كشفت دراسة فقهية حديثة للدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن إدراك النصوص الشرعية والواقع المعاصر وملكة الوصل بينهما من أهم الشروط التى يجب أن تتوافر فيمن يريد أن يتصدر للإفتاء، وأن تجديد الخطاب الدينى يستلزم من المتصدرين للفتوى إدراك الواقع المعيش، ومتابعة البحث والتقييم للواقع وإعادة فهمه بصفة مستمرة، لأن هذا التغير سنة من سنن الله فى كونه قال تعالي:”كُلَّ يَومٍ هُوَ فِى شَأن” [سورة الرحمن: آية 29] وأوضحت الدراسة أن المفتى لابد أن يدرك نصوص القرآن والسنة باعتبارهما مصدرا للأحكام الشرعية، واجتهادات الأئمة الأعلام فى فهمهم للكتاب والسنة وتفريعهم للأحكام وإلحاقهم بآلية القياس لكثير من الصور حتى تكون تحت مظلة الشرع الشريف، لأن إدراكه تلك النصوص يجعله ذا بصيرة بما أجمعوا عليه، ويربى عنده شيئا فشيئا ملكة الاجتهاد التى سوف يحتاجها فى الحكم على بعض الوقائع. وأكدت الدراسة أن الحاجة إلى إدراك النصوص يحتاج إلى معرفة مقاصد الشرع، ومعرفة كيفية الترجيح بين المتعارضات من الأدلة التى يتعامل معها المجتهد، وبيان كيف يمكن إيقاع حكم الله عز وجل على الواقع، وهو المسمَّى «الاجتهاد» أو “الإفتاء”، فالمفتى فى حاجة لمعرفة كيفية استجلاء مقاصد الشرع، وكيفية حسم التعارض بين الأدلة التى تبدو ظاهريًّا متعارضة، ومعرفة كيفية الاجتهاد، وكل أبعاد الواقع. وأكدت الدراسة أهمية توافر ملكة الوصل بين النصوص والواقع، لدى المتصدرين للفتوي، فالنصوص مطلقة أو ثابتة، بينما الواقع نسبى متغير وهو شديد التعقيد والتركيب، وملكة الوصل هى إقامة الجسور بين النصوص والواقع، وكيفية إيقاع المطلق فى النسبي، مما يجعل المفتى محتاجًا إلى الفهم العميق للغة العربية ومعرفة مواطن إجماع الأمة حتى لا يخالفه، ومعرفة المقاصد الشرعية حتى لا يفكر عليها بالبطلان ومعرفة المصالح المرعية، حتى لا يتم إهمالها أو تجاوزها، ومعرفة المآلات المعتبرة حتى لا يتسبب فى تضارب الأمور وضياع المعاش، فهذه الأمور الثلاثة لا يكون العالم مفتيا إلا بتحصيلها والاهتمام بها واستحضارها حتى تتكون عنده ملكة الإفتاء، مشيرا الى ضرورة مراعاة عوامل تغير الفتوي، التى منها الحال والأشخاص والزمان والمكان. وأشارت الدراسة إلى أن من الآداب التى ينبغى أن يتحلى بها المفتي، التيسير على الناس، وإدخالهم فى دين الله، وإلقاء الستر عليهم، والعمل على جعل الناس متبعين لقول معتبر فى الشرع، فذلك خير لهم من تركهم للدين بالكلية، وإيقاعهم فى الفسق، مما يعد صدا عن سبيل الله من حيث لا يشعر العالم، وهو بخلاف ما نهوا عنه من تتبع الرخص بصورة فيها تفلت عن شرع الله، والفرق بينهما دقيق قد لا يلتفت إليه كثير من الناس.