حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القدس .. جرح غائر فى خاصرة الإبداع العربى

القدس فى البال .. هذا كل ما بقى فى ذاكرتنا العربية المهترئة نحو زهرة المدائن، بهية المساكن، المكللة بالغار وزهر الليمون، تلك التى تذروها رياح الحقد والغضب الأعمى، بعدما وقع المحظور، وعلى أثره اختلط الدم العربى بطعم برتقال يافا وزهور حيفا الموسمية، وغيرها من أشجار الفواكه المثمرة والحمضيات واللوزيات والعنب، بينما تقف شجيرات الزيتون العتيقة فى شموخ اضطرارى كشاهد حى على فعل الأبالسة من أبناء صهيون فى ( رام الله ، الخليل، أريحا ، بيت لحم ، نابلس، الأغوار، وغيرها..) من أماكن تشهد على الصمود فى ربوع فلسطين السليبة أمام عجز العرب والمسلمين.
هوت مدينة الصلاة، رغم كل صلواتنا من أجلها، وكثيرا ما ارتفعت أكفنا بالدعاء وأوقدنا شموع الغضب المكتوم، بينما العيون ترحل كل يوم، تدور فى أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد، وعلى رأسها "المسجد الأقصى" بشموخه الأبدى المستمد من جلال ليلة الإسراء ، درب من مروا إلى السماء، ولا نزال نحن أبناء الديانات مكتوفى الأيدي، عاجزين عن فعل أى شيئ، فى وقت تدوس فيه أحذية بنى صهيون - فى تحد سافر - كافة مقدساتنا.
اكتفينا فقط بجلد الذات مع مطلع كل نهار عفى مخضب بصباحات ندية مصحوبة بمشاهد سوداوية، مرددين نفس موال الحزن والأسى، لأجل من تشردوا، لأجل أطفال بلا منازل، لأجل من دافع واستشهد فى المداخل، لكن دون جدوى، فقد استشهد السلام فى وطن السلام، وسقط العدل على المداخل، بعدما هوت مدينة القدس، وتراجع الحب، وفى قلوب الدنيا استوطنت الحرب، هكذا تغنت "فيروز" باكية حزينة على ماضاع، وبقيت القدس جرحا غائرا فى خاصرة العروبة البالية.
وها نحن الآن فى لحظة فاصلة من عمر الزمن نقف على قمة تلال الخذلان والضياع، وبما تبقى من نخوة عربية يعترينا شموخ زائف مكلل بالعار جراء انتهاكات العدو، وهو يضرب حصاره الرهيب بمزيد يومى من الأسلاك الشائكة التى تمتد بطول وعرض عالمنا العربى على صخرة الانقسامات الحادة وبلادته المعهودة تجاه أهم قضاياه المصيرية، معلقا كل أسباب الفشل على شماعة "أوسلو1و2" والرباعية الدولية تارة، ومجلس الأمن والجمعية العامة تارات أخرى، بعدما اكتظت أروقة المنظمة الأممية بالملفات الساخنة حول حق العودة التى كثيرا ما تغنى بها شعراء الأرض المحتلة والعرب جميعا على اختلاف أجيالهم، وعلى رأسهم «إبراهيم طوقان» فى نشيده الأبدى «موطنى» الذى تغنى فيه بالجمال والسناء والبهاء فى ربى فلسطين، مع كل السائرين على «جسرعودة هارون هاشم رشيد»، ومع ذلك فلا بقيت الحياة ولا النجاة والهناء والرجاء فى هواه، ولم يعد كما فى خيال «طوقان» سالما منعما غانما مكرما فى علاه، وبعد أن كان الاستقلال كل حلم الشباب أصبح الذل المؤبد والعيش المنكد يحل محل مجدنا التليد، تعلوه الراية البيضاء بخطين أزرقين، مرصعة بنجمة داوود وهى ترفرف فى علا موطننا المحاصر، ومنذ أكثر من ستة عقود من الزمان تقف تلك الراية حائلا بيننا وبين حلم العودة المفقود - تحت غطاء مسموم من فتاوى الحاخامات - نحو المزيد من التهام الأرض والعبث بالتراث والهوية الفلسطينية، ومن عام إلى عام نغفو ونصحو على كارثة جديدة تدور فى فلك ترهات بناء الهيكل المزعوم، وعادة ما يبارك ذلك الزحف العنصرى قطيع الغربان الأمريكية والأوروبية التى تعزف فى انتظام سيمفونية الخراب الكونى مستغلة لحظات الضعف والهوان العربي.
