لا يفل الحديد إلا الحديد .. من أكثر الأقوال المأثورة التى تنطبق وبشدة على المشهد فى أفغانستان الحالي. فبعد تأكيد السلطات الأفغانية وفاة الملا عمر - الخبر الذى أعلن منذ أكثر من عامين - سادت حالة من الفوضى والتخبط فى صفوف حركة طالبان، والتى استمرت على الرغم من إعلان الملا أختر منصور زعيما جديدا لطالبان. وباتساع الشقوق فى صفوف طالبان، وعدم قبول عدد كبير من القيادات فى طالبان اختيار منصور زعيما، استغل تنظيم داعش الإرهابى هذه التربة الخصبة ليتسلل فى أكثر المناطق خطورة وسخونة، وينجح وبشكل جزئى فى اختراق طالبان وفرض سيطرته على عدد من المناطق المحدودة، وهو عمل ما فشلت فيه الولاياتالمتحدة فى تنفيذه من خلال حرب دارت أكثر من 14 عاما. وعلى الرغم من إعلان زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهرى فى تسجيل صوتى مبايعة التنظيم للزعيم الجديد لحركة طالبان أفغانستان ليحصل على إطار شرعى لهذا المنصب، فإن عددا من قيادات طالبان اعترض، بل وانسحب فى بعض الأحيان، بسبب اختيار الملا منصور، حيث أكدوا أنه لم يتم الأخذ برأيهم بشأن هذا القرار. ويتوقع عدد من المحللين أن تدفع وفاة زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا عمر بعدد كبير من تكفيريى المنطقة إلى أحضان تنظيم "داعش" الذى يرغب فى أن يبسط على أفغانستان "خلافته"، مثلما أعلن فى مناطق بالعراق وسوريا. ولعلنا نذكر هنا أنه منذ بداية يناير الماضي، أقسم عشرة من القادة السابقين لطالبان يمين الولاء بصورة جماعية لتنظيم داعش، الذين عينهم بعد ذلك أبو بكر البغدادى زعيم داعش فى منطقة خراسان التى تضم باكستانوأفغانستان، المهد التاريخى لطالبان والقاعدة. وفى يونيو الماضي، دارت مصادمات دامية بين طالبان وأعدائهم الإسلاميين الجدد "الداوعشى" فى جنوبأفغانستان، حيث زادت الولاياتالمتحدة من وتيرة الغارات القاتلة التى تشنها الطائرات دون طيار على القادة المحليين لتنظيم داعش. ويسعى تنظيم داعش فى الوقت الحالى إلى تأسيس معسكرات فى مناطق نفوذ طالبان لجذب المزيد من الأنصار، كما أن الاشتباكات بين الطرفين تتزايد. وقد أرسلت طالبان إلى أبى بكر البغدادى تطالبه بكف أنصار دولته "المزعومة" عن اختراق الحركة والدخول معها فى مواجهة، لأن ذلك يصب فى مصلحة المحتلين الأمريكان والحكومة المنتخبة غير الشرعية، من وجهة نظر طالبان طبعا. ومن جانبها، أكدت الولاياتالمتحدة فى أكثر من إطار أن المشهد فى أفغانستان بدأ فى التحول لصالح داعش بالفعل. فقد أعلن الجنرال ويلسون شوفنر المتحدث باسم التحالف الذى يقوده الولاياتالمتحدة فى أفغانستان أن داعش استغلت الموقف المتفكك لطالبان، وأن تحركاتها باتت ملحوظة بشكل كبير. وأضاف أنه على الرغم من عدم قدرة داعش على القيام بعمليات منسقة كالتى تقوم بها فى سوريا والعراق، فإنها تخطط لما هو أخطر. وقد لجأ مؤيدو داعش إلى الترويج فى الأيام القليلة الماضية للعديد من الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى لاتهام نائب الملا عمر، محمد منصور، بالكذب. ونقلت هذه المواقع عن أحد المتعصبين لداعش عبر تويتر قوله إن السبب الذى دفع طالبان إلى إخفاء موت عمر هو وقف المسلمين عن إعلان ولائهم لداعش، فيما نشر آخرون شائعات تفيد أن منصور سمم عمر وأغرقه فى النهر. وتعيش داعش حاليا حالة من الانتعاش فى أفغانستان، حيث تنفذ العديد من العمليات منذ إعلان وفاة الملا عمر، وهو ما يهدد عرش طالبان ووجودها فى هذا البلد. ويركز تنظيم داعش من خلال هجماته بشكل أساسى على استهداف مواقع لطالبان، لينتهى المشهد بحرب بين الطرفين، فى محاولة من داعش للتعدى والاستحواذ على الأراضى التابعة لطالبان. وعلى الرغم من أن داعش وطالبان ينتميان إلى المدرسة المتطرفة، فإن العداء بينهم بات واضحا، فجماعة طالبان ترفض وبشكل واضح التعاون مع داعش أو حتى استحسان ما تقوم به من جرائم إنسانية. ورغم أن حركة طالبان ينظر إليها على أنها تتبع أسلوبا متطرفا، فإن تنظيم "داعش" أظهر أسلوبا أكثر وحشية وتطرفا لدرجة أن حركة طالبان نفسها ترفض نهجه "المتطرف"! وهنا يؤكد المحلل السياسى الباكستانى أحمد القرشى أن التنظيمات المتشددة فى باكستانوأفغانستان رفضت تطرف داعش الزائد ونهجه، خاصة أن هذا التنظيم يحاول نشر فكره بالعنف فى تلك المنطقة، مبينا أنه حتى المدنيين الذى عانوا حروبا منذ أربعين عاما باتوا غير قابلين لدخول أى فكر متطرف آخر على بلادهم، فكيف إذا كان هذا الفكر أكثر تطرفا ممن سبقه. وفى هذا الإطار أيضا، يقول أحد مؤلفى كتاب "داعش .. دولة الإرهاب"، وهو جى إم بيرجر إن موت الملا عمر نحى جانبا مركز الجاذبية الأساسى فى الحركة الإسلامية الذى يتنافس مع داعش. وعلى الجانب الآخر، تستغل الولاياتالمتحدة حالة التمزق والصراع التى تشهدها أفغانستان فى الصراعات الدائرة بين طالبان وداعش من ناحية والحكومة وطالبان من الناحية الأخري، فقد حثت فى الآونة الأخيرة كلا من أفغانستانوباكستان على العمل معًا لمواجهة التطرف العنيف فى المنطقة، وأكدت على ضرورة "المصالحة العاجلة" فى البلدين للقضاء على الإرهاب الذى بات ينهش لحمها وعظامها. .. فهل تسقط أفغانستان بالفعل فى يد الدواعش كما حدث فى مناطق بالشرق الأوسط؟ وماذا سيكون موقف أمريكا وروسيا والقوى العالمية الأخرى فى حالة حدوث هذه الكارثة .. المتوقعة؟!