كانت حرب أكتوبر المجيدة مثالا لابد أن يحتذى فى التضامن العربي، وامتزجت دماء الشهداء العرب من عدة دول على الأراضى المصرية والسورية دون تفرقة بين عربى وآخر، واستخدمت دول الخليج سلاح النفط ليكون عاملا مهما فى المعركة، وشاركت معظم الدول العربية فى المعركة بقوات أو عتاد أو دعم مادي، لأنها كانت معركة كل العرب. وكانت الكويت هى صاحبة النصيب الأكبر من الشهداء، الذين امتزجت دماؤهم بدماء الجنود المصريين فى المعركة، ولا تزال أرض مصر تحتضن رفاتهم حتى هذا اليوم، ولم تكن مشاركة الكويت فى مصر فقط بل فى سوريا أيضا، فقد اقترح وزير الدفاع وقتها الشيخ سعد العبد الله الصباح، إرسال قوة كويتية إلى سوريا مثلما توجد فى مصر قوة كويتية هى لواء اليرموك، وتم تشكيل قوة الجهراء لتتكون من نحو ثلاثة آلاف فرد وتألفت من كتيبة دبابات وكتيبة مشاة وسريتى مدفعية وسرية «مغاوير» وسرية دفاع جوى وباقى التشكيلات الإدارية. وتم تكليف هذه القوة بحماية دمشق واحتلت مواقعها بالقرب من السيدة زينب ثم ألحقت بعدها بالفرقة الثالثة فى القطاع الشمالى فى هضبة الجولان ثم شاركت فى حرب الاستنزاف ضد القوات الإسرائيلية، وظلت القوة فى الأراضى السورية حتى 25 سبتمبر 1974 حيث أقيم لها حفل عسكرى لتوديعها فى دمشق. وإلى جانب لواء اليرموك فى مصر، قامت الكويت أيضاً بإرسال عدد من طائرات الهوكر هنتر، والجدير بالذكر هنا أن إجمالى ما كانت تملكه الكويت من طائرات الهوكر هنتر هو 8 طائرات أرسلت منها إلى مصر 5 طائرات ، إضافة إلى طائرتى نقل من طراز سي-130 هيركوليز تحمل الذخيرة وقطع الغيار. وفى 15 أكتوبر كانت ملحمة الجيش الكويتى على الأراضى المصرية حيث توغلت القوات الإسرائيلية فى سيناء واشتد القصف الإسرائيلي، وأغارت الطائرات الإسرائيلية على موقع القوات الكويتية المرابطة واستشهد73 عسكريا كويتيا. ولم تكتف الكويت بمشاركة قواتها العسكرية فى المعركة، بل أعلنت الحكومة الكويتية أن أى تدخل من أى قوة عالمية ضد العرب فى حربهم مع إسرائيل هو بمثابة هجوم عليها، وأرسلت فريقا طبيا إلى كل من مصر وسوريا، وتم وضع المستشفيات الكويتية فى حالة طوارئ استعدادا لاستقبال أى من الجرحى المصريين أو السوريين. لقد ساهم الجنود الكويتيون فى صناعة نصر أكتوبر العظيم من خلال ملحمة أداها لواء كامل من الجيش الكويتى هو لواء (اليرموك) الذى استشهد من رجاله البواسل 24 شهيدا من الكويت امتزجت دماؤهم بدماء الجنود المصريين فى المعركة، كما شارك الجنود الكويتيون فى قصف خط بارليف، كما أن مشاركة القوات الكويتية العسكرية لم تكن فقط فى حرب أكتوبر وانما كان قد سبق لها المشاركة فى حرب يونيو. هكذا شارك العرب فى صنع انتصار أكتوبر، تلك الحرب التى قدمت الصحف الإسرائيلية وصفا دقيقا لها عندما كتبت تقول: الساعة الثانية ظهرا، انطلقت صفارات الإنذار كأكثر حدث زلزل إسرائيل فى تاريخها منذ الاستقلال، هجوم مفاجئ لكل من مصر وسوريا مخطط ومنفذ بشكل جيد، خلال 3 أسابيع مات أكثر من 2500 جندى إسرائيلى وجرح اكثر من 3000 وتقريبا 300 بالأسر، إسرائيل واجهت أول هزيمة، وتلاشى الشعور بأنها دولة لا تقهر وأنها القوة الإقليمية بالمنطقة، ذهبت نشوة النصر لحرب 1967 مجددة مخاوف هولوكوست آخر. واضافت الصحف الإسرائيلية: بعد يومين من يوم كيبور، ضللت الحكومة الإسرائيلية نفسها وشعبها بتوقع أن معجزة حرب 1967 ستعيد نفسها، وأن العرب سيدفعون ثمن وقاحتهم، فقط فى ليلة الثامن من أكتوبر كان هناك بعض الحقيقة التى تكشفت بحرص فالجيش يعانى خسائر ضخمة على كلتا الجبهتين. بينما تستمر الحرب، يتضح أكثر فأكثر أن هناك بعض الحسابات الفنية الخاطئة والفظيعة. رغم وجود مؤشرات لإعداد مصر وسوريا للحرب . فإن القيادة الإسرائيلية فشلت فى إعطاء مصداقية لتلك المؤشرات، كان هناك قناعة بأن العرب لن يبدأوا الحرب، لكنهم حاربوا وهزموا إسرائيل. لم يكن العرب يحاربون إسرائيل وحدها، فقد اقامت أمريكا جسرا جويا لتعويض الجيش الإسرائيلى عما خسره فى الحرب من طائرات ودبابات وخلافه منذ يوم 10 أكتوبر بصورة غير رسمية ومنذ 13 أكتوبر بصورة رسمية وسميت بعملية نيكل جراس واستخدمت فيها طائرات سى 5 و سى 141 وهى طائرات نقل عسكرية أمريكية عملاقة. ويقول رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر 1973المشير محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته (لم تكتف إسرائيل بطائرات الجامبو السبع لشركة العال لنقل احتياجتها من الأسلحة والمعدات، ولذلك عملت محاولات استئجار طائرات مدنية أمريكية لسرعة إجراء النقل، لكن شركات الطيران رفضت التعاون معها خوفا من المقاطعة العربية واتجه التفكير إلى استخدام طائرات النقل العسكرية الأمريكية لنقل الأسلحة والمعدات ... وقد استمر الجسر الجوى الأمريكى مدة 33 يوما اعتبارا من 13 أكتوبر حتى 14 نوفمبر 1973). تحية لكل الشعوب والقادة العرب على موقف تاريخى يستحق أن نتمسك به الآن فى ظل الظروف التى تمر بها الأمة العربية. لمزيد من مقالات فتحي محمود