القصة طويلة، والمأساة كما جسدتها الآداب والفنون على اختلاف ألوانها ومشاربها تشير إلى دراما واقعية سوداوية، ننتقى بعضا من فصولها التى تمتد لأكثر من قرن من الزمان، بدءاً بالثورة العربية (1915) ومرورا بالنكبة (1948)، والنكسة (1967)، والانتفاضة الأولى (1987)، والانتفاضة الثانية (2000)، ووصولا إلى شفا الانتفاضة الثالثة التى بدأت مؤشراتها مؤخرا مع تصاعد أعمال اقتحام الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين للمسجد الأقصى فى سبتمبر 2015، بعدما امتدت التداعيات المؤلمة إلى كافة المدن الفلسطينية المحتلة، حتى أطلق عليها مجازا "إنتفاضة السكاكين" بحسب الأحداث التى وقعت فى غزة وغيرها من مناطق فى الضفة والقطاع.
مرَّت بالقدس أحداث جسام وتعرَّضت للغزو غير مرة وصمدت فى وجه الجحافل من صليبيين ومغول وسواهما، ولكنَّ ما تعرَّضت له فى العصر الحديث كان فوق ذلك نتيجة لتآمر الغرب الاستعمارى على العرب وخوفه من الوحدة الكبرى التى تُعيد لهذا الشعب الممزّق عصر الفتوحات والبطولات من جهة، وللخلاص من فئة تبحث عن وطن قومى لها رأى الغرب من الصعوبة بمكان أن تعيش من دون أذى بين شعوبه من جهة ثانية، وهى تمثلّ عنصر الشرّ وتبثُّ سمومها وأحقادها فى مجتمعاته وتنخرُها من الداخل، فوجد فيها فائدتين: التخلّص منها وإلحاق أضرارها بالمجتمع العربى الذى يمثّل المارد النائم الذى إذا استيقظ قد يمثّل خطراً عليه، فكان «وعد بلفور» المشئوم فى الثانى من تشرين الثانى لسنة 1917، واستغلّت العصابات الصهيونية هذا الوعد، وعملت على تحقيقه فى ظلِّ الاحتلال البريطانى الذى تكفَّل بإنشاء الوطن القومى لليهود وعمل على تضييق الخناق على العرب فى المدينة المقدسة بوضع قوانين صارمة على البناء فى القدس الشرقية، ثم عمل على تحويل المدينة إلى عاصمة للدولة اليهودية، وسعت الوكالات الصهيونية إلى قلب الميزان الديمغرافى فى القدس لمصلحة اليهود، وهكذا إلى أن أصبحوا أغلبية فى المدينة، ولما انسحب البريطانيون من فلسطين كانوا قد هيأوا لهم فرص الانتصار على العرب، فقامت العصابات الصهيونية بالمذابح الجماعية، لا سيّما مذبحة «دير ياسين» التى كانت نقطة التحول، وقد قال عنها مناحم بيجن: «لولا النصر الذى حقَّقناه فى «دير ياسين» لما كانت هناك دولة إسرائيل».
ثمَّ بدأت محاولات تنفيذ المخططات الصهيونية الخاصة بمدينة القدس لما لها من مكانة كبيرة فى الديانات السماوية الثلاث، وأولاها تأهيلها لتكون عاصمة للدولة بدلاً من تل أبيب، ولذلك كان من الضرورى تغيير ملامحها العربية وإبراز الهوية اليهودية بالقوة وترسيخ الادعاءات الباطلة، وساروا فى تنفيذ مخططاتهم فى خطّين متزامنين: ضمّ القدس إلى الكيان الصهيوني، وتهويدها، وهذا ما حدث للقدس الغربيّة فى عام 1948، ثم احتلّ الصهاينة القدس الشرقيّة، واستطاع «مناحم بيجن» اقتحام المدينة القديمة فى صبيحة السابع من يونيو"حزيران" 1967، ودخلها "دايان" ليعلن أمام حائط المبكى: "لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة وعدنا إلى أكثر أماكننا قدسية، عدنا ولن نبارحها أبداً"، وواضح من هذه العبارات أنَّ الصراع الحقيقى فى المنطقة سيكون بعد احتلال المدينة احتلالاً كاملاً، لأنَّ طرفاً من الطرفين جاء ليبقى ويهيمن ويفرض إرادته على العرب والعالم، وهو لن يتنازل عن أيّ شبر من هذه المدينة التى استولى عليها، ومنذ ذلك الوقت عملت الجرافات الإسرائيلية على تغيير ملامح المدينة جغرافياً وديمغرافيّاً، وهى تسعى إلى التهويد الكامل وتصفية المؤسسات العربية.
