كان الموسيقار محمد عبد الوهاب في مقدمة الفنانين المبدعين المتحمسين لثورة23 يوليو52 وزعيمها جمال عبد الناصر وأكثر الذين ألهمتهم الثورة بإنجازاتها المتعددة وصاغوا هذه الإنجازات في أناشيد وأغنيات تغني بها نجوم الغناء في مصر والوطن العربي وكان أول من غني بنفسه روائعه التي تحدثت عن الثورة من خلال الشاعرين الكبيرين حسين السيد( مؤلفه الملاكي) والمبدع الوطني أحمد شفيق كامل وكانا أقرب المؤلفين إلي قلبه وعقله ويستعين بهما وبإبداعاتهما الشعرية في كل المناسبات الوطنية والقومية والأحداث التي تمر بهذا الوطن ومازالت الجماهير ترددها حتي الآن رغم مرور أكثر من خمسين سنة علي إنتاجها, ويشعر القريبون من عبد الوهاب والذين تربطهم به علاقات صداقة ومودة أن الثورة ملكت كل وجدانه وأحاسيسه ويعيش ليل نهار يفكر كيف يبدع لها ألحانا رائعة تغرس في نفوس الشباب جذور الانتماء والولاء للثورة ليتغني بها نجوم الغناء في مصر والوطن العربي الذين يواصلون الاتصال أو اللقاء به من أجل أن يفوز كل واحد منهم بلحن من ألحانه في حب هذا الوطن ليغنيه في إحدي الحفلات التي تذاع علي الهواء في أعياد الثورة كل عام, وإذا كان أحمد شفيق كامل هو الذي كتب رائعة عبد الحليم السد العالي ولحنها كمال الطويل راح علي البنك اللي بيساعد ويدي.. قاله حاسب قالنا ملكمش عندي.. ضربة كانت من المعلم والتي انتهت بإعلانه تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية ليكون عبد الوهاب أول المهنئين لشفيق كامل والطويل وعبد الحليم بهذا العمل الرائع, لنعود إلي شفيق مرة أخري عندما نشرت الصحف أخبارها عن الوحدة العربية وانشغل عبد الوهاب بالفكرة ولم يهدأ له بال إلا بعد أن اتصل بصديقه الشاعر الوطني أحمد شفيق في جدة حيث كان يعمل ملحقا تجاريا بسفارتنا المصرية هناك والذين كان قد علم أيضا بهذا الخبر وأن هذا الإنجاز سيتم بالفعل وتواصلت الاتصالات بينهما حتي اختمرت الفكرة في ذهن شفيق وراح يمليه مذهب الأوبريت الذي أبدعه هناك تحت عنوان وطني حبيبي الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكتر.. وانتصاراته مليا حياته.. وطني بيكبر.. وبيتحرر فيعجب عبد الوهاب بهذا الدخول الذي تتغني به المجموعة وتمثل شعوب الوطن العربي, ويقتنع عبد الوهاب كل الاقتناع بهذا الاستهلال ويقضي شفيق كامل بعض الوقت متفرغا لفكرة الوطن العربي التي دارت في ذهن عبد الوهاب وشغلت كل تفكيره وبدأ بالفعل يعيش فيها لتخرج في شكل غنائي تردده المجموعة( الكورال). وتستمر الاتصالات بين عبد الوهاب في القاهرة وشفيق في جدة ويتفقان علي مقاطع هذا الأوبريت كما علمت فيما بعد عن حكايته مع أحمد شفيق كامل الذي كانت تربطني به علاقة وثيقة وطيبة فكنت اتابع كل إبداعاته الشعرية بداية من السد العالي وانتهاء بلقاء السحاب الذي جمعه بالموسيقار عبد الوهاب وسيدة الغناء العربي أم كلثوم في إنت عمري اللي ابتدا