قناة السويس أو القنال كما نسميها فى خط القناة كانت دوما وستظل رمزاً شامخاً للإرادة الوطنية للمصريين وركيزة أساسية من ركائز الأمن القومى المصرى. وعلى مدى تاريخ مصر المعاصر والقريب امتزجت رمال القنال ومياهها بدماء المصريين وعرقهم منذ حفرت السواعد المصرية الفتية القناة الأولى منذ ما يزيد على قرن ونصف القرن وعلى مدى عشر سنوات ليقدم المصريون للعالم كله أهم شريان ملاحة بحرى فى العالم بعد أن قدموا للعالم قبل ذلك بآلاف السنين من خلال ملكة مصر العظيمة حتشبسوت ورحلاتها التجارية لبلاد بونت أول مفهوم للتجارة الدولية. وفى مثل هذه الأيام منذ ستة عقود استردت مصر قنالها بقرار قيادة وطنية استندت إلى ظهيرها الشعبى وخاضت حربها وحققت نصرها فأصبحت قناة السويس مرادفاً للاستقلال الوطنى وللعزة والكرامة للمصريين جميعاً ولأبناء خط القنال بصفة خاصة. فلقناة السويس مكانة خاصة لدى أبناء مدن القناة بورسعيد والإسماعيلية والسويس الذين خاضوا حروبها بعد قرار التأميم وقاوموا جميعاً شيوخاً ونساء وشباباً وأطفالاً العدوان الغاشم وقدموا أرواحهم وممتلكاتهم فداء لقناتهم ولوطنهم على مدى حروب عدة ومواجهات عديدة فنسجوا وشائج ارتباط أبدى بين القناة وبين حياة أبناء مدن القناة وتنميتها وأصبحت القناة وما يرتبط بها من مجالات تنموية واستثمار وتصنيع وتجارة وسياحة ولوجستيات تقود عملية التنمية الشاملة فى كل أنحاء البلاد. اليوم كمواطنة مصرية وكإبنة لمدينة بورسعيد الباسلة تفتحت مداركها فى سنوات الطفولة الأولى على وحشية العدوان الثلاثى عندما استعاد المصريون قناتهم،واشتد عودها هى وجيلها فى كل أنحاء البلاد وهم يتباهون بقصص وبطولات المقاومة الشعبية الجبارة لمدينة بكاملها وبشرف وضراوة الدفاع عن تراب مصر وعن قناتها وبعزيمة قهر المعتدى ثم حلاوة النصر وزهو العزة والكرامة والاستقلال الوطنى لتظل كل هذه المشاعر حاضرة فى أعماق الذاكرة تزداد رسوخاً فى المعنى والمغزى وفى تشكيل الوجدان ونسج رباط أبدى بين قناة السويس وأبناء مدنها بل والشعب المصرى كله. اليوم أشترك بشعور عميق بالفخار مع كل المصريين العاشقين لكل حبة رمل من أرض هذا الوطن بل أثق أيضاً أن كل عربى وعربية يشاركوننا مشاعر الافتخار والزهو الوطنى بتحقيق هذا الإنجاز التاريخى العملاق بحفر وتشغيل قناة السويس الجديدة، إنجاز حققه المصريون وحدهم بقرار قيادة وطنية ثاقبة الرؤية تثق فى قدرة وإمكانات المصريين، وبعقول وسواعد مصرية فتية وبأموال المصريين إنجاز المصريين وحدهم .. نعم وحدهم ودون غيرهم .. يحق للمصريين ومعهم كل من يشعر بصدق أن فرحة القناة فرحته وفرحة الوطن.فالشعب المصرى قادر على صنع المعجزات عندما يتولد لديه الأمل وتتوافر له القدوة والرؤية الصائبة والواضحة والجدية فى تحديد الهدف والإخلاص فى العمل بالالتزام والإصرار ووحدة الفريق وحسن المتابعة. هذه القناة الجديدة التى يشهد العالم معنا اليوم افتتاحها للملاحة البحرية والتجارة الدوليةوالتى لا يكاد العالم يصدق أن المصريين أنجزوا حفرها وتشغيلها فى 365 يوماً فقط وفى الوقت نفسه الذى يواجهون فيه إرهاباً جباناً وتحديات غير مسبوقة،اليوم عنوان الإعلام الدولى مصر المعجزات وهو الإعلام نفسه أو بعضه الذى كان طوال عام كامل يشكك فى قدرة المصريين على إنجاز المشروع وتمويله ذاتياً فكان رد المصريين حاسماً وبالغاً بالعمل والفعل.. هذه القناة الجديدة الرمز التى سيتوقف التاريخ أمامه طويلاً تقف اليوم