إنَّ مشكلة القدس مختلفة عن مشكلة أيّ مدينة أخرى فى العالم، وهى معقَّدة الخيوط، فعلى الرغم من صغرها نسبيّاً بين المدن الكبيرة فى العالم غير أنها تعجُّ بالأماكن المقدّسة عند أصحاب الديانات الثلاث، ولهذه الأماكن ذاكرة تاريخية تزيدها قداسة، ككنيسة القيامة والمسجد الأقصى وسواهما، ومن هنا يتوقَّع المرء أن يطول زمن الصراع على هذه المدينة، وأنَّ جميع الحلول التى تقترحها هذه الجهة أو تلك ستظلّ حلولاً مؤقتة وموضعية، فالصهاينة لن يتنازلوا عن شبر واحد فيها، وقد حزموا أمرهم على ذلك، والعرب مسلمون ومسيحيون لن يتنازلوا عن منازل الآباء والأجداد من جهة، ولن يسكتوا عما يُصيب مقدساتهم ومعتقداتهم فى هذه المدينة من جهة أخرى.

الشعر فى المعركة
لقد أدى الأدب العربى فى كل المراحل من تاريخ أمتنا وظيفته فى تحريك مشاعر الأمة الإسلامية، واستنهاض همتها للدفاع عن هويتها الإسلامية والثقافية ومشروعها الحضاري، والتفاعل مع المبادرات والطموحات النهضوية، فكان من أسرعُ الأدوات الثقافية نهوضاً برسالته وحضوراً فيما تمر به الأمة من تداعيات ومنعطفات تاريخية على جناح الشعر.
ومن ثم كان موضوع القدس هو الذى استحوذ على وجدان الأمة، كما يؤكد لنا الدكتور محمد شحادة تيم، الأستاذ بكلية الآداب - الجامعة الإسلامية بغزة، فى دراسة له بعنوان " دور الأدب العربى فى ترسيخ مكانة القدس فى وجدان الأمة"، موضحا أن الشعر العربى قد نجح فى رسالته الوجدانية ؛ بل أصبحت المصيبة التى حلت بالقدس حافزاً للجهاد، وتجاوز الشعر الحالة البكائية وصدمة المصيبة ليتحول الحزن إلى غضب، بل إن الشعر قام فى هذه الفترة بتوظيف قصيدة المدح فى رسم صورة البطل، وترسيخ موضوع القدس فى وجدان الأمة، ولكن ماذا كانت المحصلة النهائية لكل ذلك؟
ومن فلسطين جاءت أصوات مثل ( الشيخ يوسف النبهانى – أبو الإقبال سليم يوسف اليعقوبى - عباس الخماش - الشيخ أبوالسعود - على الريماوى - محمد إسعاف النشاشيبى – سليمان التاجى الفاروقى – إسكندر الخورى – إبراهيم الدباغ - عبد الرحيم محمود - برهان الدين العبوشى - إبراهيم طوقان - محمد على الصالح، وفى القصة: محمد أحمد التميمى - خليل السكاكينى - ميخائيل جرجس - خليل بيدس – مى زيادة، فضلا عن الأعمال النثرية الراصدة لخليل بيدس, ومحمود سيف الدين الإيراني, ونجاتى صدقي, وإسحق موسى الحسيني. )
ويعد كتاب "أدب المقاومة فى فلسطين المحتلة " فى عام 1967م, للكاتب "غسان كنفاني, بمثابة الميلاد لترسيخ مصطلح نقدى جديد, ألا وهو "أدب المقاومة"، ومن الأدباء المخضرمين فى تلك الفترة (التالية بعد النكبة): مؤيد إبراهيم - يوسف نخلة - حنا أبوحنا - توفيق زياد - حبيب قهوجى - عيسى اللوبانى - حنا إبراهيم - عصام عباسى - محمود سيف الدين الإيرانى - نجاتى صدقي، ثم أدباء ولدوا قبل النكبة بقليل وأنضجتهم أحوالها: محمود درويش - سالم جبران - توفيق زياد - سميح القاسم - يوسف طافش - ناجى علوش - سلمى الخضراء - سميرة عزام - غسان كنفانى - هارون هاشم رشيد - يوسف جاد الحق - إلياس خوري، وأعقبهم الفوج الثالث، وقد نضجوا فى أواخر الستينيات، وربما فى السبعينيات: نايف سليم – فوزى الأسمر – راشد حسين – توفيق فياض – نزيه خير – فاروق مواسى – حسن حميد، أما وقد أنضجت التجربة الجميع, تفجرت الطاقات, فخرجت الأعمال مفعمة بالفن والتقنيات الحديثة.

