طلاب حلوان يشاركون في ورشة عمل بأكاديمية الشرطة    بالصور.. أقباط بورسعيد يؤدون قداس "أحد السعف" بجميع الكنائس    اليوم.. «اقتصادية النواب» تناقش موازنة وزارة التموين للعام المالي 2024-2025    وزيرة التخطيط: مصر تستهدف 100 مليار دولار صادرات سنوية قبل 2030    استقرار أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في بداية تعاملات اليوم    "اتصال" و"رجال الأعمال المصريين" يطلقان شراكة جديدة مع مؤسسات هندية لتعزيز التعاون في تكنولوجيا المعلومات    قبل تطبيق اللائحة التنفيذية.. تعرف على شروط التصالح في مخالفات البناء    صندوق النقد: ندعم مصر فيما تتخذه من إجراءات تستهدف الإصلاح الهيكلي للاقتصاد    إيران تكشف عن طائرة مسيرة جديدة من طراز كاميكازي    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 15 فلسطينيا من الضفة الغربية    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    محمود عباس يحذر: اجتياح رفح سيُؤدي لأكبر كارثة في تاريخ الفلسطينيين    صلاح: على لاعبي الزمالك التفكير في الجماهير أمام دريمز    نجم الأهلي: أكرم توفيق انقذ كولر لهذا السبب    أجبونلاهور: كلوب لم يحترم صلاح في مباراة وست هام    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    سقوط 8 تجار مخدرات خلال حملات في الجيزة وقنا    الداخلية: ضبط 186 سلاحا ناريا و332 كيلو مخدرات خلال يوم    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    الخميس.. انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية بمشاركة 76 فيلما    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    دور الصناعات الثقافية والإبداعية في دعم الاقتصاد.. أولى جلسات مؤتمر النشر بأبوظبي    الصحة: خدمات طبية لمليون مواطن ضمن برنامج «رعاية كبار السن»    وزير الصحة: «العاصمة الإدارية» أول مستشفى يشهد تطبيق الخدمات الصحية من الجيل الرابع    إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويصيب 33 آخرين في «قوانجتشو» الصينية    الكرملين: تزايد قلق القوات الأوكرانية على خطوط الجبهة    الأزهر للفتوى الإلكترونية: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة أمر محرام    ضبط وإعدام 1.25 طن من الأغذية غير المطابقة للمواصفات    ننشر أسماء 11 من ضحايا حادث الدقهلية المروع- صور    بعد قليل، بدء محاكمة المتهمين في نشر أخبار كاذبة بواقعة طالبة جامعة العريش    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    ارتفاع طفيف للبورصة مع بداية تعاملات اليوم الأحد    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    أمطار رعدية وبرودة ليلا.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم حتى نهاية الأسبوع (تفاصيل)    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    الإسباني "تكبير".. جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    توافد الأقباط على الكنائس للاحتفال بأحد الزعف في المنوفية.. صور    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    لعدم الإحالة إلى لنيابة.. ماذا طلبت التموين من أصحاب المخابز السياحة؟    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    أمير هشام يفجر مفاجأة بشأن احتفال محمد عبدالمنعم المثير للجدل    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التخطيط طريق المستقبل..
لابد أن يكون ثقافة متغلغلة فى كل وزرارات وأجهزة الدولةوليس مهمة "وزارة" وحدها

الدول المتطلعة للنمو بالغرب والشرق لم تترك اقتصادها للعوامل التلقائية و لا المصالح الفردية وقامت بمواجهة التخلف الاقتصادي وأخذت بأسلوب التخطيط وجعلته الخطوة الأولي فى تنسيق وتنفيذ المشاريع الاقتصادية
مما مكنها من التقدم الاقتصادى ومن أبرز تلك الدول مجموعة دول النمور الآسيوية «بجنوب شرق آسيا» والتى حصدت التفوق الاقتصادى الضخم وقفزت إلى درجات مرتفعة فى قائمة الدول الأسرع تقدما وتطورا خلال فترة زمنية قصيرة، لم يؤثر عليها كثيرا تداعيات الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 وظلت دول النمور الآسيوية محافظة على مستوى دخل عال ومعدل نمو اقتصادى ثابت، حتى مع الأزمة المالية فى أمريكا وأوروبا، ومع أن الوعى للتخطيط فى مصر بدأ مبكرا منذ أكثر من 60 عاما ببداية الخمسينيات وأتى ثماره حينها وأحدث نهضة صناعية وتم تخصيص لجان له ضمت كوادر وخبراء مصريين ودوليين بهذا المجال وأنشئ معهد التخطيط القومى وزارة التخطيط فى أوائل الستينات لتكون أعمدة راسخة لاستكمال العمل وفق مبادئ علمية ثابتة ، ولكن فجأة تغير المنهج والنظام الاقتصادى فى السبعينات وتخلف وضعنا بمراحل عن الدول التى بدأت معنا العمل للتنمية و أحرزت تقدما ونهضة حضارية مبهرة بينما نحن نسير طوال هذه السنوات الطويلة من تعثر لتعثر ، وللوقوف على أسباب التعثر والمعوقات التى تعترض التنمية والتخطيط الشامل فى مصر وسبل ووسائل المرور بالبلد نحو التقدم والرقى أسوة بالدول التى تمكنت من التقدم والوقوف على نماذج من تجاربها كان هذا الملف».

