بعد وقوع أحداث باريس بلحظات ظهرت استراتيجية أوروبية واحدة لمواجهة الارهاب. أعلنت بلجيكا وبريطانيا وبقية دول أوروبا مواقف عملية للتضامن مع فرنسا للحرب على اعداء الإنسانية واعداء الاسلام الذين يتمسحون فى الدين الاسلامي، دين التسامح والمحبة والسلام والأخوة الانسانية .. واعتقد أن الوقت حان لتتعلم الدولة العربية كلها هذا الدرس وتتخذ موقفا عمليا واحدا، وتتفق على استراتيجية موحدة. وأظن أن العرب جميعا لايحتاجون الى من يذكرهم بالمخاطر التى تحيط ببلادهم جميعها بلا استثناء، ولايحتاجون الى من يشرح لهم المساعى لبعض القوى والدول لتهديد الأمن القومى لكل بلد عربى ولكل البلاد العربية مجتمعة مستغلين فى ذلك القول القديم الشائع إن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا، وأن كل دولة عربية تريد أن تعمل وحدها وترسم سياساتها وتقيم علاقاتها دون تشاور أو تنسيق مع بقية الدول العربية، وأن مؤتمرات واجتماعات الجامعة العربية ليست إلا لقاءات شكلية يتم فيها بحث نفس الموضوعات التى سبق بحثها وتعلن فى الاعلام قرارات سبق اعلانها من قبل ولا ينفذ منها شىء. هذه الفكرة السائدة عن الدول العربية لدى كثير من صانعى السياسات فى الدول الكبرى تشجعها على عرقلة التكامل والتقدم للعالم العربي، وتشجع الجماعات المتطرفة والارهابية على التبجح. وهذا ماشجع على محاولة تنفيذ مخطط (الفوضى الخلاقة) لتفكيك وتقسيم كل دولة عربية على حدة. وقد صارت بعض الجماعات الارهابية سلاحا لتحقيق هذا المخطط. ولعلنا نذكر ما قاله الرئيس الامريكى السابق جورج دبليو بوش عقب العدوان على نيويورك وواشنطن 11 سبتمبر 2001، فقد قال عن المسلمين: «إنهم يكرهون حضارتنا» ونذكر يوم أعلن «الحرب المقدسة» التى انتهت بالقضاء على الدولة العراقية وعلى جيشها وقوات أمنها واقتصادها وثقافتها واعادتها الى القرون الوسطي!. ولعلنا نرى كيف تأوى الدول الغربية وتساعد الجماعات المتطرفة التى تسعى الى إشاعة الفوضى فى الدول العربية، وتعلن حكومات الغرب فى نفس الوقت أن مواجهة هذه الجماعات هى مسئولية الحكومات العربية وحدها وأن مساعدتها تتمثل فى بيع مزيد من الأسلحة لهذه الحكومات، ومعلوم أنها تبيع الأسلحة للجماعات الارهابية أيضا، بذلك تزداد مبيعاتها للسلاح ويتم استنفاد الأموال العربية التى كان يمكن أن توجه للبناء والتقدم. هنا لابد أن نشعر بالقلق عندما نتأمل مدى الاستجابة لدعوة مصر الى انشاء قوة عسكرية عربية مشتركة للتدخل السريع لمواجهة الارهاب، وقد تابعنا اجتماعات رؤساء الاركان ومازلنا ننتظر. أما السؤال الذى يعرف الجميع إجابته ولايصرحون به فهو: من أين تأتى الأموال والأسلحة للجماعات الارهابية واين وكيف تم تكوينها وتدريب عناصرها القتالية على هذا المستوى الاحترافى الى حد امتلاكها أسلحة ثقيلة وتدريبها على استعمالها وامتلاكها صواريخ مضادة للدروع وللطائرات، وكيف واين تم تدريب بعض عناصرها على استخدام وسائل تكنولوجية والكترونية متقدمة، وامتلاكهم القدرة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعى لنشر الشائعات والأفكار والفتاوى المنحرفة لتكون مادة للاساءة الى الاسلام فى الغرب ويستخدمها الغربيون سلاحا ضد الاسلام والمسلمين، وكيف تمكنت هذه الجماعات على تجنيد شبان وفتيات من دول غربية للانضمام الى صفوفهم واعتناق أفكارهم المنحرفة. أمام هذا الخطر الحقيقى الذى لم يواجه العالم العربى مثيلا له من قبل إلا عند غزو التتار والمغول لابد من وقفة، ولابد من أن تسارع الدول العربية الى الالتقاء على عمل موحد تتكامل فيها الجهود والامكانات لأن العدو خطير، والمعركة معه طويلة، وتأجيل هذا العمل العربى الموحد لن يساعد على القضاء على الخطر ولكنه سوف يطيل أمد استنزاف قوى كل دولة على حدة. ومما يساعد على الأمل ماتحقق من توحد مواقف مصر والسعودية والإمارات، والأمل أن ينضم الباقون قبل فوات الأوان. لمزيد من مقالات رجب البنا