هذا مقالٌ ثقيلُ الظل وفى غير وقته بالنسبة لكثيرين .. إذ أبدو كمن يقذف كُرسياً فى كلوب مهرجان اللصوص المُقام منذ إصدار قانون التصالح معهم .. بعد حملةٍ إعلاميةٍ كاسحةٍ أُنفِقَت فيها المليارات .. لم تترك شريفاً إلا ولَوَثَّته ولم تترك لصاً إلا وألبسته أكاليل الغار .. بحيث أصبحت قناعةُ الكثيرين أن هذا زمان التصالح مع اللصوص لا ملاحقتهم .. والاعتذار لمبارك لا التشكيك فى ذِمَّتِه .. وأن نواطير مصر قد نامت عن ثعالبها كما قال المتنبى .. فليسامحنا السادة اللصوص وليغفروا لنا إلحاحنا فى طرح مثل هذه الأسئلة التى قد تُفسدُ عليهم أفراحهم .. لا نسأل هنا عن تصريح جون كيرى المُسَجَّل صوتاً وصورةً بأن دولته جَمَدَّت 31.5 مليار دولار من أموال مبارك فى أمريكا، فقد يكون ذلك زلَّة لسان .. ولا نسأل عما تناولته صحفٌ عالميةٌ بشأن تحويل مبارك لنحو 20 مليار دولار من حساباتٍ في بنوكٍ محددةٍ بسويسرا لحساباتٍ في دولتين عربيتين في الأيام الأولى لثورة يناير، فقد تكون هذه الأنباء جزءاً من المؤامرة الكونية لتشويه صورة الكنز الاستراتيجى .. ولكننا نتساءلُ عن مصدرِ ومصير أموالٍ اعترف ابناه بها فعلاً.. إذ ما كاد المستشار عاصم الجوهرى رئيس جهاز الكسب غير المشروع (آنذاك) يُصرح فى أكتوبر 2011 بأن اللجنة تَمَكَّنَت من اكتشاف 340 مليون دولار (نحو ثلاثة مليارات جنيه) مودعة فى حسابٍ فى سويسرا باسم علاء وجمال مبارك، حتى انبرى مُحاميهما السيد/ فريد الديب نافياً أن تكون لجنة الجوهرى هى التى اكتشفت هذه الأموال وإنما مُوكلاه هما اللذان بادرا من تلقاء نفسيهما بالإبلاغ عنها فى 30 مايو 2011 فى تحقيقات إدارة الكسب غير المشروع، وحددا البنوك السويسرية المودعة فيها، ومصادر وتواريخ حصولهما عليها، وكلها مصادر مشروعة لا علاقة لها بمصر! (ما سبق هو كلام الديب أما علامةُ التعجب فهى من عندى). ثم كَرَرَّ الديب نفس الكلام فى حواره المنشور فى المصرى اليوم فى 21 أبريل 2013، وأضاف إليه أنهما يملكان أيضاً 150 مليون جنيه في البنوك المصرية، وأن مصر قدمت بلاغاً ضد جمال وعلاء في سويسرا، فقام السويسريون بالتحفظ على الأموال، وبدأ البحث والتحقيق، وانتهوا إلى أنه لا توجد شبهة غسل أموال، وبدأوا في البحث عن الجريمة المنظمة، وقالوا إن هناك جريمة منظمة وجاءوا فيها بأسماء كبيرة جدا، فقدمت مصر طلباً للاطلاع على هذه التحريات، فعُرِض الأمرُ على المحكمة العليا الاتحادية، التي رفضت الطلب .. هذا أيضاً كلام السيد فريد الديب منذ أكثر من عامين .. ثم توقفت آلةُ عرض هذا الفيلم من يومها ولم نَعُد نعرف شيئاً عن مصير هذه القضية .. ومع تزايد الضجيج الاحتفالى بالتصالح مع لصوص المال العام، بَدا وكأن هذا الفيلم يتجه للنهاية السعيدة لأبطاله، إلا إذا كان للمُخرج رأىٌ آخر .. لكن يبقى للشعب المصرى الجالس على مقاعد المتفرجين أسئلةٌ بلا إجابات عن مصير الحسابات السويسرية التي لا علاقة لها بمصر، والحسابات المصرية التي لا علاقة لها بسويسرا، والأسماء الكبيرة جداً المتورطة في الجريمة المنظمة، وهل lh زالت هذه القضيةُ قيد التحقيق أم أنها حُفِظَت باعتبار هذه المليارات كَسبَاً مشروعاً ومالاً حلالاً بَلالاً، وعشرات الأسئلة الأخرى التى نسألها ولا يُجيبنا عنها أحد بل يريدون إخراسنا .. إذَنْ لم يَبقَ لنا إلا مبارك .. نسأله، ليس كمتهمٍ لا سَمَحَ الله، فالرجل أُنهى عقوبة السرقة الوحيدة التى تسربت للقضاء وقد عاد لهُ إعلامُه ووزراؤه ورجال أعماله ورؤساء أجهزته وبرلمانه وهناك الآن دعواتٌ لتكريمه(!) .. لذلك نسأله فقط بِحُكم العِشرة الطويلة التى امتدت لثلاثين سنة، لا تهون إلا على خائن العِشرة، وبمبدأ (خيرُكُم مَن تَعَلّم العِلمَ وعَلّمه). أن يُعلمنا كيف استطاع ابناه تكوين ثروةٍ مشروعةٍ مقدارها ثلاثة مليارات جنيه لا علاقة لها بمصر؟ بالنسبة لأمثالنا فقد فات أوانُ التَعَلُّم .. ولكننا نأمل أن يُفيد بإجابته ملايين الشباب الذين لم تُصِبْهم (إنجازاته) .. عَلِّمهم يا سيادة المُرَبِّى الفاضل .. تَخَيَّل لو أن مليون شابٍ فقط من الذين ثاروا عليك وَعَوْا الدرسَ ونجح كلٌ منهم فى تكوين ثلاثة مليارات جنيه مشروعة لا علاقة لها بمصر، لأصبح لديهم ثلاثة آلاف تريليون جنيه (التريليون مليون مليون) كفيلة بسداد كل ديون مصر الخارجية والداخلية وكل أنواع العجز المالى، بل ونُقرضُ من الفائض دول الخليج والاتحاد الأوروبى ونشترى البنك الدولى!!!. يا أصحاب المعالى اللصوص اغضبوا ما شئتم مِنَّا .. لا يُخيفُنا تهديدكم .. ولن نَمَلَّ من السؤال إلى أن ننتزع الإجابات أو نقضى دونها.