وفى البداية يؤكد الدكتور عبد الحميد القصاص مدير معهد التخطيط القومى أن المعهد القومى للتخطيط أنشأه الدكتور إبراهيم حلمى عبد الرحمن عام 1960 و هو خبير دولى فى التخطيط ومؤسس اليونيدو «منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية» ومؤسس العديد من الجهات البحثية فى مصر «كأكاديمية البحث العلمى وهيئة الطاقة الذرية والمركز القومى للبحوث»، فالمعهد القومى للتخطيط فى فترة الستينيات والسبعينيات كان يعتبر رقم واحد والأول فى مجال التخطيط والتنمية فى مصر، وشارك فى أول خطة عام 1959 1960 و التى أشرف عليها الدكتور إبراهيم حلمى ، وأنشأ حينها اللجنة القومية للتخطيط وكانت أول لجنة تشكل لهذا التخصص وقامت بدور كبير جدا ، ولكن بعد تلك الفترة بدأ دوره يتقلص.
القانون الجديد ومزاياه
ويقول القصاص إننا بعد 55عاما بدأنا تحديث المعهد من الناحية المؤسسية والذى بدأ ت بصدور القانون الجديد للمعهد رقم 13 لسنة 2015 وبوضع إستراتيجية عمل للسنوات الخمس المقبلة.فأهم مزايا القانون هو اعتبار المعهد هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تمارس نشاطاً علمياً وهذا يعطى حقا للهيئة أن تدلى برأيها ولا تتبع جهة معينة ورئيس مجلس إدارتها وزير التخطيط وهذا أفضل من الوضع السابق حيث كان المعهد جهة تابعة لوزارة التخطيط « وهذا من أمر شأنه أن يعطى المعهد مزيد من الحرية فى إبداء الرأي ، كما أن المعهد يحوى مراكز علمية ذات تخصصات مختلفة سواء كانت دراسات فى الاستثمار أو التنمية البشرية وغيرها من التخصصات كما أن القانون الجديد به مرونة فى مواده تسمح بالتطوير والتوسيع مستقبلا بإنشاء مراكز وأقسام علمية جديدة وفروع بالمحافظات ومنح درجات علمية جديدة، والمعهد يتركز نشاطه الأصلى فى إعداد البحوث والدراسات فى مجال التخطيط والتنمية، والقانون الجديد سيتيح للمعهد تنويع أنشطته وتوسيع أغراضه فى هذا المجال (كإجراء البحوث والدراسات وإعداد الكوادر التخطيطية ومنح الدرجات العلمية وعقد مؤتمرات وندوات علمية وإصدار ونشر البحوث والدراسات وتأليف الكتب ذات الصلة بأغراض المعهد وإبداء الرأى فى مشروعات القوانين الخاصة بالتخطيط والتنمية والمساعدة فى نشر ثقافة التخطيط والتنمية وتقديم الاستشارات العلمية.
وعن مدى اختصاص المعهد بوضع الخطط وقيادة التنمية أوضح القصاص أن هناك النموذج الكورى نسعى لتكراره ، وهى تجربة مهمة جدا ولابد أن نستفيد منها فالمعهد له تعاون علمى مع جهات دولية من بينها المعهد الكورى للتنمية وهو معهد دولى يقود التنمية فى كوريا وهذه نقطة مهمة يجب أن نركز عليها ويحفزنا لتفعيل تلك التجربة لدينا، فهذا المعهد هو من يقود وزارة التخطيط والجهات التخطيطية ويقوم باختيار المشروعات الجديدة وأولويات الاستثمار ويبلغ وزارة التخطيط بالتنفيذ وهذا عكس ما كان يحدث لدينا من قبل فى ظل حالة الانفصام بين الجهات ، ولأهمية ذلك النموذج عقدنا اتفاقية مع المعهد الكورى للاستفادة من التجربة فى مجال التخطيط والتنمية .