شعراء عرب على الدرب
وعلى درب النضال العربى حظيت القدس باهتمام الشعراء العرب، فى أقطار الوطن العربى كله، حتى فى المهجر، فنظم الشعراء أبهى القصائد فى التغنى بها، والدفاع عنها، وتأكيد الأمل فى خلاصها من أذى العدوان الصهيوني، وبحسب دراسة "الشعر العربى المعاصر والقدس" التى كتبها أحمد زياد محبك، فإنه منذ البدء كان الشعراء جميعاً واعين لخطورة العدو الصهيونى حتى من كان منهم بعيداً عن الوطن، ففى المهجر الأمريكي، يندد الشاعر القروى "رشيد سليم الخوري" بوعد بلفور عام 1917، ويحث العرب على النهوض ويذكر بصلاح الدين معتزاً به فيقول:
فاحسب حساب الحق يامتجبر/ مهج العباد خسئت يامستعمر/ اليوم تفتخر العلى أن تثأروا / تأبى المروءة أن تنام ويسهروا / قبل الرحيل فعد إليهم يذكروا / الحق منك ومن وعودك أكبر / تعد الوعود وتقتضى إنجازها / ياعرب والثارات قد خلقت لكم / يدعوك شعبك ياصلاح الدين قم / نسى الصليبيون ماعلمتهم.
ويفخر الأخطل الصغير، ببطولات العرب فى فلسطين يوم انتفضوا على المحتل الغادر عام 1936 ويشيد بالشهداء، فيقول (2):
لبس الغار عليه الأرجوانا / وبناء للمعالى لايداني / لثمته بخشوع شفتانا / قد رضعناه من المهد كلانا / كعبتانا وهوى العرب هوانا / يا جهاداً صفّق المجد له / شرف باهت فلسطينٌ به / إن جرحاً سال من جبهتها / نحن يا أخت على العهد الذي / يثرب والقدس منذ احتلما.
وهو ما دفع الشيخ جميل العقاد، ليدعو من حلب إلى المشاركة فى حرب عام 1937 فى فلسطين، ويؤكد أن القدس هى قلب سورية وتأتى دعوته عفوية حماسية، وبأسلوب خطابى مباشر، فيقول :
لفلسطين اشرئبوا / إن جيش العرب لجب / أنت من سوريا قلب / يابنى يعرب هبوا / يا فلسطين اطمئني / روح سوريا استطارت.
ثم ينفجر الغضب فى قلب الشاعر العربى عمر أبو ريشة، معاتبا أمته بقسوة منكراً عليها تقصيرها، وفى صباح يوم 15 مايو"أيار" 1948 أعلن الصهاينة عن قيام دولة إسرائيل، فيقول: منبر للسيف أو للقلم / خجلاً من أمسك المنصرم / فى حمى المهد وظلّ الحرم / تنفضى عنك غبارَ التهم/ أمتى هل لك بين الأمم، وعن صمود الفلسطينى وتعلقه بأمل العودة، يعبر الشاعر المصرى صلاح عبدالصبور، مستعيناً على ذلك بشعر التفعيلة، متخلصاً من كثير من الخطابة والحماسة، محاولاً تطويع هذا الشعر لموضوعات كان الشعر التقليدى ينفرد بها، فيقول : كانت له أرض وزيتونه / وكرمة وساحة دار/ وعندما أوفت به سفائن العمر إلى شواطئ السكينة / وخطّ قبره على ذرا التلال / انطلقت كتائب التتار/ تذوده عن أرضه الحزينه / لكنه، خلف سياج الشوك والصبار/ ظل واقفاً بلا ملال / يرفض أن يموت قبل الثار/ ياحلم يوم الثار
ومادام هناك قلب ينبض بالحياة، يؤكد الشاعر العراقى عبدالوهاب البياتي، أن يوم العودة قريب، ويعبر عن ذلك بقدر كبير من العفوية والبساطة والمباشرة، منطلقاً من مفهومه التزام الشعر لقضايا الواقع، يقول :
أنا لن أموت / مادام فى مصباح ليل اللاجئين / زيت ونار عبر مقبرة الحدود / حيث الخيام الباليات / كأنها فى الريح لافتة تشير / إلى طريق العودة الدامى القريب
وفى نفس السياق تغدو الخيام فى عينى الشاعر المتفائل زكى قنصل، وهو فى المهجر الأمريكي، لافتات تؤكد قرب يوم العودة إلى الحق والأرض، ولكن يظل العربى يعانى مرارة الهزيمة، وقسوة الاحتلال، ويظل التشوق إلى ربوع القدس حرة عربية، كما يقول الشاعر: الليل داج والطريق طويل / واحرّ قلب بالدموع يسيل / لولا بصيص للرجاء ضئيل/ وكبت بأشبال النضال خيول/ هل لى إلى مهد السلام سبيل / عصفت بى الأشواق عاتية اللظى / لتكاد تغرق فى الظلام سفينتى / لهفى على القدس انطوت أعلامه.