بنورك صباحه والذي حقق نجاحا مدويا وتغنت به أم كلثوم لعبد الوهاب لأول مرة بعد مشوارها الطويل مع الموسيقار رياض السنباطي لينتهي الاتفاق بين عبد الوهاب وشفيق علي الأصوات الغنائية المصرية والعربية التي ستشدوا بهذا الأوبريت ويتم اختيارهم من خلال عبد الوهاب ليعود بعد فترة شفيق إلي القاهرة ومعه النص الكامل للأوبريت وتستمر الجلسات بينهما حيث انتهي عبدالوهاب بالفعل من إختيار النجم الغنائي الذي سيتغني بكل مقطع من هذه المقاطع وتكون البداية ب عبد الحليم حافظ كما تكون النهاية ل عبد الحليم أيضا باعتباره نجم النجوم وصوت الثورة المعبر عن إنجازاتها والمؤرخ لها بالأغنية ليبدأ بنفسه الغناء ثم تتوالي بعد ذلك أصوات صباح وفايدة كامل وشادية ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة ثم يكون الختام ل عبد الحليم الذي يشدو بالكوبليه الأول وطني يا مالي بحبك قلبي.. وطني يا وطني الشعب العربي.. ياللي ناديت بالوحدة الكبري بعد ما شفت جمال الثورة.. إنت كبير واكتر بكتير من الوجود كله.. من الخلود كله يا وطني لتشدو بعد ذلك بالمقطع الآخر الفنانة صباح ويسعد عبد الوهاب بأدائهما الجميل وهو يقود بنفسه الأوركسترا الذي جمع أكثر من أربعين عازفا بالإضافة إلي الكورال وهي تردد أحلي ما كتبه شفيق عن الوحدة حلو يا مجد.. يا مالي قلوبنا.. حلو يا نصر.. يا كاسي رايتنا.. حلوة يا وحدة جامعة شعوبنا.. حلوة يا أحلي نغم في حياتنا.. يا نغم ساري بين المحيطين.. بين مراكش والبحرين.. في اليمن ودمشق وجدة ولا ننسي صوت فايدة كامل المفعم بالوطنية قوميتنا اللي بتجمعنا.. اللي حياتنا شموع حواليها.. جنة بتضحك للي يسلم.. وجحيم ثاير علي أعاديها وتأتي بعد ذلك شادية ثم وردة الجزائرية ثم الفنانة نجاة ليكون مسك ختام الأوبريت مع عبد الحليم وطني حبيبي الوطن الأكبر الذي بلغ فيه عبد الوهاب قمة إبداعه اللحني ليقرر بعد انتهاء البروفات أن يقود العمل بنفسه دون أن يتركه لأي مايسترو آخر حتي يتأكد بنفسه من إتقان كل مطرب ومطربة بالمقطع الذي أبدعه والإلتزام بالنوتة الموسيقية التي وضعها أمام العازفين وهو ما جعل العمل يحقق نجاحا مدويا حتي الآن ويقدمه التليفزيون والإذاعة في كل المناسبات الوطنية التي تعيشها مصر الآن. ويحسب ل عبد الوهاب أنه أعطي الفرصة الكاملة لكل هؤلاء النجوم الكبار دون أن يشارك بصوته ولو بكوبليه واحد رغم أنه غني قبل ذلك بنفسه كثيرا من روائعه الغنائية ومنها صوت الجماهير والجيل الصاعد ودقت ساعة العمل الثوري والتي ترددها الجماهير حتي الآن ويحسب لموسيقار الأجيال أيضا كما قال كثير من النقاد في ذلك الوقت أنه ركز في هذا الأوبريت الوطن الأكبر علي أسماء الأقطار العربية والشعب العربي دون ذكر أسماء الملوك والرؤساء العرب إيمانا منه أن الشعوب والأقطار هي الباقية وهو ما أكسب هذا الأوبريت صفة الاستمرار وجعله يذاع في كل المناسبات الوطنية والقومية.