واستطرد قائلا المفترض أن يكون هناك تكامل بين معهد التخطيط ووزارة التخطيط ، ولكن بحكم القانون التخطيط هو من طبيعة عمل وزارة التخطيط وهى المنوط بها إعداد الخطة القومية للدولة والمعهد ليس لديه سلطة بعمل هذا أو ذاك والقانون لم يحدد لنا ذلك وفى كل الأحوال نحن مركز بحثى وليس جهة تنفيذية و يشترك بطريقة غير مباشرة، ويوجد بوزارة التخطيط أساتذة متخصصون يساهمون فى وضع الخطط كما تستعين الوزارة بأساتذة من المعهد، وفى حالة تكليف الدولة للمعهد بمهمة معينة فسننفذها بالطبع.
سر نجاح دول النمور الآسيوية
يرى القصاص أن سر النجاح فى تلك الدول يعود لوجود نظام عمل ملزم ومحدد بالإضافة إلى الالتزام بتطبيق القانون على الكبير والصغير وبكل بنوده وأداء الحقوق والواجبات على الدولة والمواطن وهو الأمر مختلف فى مصر لأنها بلد فقير وتعانى مشاكل كثيرة جدا ومتنوعة ومعوقات كثيرة تواجه التنمية وليس هناك منظومة عمل موحدة ولا توجد روح عمل الفريق مع شعور الكثيرين بعدم تحقيق العدالة الاجتماعية بين الفئات المختلفة من المواطنين.
ويضيف إن المعهد، بالإضافة إلى أنشطته الرئيسية إجراء البحوث والدراسات فمن بين إصدارات المعهد المجلة المصرية للتنمية والتخطيط وتحوى بحوثا أعدها أساتذة من داخل وخارج المعهد، بالإضافة إلى سلسلة «قضايا بحوث تخطيط التنمية» والتى يعدها المعهد والتدريب ودراسات عليا وماجستير واستشارات علمية هذا بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات، ومن بين منتجات المعهد الخطة القومية، ودراسات للكوادر التخطيطية فى المحافظات، ووزارة التخطيط أعدت خطة إستراتيجية « 2015-2030» وتستفيد من المعهد فى مجال الدراسات والاستشارات وتشارك كوادر من المعهد فى إعداد تلك الخطة.
ويشير القصاص إلى أن البحوث التى نعدها كانت للعرض فقط ، فالمعهد كمؤسسة بحثية له خطة وميزانية محددة من الدولة ونقوم بعمل البحوث ونشرها، والجهات لها حرية الاستفادة منها أو لا تستفيد ولم يكن هناك أحد يهتم بقراءة تلك البحوث ولا التوصيات التى خرجت بها وهذه مشكلة مصر فى كل مراكز البحوث أن أبحاثها لا تتم بناء على طلب من الجهات لتنفيذها ، فعلى سبيل المثال لدينا إصدار مهم تحت إشراف الدكتور إبراهيم العيسوى يسمى «سلسلة كراسات السياسات» وهو مجهود يستحق أن يكون أمام متخذى القرار لتنفيذها ،ونحن نحاول خلال الفترة المقبلة من خلال ورشة للبحوث فى 2015-2016 أن نغير من الوضع وعدم الاكتفاء بإعداد البحوث للعرض كما كان متبعا طوال الفترات السابقة وسندعو الجهات المستفيدة لنعرض عليهم الأبحاث التى نعدها ونطلع على مدى استفادتهم والاطلاع على اقتراحاتهم.