تحدث نكسة الخامس من يونيو - حزيران - عام 1967، فيزداد الجرح عمقاً، وتزداد القدس تألقاً، تلتف من حولها القلوب، وتتطلع إليها الأحداق، يقول نزار قبانى فى قصيدة له عنوانها "القدس" ترجع إلى عام 1968 يمجد فيها القدس مدينة السلام ويسأل من سينقذها: ياقدس يامدينة الأحزان / يادمعة كبيرة تجول فى الأجفان / من يوقف العدوان ؟ / عليك، يالؤلؤة الأديان ؟ / من يغسل الدماء عن حجارة الجدران / من ينقذ الإنجيل / من ينقذ القرآن ؟ / من ينقذ الإنسان ؟
تنطلق الصيحات العربية، تعلن رفض الصلح والمساومة، وتأبى إلا الحق كاملاً، مهما كان الثمن، فالملايين كلها مستعدّة للتضحية والفداء، ومن ثم يرسخ الشاعر العربى المصرى "أمل دنقل" مقولاته بقدر كبير من المباشرة والتقرير والخطاب، متخذاً من حرب البسوس ومقتل كليب وسيلة للتعبير، يقول : إنها الحرب / قد تثقل القلب/ لكن خلفك عار العرب / لاتصالح / ولا تتوخ الهرب/ لاتصالح / ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ / والرجال التى ملأتها الشروخ / لاتصالح / فليس سوى أن تريد / أنت فارس هذا الزمان الوحيد / وسواك المسوخ.
وعلى أثر أول فعل عملى مقاوم، ينتفض الشعب العربى فى فلسطين، ويحمل كل طفل حجراً، ليرمى به آلة العدوان، مؤكداً الحق العربي، فاضحاً زيف الكيان الصهيوني، كما يشير "ممدوح عدوان" فى قصيدة له:
هذا زمان من حجر / الظل وسط الصيف مات من الضجر / والسيف وسط الحرب مات من الضجر / والماء فى الأنهار قد أضحى حجر / هذا زمان من حجر / إن شئت أن تحيا عزيزا / كن حجر / واحمل حجر / واضرب حجر / هذا زمان من حجر / فتعلم الدرس الذى أعطى لنا / الولد الفلسطينى فى زمن الحجر.
