مرت علينا ذكرى تنصيب أحمد شوقى أميرا للشعراء فى 29أبريل الماضى , ففى مثل هذا اليوم عام 1927 اجتمع أعلام الأمة العربية فى دار الأوبرا لمبايعة شوقى بلقب (أمير الشعراء), والاحتفال بصدور الطبعة الثانية من ديوانه (الشوقيات), وبعضويته فى مجلس الشيوخ, وفى هذا الاحتفال ألقى حافظ إبراهيم قصيدته التى قال فيها: أمير القوافى قد أتيت مبايعا وهذى وفود الشرق قد بايعت معى وقد كثر الكلام حول أول من لقّب شوقى بأمير الشعراء, ومن خلال متابعتى لهذه المسألة تبين لى أن أول من أطلق عليه هذا اللقب هو: (داود بركات) الذى تولى رئاسة تحرير جريدة الأهرام عام 1889 عقب وفاة مؤسسها بشارة تقلا), الذى رثاه شوقى ببيت صار مجرى المثل , يقول فيه: حل بالأمتين خطب جليل رجل مات , والرجال قليل وكثيرا ما كان يفتخر داود بركات بأنه أول من أطلق هذا اللقب على شوقى وهو فى بداية حياته الصحفية , وقد أكد هذا (أحمد عبيد) فى كتابه: (ذكرى شوقى) الذى جمع فيه كل ما كتب عن شوقى وحافظ, وقد صدرت طبعته الأولى عام 1932, كما أكده (عبد المنعم شميس) فى كتابه: (شخصيات حول شوقي) عام 1979. والثابت أن الأهرام نشر مقالا فى العدد (14984) الصادر فى 9 مايو 1926 أى قبل مبايعة شوقى بإمارة الشعر عنوانه: ( لماذا لقب شوقى بأمير الشعراء)؟, يقول صاحب المقال: «منذ ربع قرن ونيف جرت على لسان الأهرام كلمتان فى وصف أحمد بك شوقى وشعره الذى كان الأدباء, بل الجمهور كله خاصته وعامته يترقب شعره... فقالت فى وصف الشاعر: إنه أمير الشعراء, وقالت فى وصف شعره: (الشوقيات) «وهو ما يوثق القول بأن داود بركات هو أول من أطلق على شوقى هذا اللقب. واللقب الذى سبق لقب (أمير الشعراء) هو لقب (شاعر الأمير), وهو ما يدعونا إلى متابعة انتقال شوقى من اللقب الأول إلى الآخر , ذلك أن المسيرة الحياتية والإبداعية لشوقى تنقسم إلى مرحلتين , المرحلة الأولى قبل النفي, أى من مولده عام 1868 حتى نفيه إلى أسبانيا عام 1914, والمرحلة الثانية تبدأ منذ عودته من المنفى عام 1920 إلى وفاته عام 1932, وفى المرحلة الأولى بنى بيته: (كرمة ابن هانئ) بالمطرية, وفى المرحلة الثانية بنى (كرمة ابن هانئ) فى الجيزة , ويقول ابنه (حسين شوقي) فى كتابه (أبى شوقي): إن أباه اختار هذا الاسم (كرمة ابن هانئ) لأنه كان معجبا بابى نواس المكنى بابن هانئ , كما اختار المطرية ليكون على مقربة من (قصر القبة), ثم يقول إنه بعد المنفى اختار منطقة الجيزة لبناء الكرمة مرة أخرى لأنها تطل على النيل المبارك الذى كان أبى يحب أن يكون بالقرب منه من ناحية , ومن ناحية أخرى فإن الجيزة قريبة من (الأهرامات) التى كان أبى مغرما بها , وكان يمكن رؤيتها بالعين المجردة فى زمن شوقي. وقد لخصت كلام حسين شوقى لأنه يعطينا تصورا عن مرحلتى شوقى حياتيا وإبداعيا, إذ كان فى المرحلة الأولى (شاعر الأمير), لكن الملاحظ أن هذا اللقب لم يستبعد اللقب الآخر (أمير الشعراء) من مسيرة شوقى الإبداعية, بل كان اللقب يلاحقه على ألسنة بعض الأدباء والمثقفين, وقد نشرت الأهرام قصيدة له فى العدد (9069) السبت الثامن عشر من يناير 1908 يهنئ فيها سمو الأمير بعيد الأضحى , وقالت فى التقديم: «ننشر اليوم للقراء قصيدة شاعر الأمير وأمير الشعراء». وشعره فى المرحلتين يكاد يعبر عن مضمون اللقب على نحو دقيق, ففى المرحلة الأولى يقول مفتخرا : شاعر العزيز وما بالقليل ذا اللقب ويقول فى هجاء أحمد عرابى عام 1901: صغار فى الذهاب وفى الإياب أهذا كل شأنك يا عرابى وفى المرحلة الثانية يقول: وللأوطان فى دم كل حر يد سلفت ودين مستحق ومن يسقى ويشرب بالمنايا إذا الأحرار لم يُسقوا ويَسقوا ويقول فى قصيدة (البرلمان) عام 1926 : بنيان آباء مشوا بسلاحهم وبنين لم يجدوا السلاح فثاروا فيه من التل المدرج حائط من المشانق والسجون جدار يشير بذلك إلى الدماء التى سالت فى (التل الكبير) خلال الثورة العرابية , كما يشير إلى ضحايا المشانق والسجون فى ثورة 1919. لمزيد من مقالات د.محمد عبدالمطلب