تحول الفيس بوك أكبر موقع للتواصل الاجتماعي علي الشبكة العنكبوتية, إلي ظاهرة اجتاحت العالم, بعدما بات وسيلة للتعارف والتواصل والتحاور والنقاش وتبادل الآراء, بل كان أداة أساسية في اندلاع ثورات الربيع العربي ورغم الفوائد المختلفة التي يوفرها الفيس بوك لمستخدمي, إلا أن أضراره الاجتماعية, جعلت البعض يصفه بأنه صار وسيلة للتمزق الاجتماعي, وعفريت التمزق الأسري. والاصابة بالاكتئاب و الإدمان, بل وصل إلي حد الاضرار بالأمن القومي من خلال نشر الاكاذيب وإشاعة الفوضي, ومن خلال بعض التطبيقات الترفيهية والتي تتمثل في طلب أحد المواقع للبيانات الشخصية لتقدم للمشارك صورة لأعز أصدقائه أو الوظيفة التي تناسب شخصيته أو أقرب الشخصيات الشهيرة لشخصيته, تلك المواقع يحذر منها البعض علي أنها وسيلة لجمع المعلومات وبناء قاعدة بيانات هامة عن المواطنين. ................................................................. إعلام بديل تشير الدكتورة وفاء سمير أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الي أن الفيس بوك وسيلة مصممة للتعارف وتناول النواحي الشخصية والتواصل الاجتماعي, نتجت عن فكرة العولمة وبدأت عام2004, وساعد علي انتشاره عدم حيادية بعض وسائل الاعلام التي لا تعرض الحقائق وتكتفي بجانب واحد من الرأي فلجأ البعض للفيس بوك لمعرفة الأخبار الصحيحة والآراء المختلفة ليصبح إعلام بديل, وانتشر بشكل كبير بعد ثورة25 يناير حيث كان أحد أهم أدوات اندلاع الثورة, وأدركت السلطات في ذلك الوقت خطورته وتأثيره فتم حجبه يوم25 يناير حتي لا تزيد الأحداث سوءا, مشيرة الي أن مستخدمي الفيس بوك الآن750 مليون مستخدم علي مستوي العالم, وأن هناك350 مليون زائر يوميا للفيس بوك ما بين مشاركة وتصفح ونشر خبر أو صورة يستخدمون5 مليار دقيقة يوميا. وتوضح أن للفيس بوك مزايا عديدة فهو وسيلة لنشر الثقافة والمعلومات والوعي ومعرفة الخبر بطريقة سريعة, ووسيلة للتعبير عن الرأي والحشد والتعبئة, وهو أداة لتشكيل رأي عام حول موقف أو قضية معينة كما حدث من خلال نشر صورة الطفل السوري إيلان كردي والتي هزت ضمير العالم وشكلت رأي عام عالمي تجاه قضية اللاجئين السوريين وما يتعرضوا له من جرائم وحشية, كما ان انشاء جروبات أو مجموعات تربطها هدف أو تخصص معين يساعد علي حل مشكلات كثيرة, موضحة أن هناك بعض الأشخاص تسئ استخدام الفيس بوك فبعد أن كان وسيلة للتواصل أصبح وسيلة للمقاطعة ويحدث ذلك من خلال نشر الخلافات الشخصية والاختلاف في الرأي علي صفحات الفيس بصورة سيئة, أو استخدامه في نشر الأخبار الكاذبة والاشاعات لتحقيق أكبر عدد من التعليقات والاعجابات أو لأهداف أخري كالتعبئة ضد نظام سياسي أو لتشويه سمعة شخصية عامة. وتوضح أن الفيس أصبح وسيلة لهدم البناء الاجتماعي وهو ما نشاهده داخل الأسرة الواحدة بعد أن أصبح كل فرد فيها حتي الأطفال مستخدمين للفيس, والأب لا يستطيع القيام بعملية السيطرة أو الرقابة علي الأفكار والمواقع التي يشاهدها الأبناء خاصة الأطفال الذين أصبح الفيس بمثابة الجليس الأكبر لهم حتي مع وجود الأب والأم وأداة لتشكيل هويتهم وشخصيتهم, ومع الإفراط في استخدامه داخل الأسرة أصبح كل فرد بالأسرة حاضر غائب لوجود حائط الفيس يعزل كل فرد عن باقي الأسرة, وتمزقت الأسرة اجتماعيا. ادمان الفيس بوك يوضح الدكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي جامعة القاهرة أن الفيس بوك أصبح وسيلة لانتشار الشائعات والنميمة واغتيال حرية وخصوصية الآخر, ورغم انه يطلق عليه وسيلة التواصل الاجتماعي الا انه بالفعل يؤدي الي قطع الصلة والتواصل بين الناس وبعضها, فلم يعد هناك تراحم ومحبة بسبب التباعد الوجداني وعدم تبادل العواطف التي من أساسياتهم الرؤية والمواجهة المباشرة, واكتفي الانسان عبر وسائل الفيس بوك بالمجاملة دون أن يكون