تنفجر انتفاضة الحجر الثانية، صيف عام 2000، وقد أصبحت صورة الطفل "محمد الدرة" رمزاً لتلك الانتفاضة، وانثالت من حولها الأشعار، وهى صورة طفل يحتمى بأبيه، يختبئ فى خاصرته، والأب يرد عنه العدوان بيده العارية، ولكن رصاص الغدر يأبى إلا أن يردى الطفل فى حضن أبيه، فكتب الشاعر عبدالقادر حصنى قصيدة بعنوان طائر البراق، يقول فيها على لسان محمد الدرة مخاطباً الجندى الصهيوني:
أيهذا البشري/ أنت يامن تطلق النار على جسمى الطرى / أنت هل تقرأ؟ / هل تكتب؟ هل ترسم؟ هل تعزف؟ / هل تشرب شايا؟ / هل تلف الزيت والزعتر بالخبز الطريّ ؟ / أنا أصغى فى الصباحات لموسيقا العصافير / وأستذكر أسراب الفراشات التى مرت بحلمى / راسمات أحرف اسمى / فى فضاء قزحى / أنا درة / أنا روح عذب بيضاء حر / نزلت آيتها الأرضُ على / حجراً بين يدى / وحبانى الله سره / من سلام ومسرَّة / كيف تنسى رعشات الطفل فى صوتى الندى / وقميصى المدرسي؟ / كيف تسنى بيننا آخر نظرة / أيهذا البشري؟
وهكذا احتضن الشعر العربى مأساة فلسطين ومنها القدس فى القلب، وعانقها، حبّاً وشوقاً، دفاعاً وإصراراً وكان الشعر دائماً مواكباً لكل مامرت به القضية من مراحل، وما عانى منه الشعب العربى من كفاح من أجل حرية الأرض والشعب، وكان فى ذلك الشعر ماهو خطابى مباشر، وكان فيه ماهو فنى متطور، ولكنه كان مخلصاً للقضية، محباً لها، مدافعاً عنها، ومن حق هذا الشعر أن تترجم بعض نصوصه إلى اللغات الحية، وأن ينشر فى الغرب، ولا سيما أوربا وأمريكا، كى يتم خطاب الشعب الأوربى والأمريكى من خلاله، فيتعرف إلى القضية الفلسطينية، والحق العربى الذى يضحد سموم رواية "تيودور هرتزل" التى حملت عنوان "أرض قديمة جديدة"، خاصة أن الكتابة عن القدس بين 1948 و1967 ظلت كتابة عابرة، وربما حضرت فى شعر شاعر متصوف ارتبط بالمكان ارتباطاً روحياً أو ارتباطاً مباشراً، والكم الهائل من القصائد التى كتبت فى المدينة كتبت بعد احتلالها، وبالتالى لم يتحرر شبر واحدفيها، وعلى الرغم من الانخراط - بفعل تحريضى للشعر - فى مسارات انتفاضة حجارة أولى وثانية ، إلا أننا الآن نعيش أجواء إرهاصات انتفاضة ثالثة؟ تندلع من محيط المسجد الأقصى فى القدس وال78% المتبقية من فلسطين داخل الخط الأخضر، فى وقت ينظر إلى الاحتلال الذي يبرر قنص الفتيان والشباب المنتفضين.

القدس فى الرواية
تفاوتت عناية الروايات بالقدس فى فترة مابعد نكسة 67 وما يتصل بها، على حد قول الدكتور محمد شحادة تيم، فنجد بعض الروايات تذكر القدس عرضاً، أو فى قلة اهتمام نراه فى عدد منها، غير أن هناك بعض الروايات التى توجّه إلى القدس اهتمامها، أو تكاد تقصر تناولها عليها والروايات المتصلة بالقدس يمكن أن تندرج تحت محورين اثنين: أولهما منه تغلّبت فيه الرؤية الاجتماعية فى رواياته على نسيجها الفني، وتناولت هذه الروايات هموم الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه، والحديث عن رحيلهم وتشتيتهم فى الآفاق، بعد مغادرة وطنهم، وثانيهما كان معنيا بالسياسى المتمثّل فى الصراع مع الأعداء، وبالنسبة للروايات التى غلبت الرؤية الاجتماعية على نسيجها الفنى فتمثلّها رواية: "آلام نازحة" لأحمد عويدى العبادي، "إلى اللقاء فى يافا" لهيام رمزى الدردنجي، "السفينة" و"البحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا، و"الدم والتراب" لعطيّة عبد الله عطيّة، و"الرحيل" لمفيد نحلة، و"طريق إلى البحر" لفاروق وادي.
أما روايات المحور السياسى المتمثل فى الصراع مع الأعداء فتمثّلها الروايات "جراح جديدة" لعيسى الناعوري، و"سداسية الأيام الستة" و"الوقائع الغريبة فى اختفاء أبى النحس المتشائل» لإميل حبيبي، و"حارة النصارى" لنبيل خوري.
وقد سيطرت النكسة على معظم أحداث الروايات التى صدرت بعد هزيمة حزيران عام 1967، فعرضت لتشرد الشعب الفلسطينى وما كان يدور من قتال فى مدينة القدس فى تلك المعركة، ولكن ذلك لم يكن إلا تسجيلاً للواقع، ونقلاً له كما هو فى واقع الحياة، وبدت صورة القدس وما يتصل بها تفوق هذا "الواقع التسجيلي"، وإن لم تكن صورتها فيها مفعمة بالحركة والحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.