما بالنا ونحن ننفق هذه المبالغ الطائلة على طباعة الكتب عندنا، وبحسبة بسيطة نجد أن تكلفة الطباعة يمكن أن توزع على 5 سنوات، ويضخ الفائض من هذه الأموال فى تحسين دخل المدرس وبناء الكثير من المدارس.. وأخيرا يجب أن يكون ضمن مخطط الوزارة أن تشمل لجان التحكيم لهذه الكتب كل التخصصات التى ترد فى المنهج الواحد، لإرساء قواعد ثابتة وإفراز نوعية متميزة للكتاب المدرسى فى مصر يمكن للطالب أن يعتمد عليها بعيدا عن الدروس الخصوصية. د. محمود غزالى الأستاذ بجامعة أسوان