ويجيب القصاص عن تساؤلنا عن أسباب عدم التزام أى من الحكومات السابقة بخطة ما ودائما ما نبدأ من أول السطر، لا نسير بنهج الدول المتقدمة فى ذلك المجال، قائلا: إن هذا ما تقوم به وزارة التخطيط حاليا والذى بدأ الجميع يتحدثون عنه وهو تخطيط استراتيجى بخطة طويلة الأمد وتسمى ب «رؤية التنمية المستدامة لمصر خلال 15 عاما»، ونحن كمعهد ومركز بحثى قمنا بوضع خطة إستراتيجية والتى من خلالها مجالات مساهمة المعهد وأنشطته ، كما أن المشاكل الموجودة ليست جديدة وهناك كثير من الدراسات بشأنها ، فمشكلة البطالة موجودة من عهد عبد الناصر وكذلك مشكلة عجز الميزان التجارى والمشاكل الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ومشكلة عدم الاهتمام بالتخطيط الإقليمى ووجود محافظات فقيرة جدا ومشكلة العشوائيات والمدن الجديدة ،فالرئيس السادات أنشأ مدينة السادات ليضع فيها كل الوزارات وأقام مساكن للمواطنين ولكنهم رفضوا السكن فيها ، كما أقام مدن القاهرة الجديدة ومدينة السلام والعاشر من رمضان ليخفف الضغط عن العاصمة ولكن للأسف هناك مشروعات منها كانت تنفذ دون تخطيط مسبق لها أو الوقوف على الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولهذا لم يتم توفير خدمات ومرافق للمواطنين.
وفى جوابه على تساؤلنا بأن الدراسات والأبحاث بالمعهد تبدو اجتهادات شخصية من قبل الباحثين، فلماذا لا يتم العمل فى إطار جماعى بمختلف التخصصات لوضع خطط شاملة تعرض على متخذى القرار؟
قال يجب الانتباه لنقطة مهمة أن أغراض المعهد وفق القانون النهوض بالبحوث والدراسات وإعداد الخطط الشاملة ورغم هذا لسنا من نقوم بإعداد الخطة نفسها. والمشكلة فى مصر هو صعوبة النظر للأمور كمنظومة متكاملة والعمل كفريق عمل كامل ومع ذلك من الممكن أن نبدأ في الفترة المقبلة التفكير فى عمل تلك الخطط الشاملة ، ولكننا الآن ندرس جزئيات كالبعد الاجتماعى أو الاقتصادى والإقليمي بمجال التخطيط والتنمية.
وعن رؤية وتقييم القصاص من واقع خبرته كعالم تخطيط فى مسار العمل نحو التنمية فى مصر بهذه الآونة أوضح قائلا إن من وجهة نظرى الشخصية وليست المتخصصة أن المشاكل عديدة ومتشابكة فبعد مرورنا بثورة 25 يناير حدث تدهور كبير جدا بالاقتصاد لأن التنمية مرتبطة بالأمن وجذب الاستثمار خاصة أننا بلد محدود الموارد بالإضافة لتوقف حركة السياحة فى الوقت الذى نواجه فيه مشاكل مزمنة كالبطالة وعجز الموازنة والتضخم وكل الموارد المتاحة لدينا موارد بشرية من الممكن أن نستفيد منها داخل مصر أو خارجها ، فالتنمية الصحيحة للبلد باستغلالنا لثروتنا من الموارد البشرية وبناء كوادر منها لن تتأتى إلا من خلال التعليم والذى يواجه مشكلة كبيرة أيضا ، وحل كل تلك المشاكل يجب أن يتم على المدى القصير والطويل، والدولة كل مجهودها على المدى الطويل ولا أتوقع أن تأتى نتيجته بعد شهر أو شهرين فهذا ليس أمرا سحريا ، وعلى سبيل المثال مصر نظمت مؤتمرا اقتصاديا ناجحا جدا ولكن أثاره لن تتأتى بعد أسبوع أو شهر من انعقاده، فالمؤتمر يهدف للترويج للاستثمار وإجراء التعاقدات وإنشاء شركات وفتح مصانع جديدة توفر فرص عمل للمواطنين وتنتج ويصدر إنتاجها ، فالمشاكل كثيرة جدا ومتشابكة والمعضلة هى من أين نبدأ فاختيار «الأولويات « أمر هام ، وأرى أن الدولة تقوم بمجهود كبير جدا ، وبالفعل هناك خطة إطار لعملها تتناول المستقبل،ولكن هناك مشاكل يومية تطرأ فجأة ولا نعرف الآثار المباشرة وغير المباشرة لها.
ولمزيد من التوضيح سألناه ،أليس من المفترض أن معدى الخطة يقفون جيدا على كل ظروف البلد ومشاكلها وبالتالى يضعون لها أسانيد التعامل مع كل موقف محتمل؟
فقال: الدولة كان بها خطط خمسيه فى الفترات السابقة كالتى وضعت فى عهد حكومة الدكتور كمال الجنزورى وكان مديرا للمعهد أيضا ووزيرا للتخطيط لفترات طويلة ،ووزارة التخطيط حاليا أعدت خططا سنوية وأخرى تنشيطية بثلاث سنوات لأننا لا يمكننا الانتظار خمس سنوات هذا كله بجانب الخطة طويلة الأمد والقصيرة ،كما أن التخطيط المفترض له أن تقوده المجموعة الاقتصادية .