شاهدة على قدرات العقل المصرى وعزيمة وإمكانات السواعد المصرية لتقول لكل مصرى ومصرية: مصر تستطيع عندما تريد وعندما تقرر وعندما تعمل وتتقن العمل وعندما تكون لها القيادة والقدوة. أثق أن هذا الإنجاز العملاق يؤشرلنهضة مصر الجديدة، النهضة التنموية الشاملة لإعادة الشخصية المصرية لبنائها الطبيعى وتكوينها الأصيل بإعادة بناء الإنسان المصرى ووضع المواطن على رأس الأولويات لأن مستقبل الوطن ونهضته وتعزيز الأمن القومى وصيانته فى ثروته البشرية وهو ما يتطلب حسن إعداد ابنائه وعياًوعلماً وتعليماً وصحة وثقافة بشقيها العام والمعرفى والدينى والأخلاقى والمسئولية هنا مشتركة بل واجبة على الدولة وكل مؤسساتها وأيضاً على الشعب المصرى بمختلف فئاته ولعل هذا هو التحدى القادم أمام مصر الدولة ومصر الشعب. إن المصريين الذين انتفضوا فى 03 يونيو 2013 واستجاب لهم جيشهم الوطنى الباسل وحمتهم شرطتهم الوطنية فاستعادوا الهوية المصرية الخالدة العصية على كل من يحاول تطويعها أو طمسها وانتفضوا لحماية وحدة التراب الوطنى ولاستعادة مصر للمصريين بثورة لم يشهدها التاريخ من قبل، نحن المصريين مطالبون اليوم بترسيخ خصائص هذه الهوية وإطلاق عبقرية الشخصية المصرية المتفردة عبقرية الوسطية كما لخصها عالم مصر العظيم جمال حمدان فى عبقرية الموقع وعبقرية الموضع وعبقرية الشخصية .. كلمات قليلة عظيمة المعنى عميقة المغزى وبالغة الدلالة فى معنى الهوية المصرية وأهمية وعى المصريين بما حباهم الله به من نعم كثيرة وإدراكهم لمغزى الروح فى الشخصية المصرية وكيفية تعظيم ذلك كله فى صون وحماية الأمن القومى المصرى بمفهومه الواسع الذى يضع البناء الصحيح للمواطن والبيئة المواتية للمجتمع على رأس أولوياته.. هذا هو التحدى التالى وشعاره ينبغى أن يكون المواطن أولاً والمصريون دائماً ما يتجلى انتماؤهم لوطنهم وتنطلق قدراتهم وتتعاظم إمكاناتهم فى مواجهة التحدى. اليوم مصر تقدم هدية أم الدنيا لكل الدنيا وبعد أن استعاد المصريون الوعى واستردوا هويتهم ممن أراد طمسها وأعادوا لوطنهم الروح وصانوا أمنه القومى اليوم يتولد أمل حقيقى فى دعوة كل مصرى ومصرية للتصميم والعزيمة والإصرار لتلبية نداء الوطن لبذل الجهد الصادق والعطاء المتجرد إلا من حب الوطن وتعزيزً أمنه وإعلاء شأنه، والتصميم والعزيمة والإصرار على إتقان العمل وإرساء القدوة، فدفة السفينة فى أيد أمينة وطنية صادقة ومخلصة تحتاج إلى جهد وعمل وعرق كل مواطن فى موقعه لنصل جميعاً بمصر الوطن الأغلى إلى ما تستحقه من مكانة بين الأمم، هذه الأمة العظيمة وهذا المارد الذى ينتفض حين يريد ويريد حين يتولد لديه الأمل واليوم تولد هذا الأمل على أرض صلبة وها هو شباب مصر الواعد والقادر يحمل مسئولية العمل والإنجاز جنباً إلى جنب مع خبرة من سبقوهم وحماس من يلونهم فى تواصل طبيعى علينا جميعاً الحفاظ عليه. المصريون أرادوا القناة الجديدة فاصطفوا خلف قيادتهم وحفروها بسواعدهم وأرادوها ملكاً خالصاً لهم فأبهروا العالم بتوفير تمويلها من أموالهم الخاصة فى أسبوع واحد وهو ما لم يسبقهم إليه أحد فى العالم وأرادوها إنجازاً تاريخياً وهاهم فى أقل من عام يشقون القناة الجديدة ويشغلونها فى حضور حشد دولى كبير من الأشقاء والأصدقاء. المصريون قيادة وشعباً يغيرون وجه مصر إلى الأفضل.. المصريون كعادتهم وعلى إمتداد حضارتهم يصنعون تاريخاً .. وكعادتهم أيضاً يتوقف التاريخ طويلاً أمام إنجازات هذا البلد العزيز الذى شهد