هناك حميمية اللقاء, وهو ما أدي إلي انتشار الجفاء وزيادة حالات الانعزال والانطوائية وكل ذلك يزيد من التبلد واللامبالاة ويفقد الانسان احساسه بالدفء الاجتماعي. ويشير إلي أن الانسان الغير قادر علي التعامل مع الأخرين والتحدث اليهم لشعوره بالارتباك ولافتقاده القدرة علي التواصل والمواجهة يجد نفسه في الفيس بوك لأنه يتحاور مع الآلة الصماء ويخشي أن يتعري أو يفتضح أمره. وشدد علي ضرورة استعمال الفيس بوك كاحدي وسائل التواصل الاجتماعي في أضيق الحدود للتواصل مع الأفراد الذين يصعب الوصول اليهم بسبب بعد المسافات لافتا إلي مشددا علي ان الفيس بوك من الممكن أن يصل بالانسان للادمان, حيث أن الادمان هو أن يتعود الانسان علي شيء ويصبح جزء لا يتجزأ من النشاط اليومي ومن الشخصية وتتزايد وتتصاعد أساليب ووقت استعماله, وفي حالة التوقف عن استعماله يصل لحالة من الشعور الكبير بالفراغ والكآبة, وهو ما نراه بالفعل إذا طبقناه علي عدد كبير من مستخدمي الفيس بوك الذي أصبح بالنسبة لهم بديلا عن الصديق وممارسة الرياضة والاطلاع والقراءة. فكرة الاحتجاج والتمرد يري الدكتور وليد رشاد استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان مواقع التواصل الاجتماعي أثرت علي منظومة قيم الأسرة المصرية, قائلا: تشير الدراسات الميدانية إلي أن أهم القيم التي أثر الانترنت بشكل عام عليها ومواقع التواصل بشكل خاص تتمثل في قيمة الحوار, حيث نجد أن الحوار الأسري بدأ يقل نتيجة الدخول علي مواقع التواصل الاجتماعي, و يشير الواقع الي أن الحوار الأسري تأثر سلبا من جراء التفاعلات التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي, ومن جانب أخر تأثرت قيمة الطاعة بحكم الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي حيث يغلب علي الفيس بوك فكرة الاحتجاج والتمرد والتي تتجه من المجتمع الافتراضي للواقعي وبدأت تلعب دورها في المجتمع, وخاصة الأسرة حيث بات الأبناء أكثر تمردا مع الآباء. ويضيف: تثير قضية التعامل مع الإنترنت بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص فكرة الاستخدام الآمن والتي تحتاج بلا شك في المقام الأول إلي ثقافة مجتمعية, ومناهج تعليمية تؤكد علي هذه الفكرة, بالاضافة إلي ندوات توعية ترتبط بالاستخدام الآمن, ونحتاج أيضا إلي الأسرة, إذ أن معرفة الأسرة ودرايتها بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي يقلل من الفجوة بينهم وبين الأبناء بالشكل الذي يستطيع فيه الآباء المراقبة والمتابعة والتوجيه, ومن هنا فإن الاستخدام الآمن للانترنت لا يقع علي مسئولية جهة بعينها أو مؤسسة بذاتها ولكن يحتاج إلي تكاتف المؤسسات وثقافة مجتمعية تتبناه. الاحتواء الفكري تؤكد الدكتورة محبات أبو عميرة أستاذ المناهج والعلوم التربوية بجامعة عين شمس والحاصلة علي جائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية لعام2015 علي ضرورة وجود مسئول عن الاعلام الاليكتروني المتمثل في الصفحات الاليكترونية والتي بها عدد كبير من الصفحات التحريضية والمواقع التي تشير أخبار علي الملايين وتحمل معلومات كاذبة وغير صحيحة, وذلك لمواجهة حروب الجيل الرابع والتي تعتمد بشكل كبير علي الاعلام الاليكتروني الذي يعد أحد أهم أدواتها. مؤكدة علي أن الكوارث التي تحدثها الصفحات الاليكترونية من بلبلة قد تؤدي الي فوضي والي هدم العلاقات مع الدول الأخري. مطالبة بالحد من هذه الفوضي الاليكترونية بالقانون وكل ما يتعلق بأمن مصر لابد من وضع موانع له, ومطالبة أيضا بالاحتواء الفكري للمغيبين فكريا من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة,, وعلي الدولة تنمية الحصانة الفكرية خاصة لدي طلاب الجامعات فهي التي تحافظ علي عدم اختراقهم فكريا وهذا الأمر لن يتأتي الا من خلال تغيير السياسات التعليمية.