هو أكبرصرح شعرى وأول قلعة من قلاع الثقافة العربية التى تتيه بها مصر فى العصر الحديث.. أبوابه متعددة.. فادخل من أيها شئت.. فى احتشام ووقار..محتفظا بالهيبة والسمت النبيل، حين تقترب من هذا المعلم الثقافى المصرى العربي.. إنك فى حضرة أحمد شوقى أمير الشعراء.. وشاعرالأمير.. وشاعرالأهرام.... وهناك العديد من الألقاب الأخرى التى التصقت به، وقد بلغت جميعها 19 لقبا، منها: أمير شعراء العرب، أمير دولة البيان ، شوقى الشاعر الفيلسوف، الشاعر الحكيم، نابغة شعراء الأمير، حامل لواء الشعر فى هذا العصر، شاعر الأمير وأمير الشعر، نابغة الشرق شوقى بك.. وغيرها. غير أن أميرة الصحافة العربية الأهرام هى التى سبقت الشعراء فى إطلاق لقب أمير الشعراء عليه، وتستطيع, وهى تحتفل بمرور 140 عاما على صدورها، أن تطلق عليه لقبا جديدا يجمعهما معا وهو شوقى أمير شعراء الأهرام. وقد مُنِح شوقى موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء فى نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعانى تنهمر عليه كأنها المطر ، يغمغم بالشعر ماشيًا، أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعرى ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألفا وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربى قديم أو حديث. شوقى والأهرام وعلاقة شوقى بجريدة الأهرام تعلو على أواصر النسب والدم.. إذ أنهما اتحدا فى الرسالة التثقيفية والتنويرية التى حملت مصر شعلتها لتضيء العقل والوجدان للإنسان فى كل أقطار الوطن العربى الكبير.. ولعل أوجه الشبه بين شوقى والأهرام تعزز تلك العلاقة الوطيدة.. فهما من جيل واحد حيث يقدر الجيل بعشر سنوات وشوقى هو الأخ الأكبر.. فقد ولد قبل ولادة العدد الأول من الأهرام 5 أغسطس 1875 بنحو7 سنوات و9 أشهر و19 يوما. وهو مصرى ينحدر من عروق مختلطة، وكذلك الأهرام مصرية أسسها سليم وبشارة تقلا وهما من الشام، والثلاثة: شوقى وسليم وبشارة شعراء فى الأصل، وقد التقوا على ضرورة النهوض بالوجدان العربى وبث الإشعاع المعرفى فى بلاد العرب وبعث الحركة الثقافية فيها.. ومصر هى المحضن الأساس لانطلاق هذه الرسالة إلى ربوع الوطن العربى من خلال هذه الصحيفة التى ولدت عملاقة فهى أميرة الصحف ،كما ولد شوقى عملاقا فهو أمير الشعراء الذى احتفت به الأهرام كما لم تحتف بشاعر آخرقبله ولا بعده، ونشرت قصائده فى صفحتها الأولي. ويجرنا هذا إلى الحديث عن إمارة الشعر, وسبب التسمية, ومن هوأول من أطلق عليه هذا اللقب. يحسم هذه المسألة الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب بقوله: من خلال متابعتى لهذه المسألة تبين لى أن أول من أطلق عليه هذا اللقب هو داود بركات الذى تولى رئاسة تحرير جريدة الأهرام عام 1889 عقب وفاة مؤسسها بشارة تقلا. وقد رثى شوقى الأمير تقلا المؤسس بقصيدة جرى مطلعها مجرى الأمثال , يقول فيه: حل بالأمتين خطبٌ جليلُ رجل مات, والرجال قليلُ وكثيرا ما كان يفتخر داود بركات بأنه أول من أطلق هذا اللقب على شوقى وقد نشرت الأهرام مقالا فى عددها الصادريوم 9 مايو 1926 أى قبل مبايعة شوقى بإمارة الشعر عنوانه: لماذا لُقب شوقى بأمير الشعراء؟, يقول صاحب المقال: «منذ ربع قرن ونيف جرت على لسان الأهرام كلمتان فى وصف أحمد بك شوقى وشعره الذى كان الأدباء، بل الجمهور كله خاصته وعامته، يترقب شعره... فقالت فى وصف الشاعر: إنه أمير الشعراء, وقالت فى وصف شعره: الشوقيات.. وهو ما يوثق القول بأن داود بركات هو أول من أطلق على شوقى هذا اللقب. وقد نشرت الأهرام قصيدة له فى العدد (9069) السبت 18 يناير 1908 يهنئ فيها سمو الأمير بعيد الأضحي, وقالت فى التقديم: »ننشر اليوم للقراء قصيدة شاعر الأمير وأمير الشعراء». وقد اجتمع أعلام الأمة العربية فى دار الأوبرا يوم 29 أبريل عام1927 لمبايعة شوقى بلقب (أمير الشعراء), والاحتفال بإصدار الطبعة الثانية من ديوانه الشوقيات, وبعضويته فى مجلس الشيوخ, وفى هذا الحفل أعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً: بلابل وادى النيل بالشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجِّعي أميرَ القوافى قد أتيت مبايعاً وهذى وفود الشرق قد بايعت معي بعد عودة شوقى من باريس تعدّدت رحلاته إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلته إلى برشلونة الإسبانية التى اختارها منفيً له عندما أُُمِر بمغادرة مصر بعد خلع الإنجليز للخديو عباس حلمى كانت حاسمةً فى تشكيل شاعريته . فقد عايش شوقى عن قرب ،مشاهد الحضارة العربية والإسلامية فى الأندلس، فتعززت نزعته الوطنية الغلابة فى عشق مصر والتغنى بأمجادها مشفوعة بالحنين إلى الوطن (وهو القائل من منفاه بيته الشهير: وطنى إن شغلت بالخلد عنه.. نازعتنى إليه فى الخلد نفسي)، وتوفى شوقى يوم 14 أكتوبر عام 1932وكان قد نظم قبل وفاته وصية قال فيها : أقول لهم فى ساعة الدفن خففوا عليّ ولا تلقوا الصخور على قبري ألم يكف همٌ فى الحياة حملته فأحمل بعد الموت صخراً على صخرِ؟!