تاريخه البعيد والحديث والمعاصر انتصارات وإنكسارات ومنحنيات تقدم وإزدهار وفترات تراجع ومعاناة وواجه المصريون على إمتداد تاريخهم مختلف أنواع الغزو والاحتلال والاستعمار المعلن والخفى والتدخل الخشن والناعم إلا أن أى نظرة فاحصة وموضوعية على مدى هذا التاريخ من شأنها أن تنتبه إلى حقيقة ساطعة لا يزيدها مرور الزمن ومواجهة المحن إلا رسوخاً وعمقاً وبريقاً وهى أن هذه الأمة العظيمة الخالدة نتاج أول وأقدم حضارة فى التاريخ تثبت دوماً وفى كل محاولات الاستهداف لأمنها القومى ولسيادتها ولإستقلالها الوطنى سواء كانت هذه المحاولات دولية أو إقليمية أو حتى أحياناً داخلية، تثبت أن لمصر والمصريين قدرة مذهلة على التماسك القومى الثابت الذى تنكسر أمامه كل هذه المحاولات أياً كان مصدرها.. المصريون كعادتهم أيضاً يؤكدون ما ترسخ فى عمق تاريخهم بأن مصر هى الدولة التى استطاعت على مدى آلاف السنين أن تحقق هذا التماسك وهى اليوم تثبت أنها قادرة على تعبئة قدراتها وإطلاق عقولها وتحقيق الاستخدام الأمثل لمواردها سواء كان ذلك فى سيناء مصر أو خط قناتها أو دلتاها أو جنوب واديها وصعيدها أو صحرائها ذات الثروات الدفينة شرقاً وغرباً وجنوباً. إفتتاح قناة السويس الجديدة اليوم وما سبق من نجاح التشغيل التجريبى للقناة الجديدة التى أنجزها المصريون بسواعدهم وأموالهم الوطنية الخالصة فى الموعد الذى حددته القيادة السياسية فى احتفال تدشين العمل فى هذا المشروع القومى العملاق فى 5 أغسطس 2014 يقدم للمصريين بل للعالم أجمع دليلاً ساطعاً على القدرة المصرية على الإنجاز عندما تتوافر القيادة الوطنية الصادقة والرؤية الواضحة والإيمان بالهدف ووحدة فريق العمل وفاعلية أدوات التنفيذ والقدرة على التنسيق وجدية المتابعة وأمام ذلك كله وخلفه وإلى جانبه إرادة شعبية صلبة واثقة فى قيادتها وفى مؤسساتها الوطنية وفى إمكانات وقدرات المصريين. من حق المصريين اليوم أن ينعموا بسعادة الإنجاز، فالإنجاز متعة حقيقية يتنسمها اليوم كل مصرى ومصرية من الشرفاء الذين يدركون قيمة هذا الوطن، والإنجاز انتصار على كل التحديات والمعوقات، ومن حق المصريين بل من واجبهم وهم يرون العالم يوجه انتباهه صوب أحفاد الفراعنة وهو يكاد لا يصدق أن قناة السويس الجديدة أصبحت حقيقة فى زمن قياسى وفى ظروف داخلية وإقليمية ودولية أقل ما توصف بها أنها غير مواتية أن يتوقفوا ويتمعنوا فى مغزى ومعنى ودلالة حكاية قناة السويس حكاية أمل يتولد وبقوة لدى كل مصرى ومصرية فى حاضر واعد ومستقبل مشرق للوطن .. حكاية الثقة فى النفس والثقة فى القيادة الجديرة بهذه الثقة والتى عندما وعدت أوفت وحكاية القدرة على العمل والإنجاز عندما يريد المصريون ويقررون ويعملون ويتقنون العمل ويحسنون الإدارة والتنسيق والمتابعة على مختلف المستويات. من واجبنا جميعاً الإمساك بقيمة الحدث وأهمية اللحظة وما تولد عنها من زخم فلتكن سعادة الإنجاز هذه دافعاً للمصريين للمضى قدماً نحو بناء مصر الجديدة. وأخيراً تبقى التحية الواجبة ومن القلب لكل من أسهم فى إطلاق الأمل بالفكر والرؤية والعمل والتنفيذ لكل من بذل العرق والجهد، تحية تقدير وافتخار لشعب مصر العظيم صانع ومالك وممول هذا الإنجاز العملاق، تحية لك يامصر يا أغلى اسم وأعظم معنى فى الوجود وأنت تُجسدين اليوم قول شاعر النيل حافظ إبراهيم حيث يقف الخلق ينظرون كيف تبنين قواعد المجد ..من جديد... ودوماً فلتحيا مصر. لمزيد من مقالات د. فايزة أبو النجا