وعن الدول كانت تواجه نفس مشاكلنا وتمكنت من الخروج من عثرتها وما السبل التى اتخذتها لتنجح، أوضح القصاص أن هناك تجارب عديدة، فالتخطيط عبارة عن موارد وأهداف ولكى نصل لها ندخل فى مسارات وسيناريوهات مختلفة، فاختيار الأهداف فى ظل الموارد المتاحة هو بيت القصيد، فدولة مثل ماليزيا فى عهد مهاتير محمد كان لها هدف واحد هو تطوير التعليم وتم وضعه كهدف استراتيجى وجعل الدولة كلها تعمل فى هذا الاتجاه، ومصر لديها مشاكل كثيرة جدا والعنصر المتوفر لديها هو العنصر البشرى والمشكلة أنه يتم تخريج ذوى مؤهلات بجودة منخفضة لا تناسب العرض والطلب بسوق العمل وكل من الجانبين يسير فى واد مختلف عن الآخر، ونحن فى حاجة لتطوير التعليم بحيث تكون المخرجات مناسبة لسوق العمل سواء فى الداخل والخارج ، وكثير من الدراسات انتهت إلى أن تنمية مصر لن تتم بدون تطوير التعليم وهذا هو المدخل الواجب البدء به.
أما الدكتور إبراهيم العيسوى الخبير الاقتصادى ومستشار معهد التخطيط القومى فيذكر أن التخطيط فى مصر مر بمراحل، وقد بدأ الوعى بضرورة وأهمية التخطيط وتشكيل لجان له مع إدراك رجال ثورة يوليو 1952 أن الأمور يجب ألا تترك للصدفة ،حيث وقفوا على حقيقة عدم قدرة القطاع الخاص على النهوض بعملية التنمية ولا سبيل سوى بتدخل قوى من جانب الدولة لدفع مسيرة التنمية، وشهد التخطيط نهضة ملحوظة من منتصف الخمسينيات حتى منتصف الستينيات، وفى ذلك الوقت بدأت بعض المحاولات لتخطيط جزئى بواسطة المجلس القومى للإنتاج أو الخدمات، ثم تحول الاهتمام بعد ذلك إلى ما عرف ببرنامج التصنيع الأول فى أواخر الخمسينيات لإدراكهم أن التنمية تحتاج لحركة تصنيع كبيرة ، لأنه برغم المحفزات التى قدمت حينها للقطاع الخاص المحلى والأجنبى إلا انه لم يستجيب للقيام بمشروعات صناعية ضخمة ، ولذا اتجهت الدولة للتفكير فى التصنيع من خلال برنامج التصنيع الأول والثانى ثم استقر الأمر فى النهاية على ضرورة وجود خطة قومية شاملة، وبدأ مفهوم التخطيط القومى يظهر ،
ويضيف قائلا إن هذه التحولات لم تنشأ منعزلة فى فراغ بل كان يرافقها عمليات نهوض قومى تمثل فى الانتصار على العدوان الثلاثى 1956 والشعور بالعزة الوطنية ، وإدراك أن الاستقلال السياسى لابد أن يؤازره استقلال اقتصادى بعمليات البناء التدريجى للقطاع العام والذى ابتدأ بتمصير بعض المشروعات ، وتأميم للبعض الأخر وتلاها حركة التأميم الكبرى فى أوائل الستينيات بالتوازى مع محاولة بناء قدرة اقتصادية مملوكة للدولة وللشعب والتى نطلق عليها الآن «القطاع العام» وثمار ذلك تتضح من نجاح أول خطة تنمية ممثلة فى الخطة ألخمسية الأولى للتنمية والتى حققت معدلات نمو مرموقة مع توزيع معقول للدخل وأقامت نهضة صناعية كبرى نعيش على ثمارها حتى الآن على الرغم من الخصخصة وكل الأشياء التى حدثت بعد ذلك.
ركائز التخطيط
ويرى العيسوى أن القطاع العام يعد الركيزة القوية لنجاح التخطيط ويمثل أداة الدولة لتنفيذ ما تراه مناسبا من مشروعات ويمثل عجلة القيادة التى تحرك بها الدولة مسيرة التنمية ، فالتلازم بين قطاع عام قوى ونجاح التخطيط أمر مهم رغم ما يحتاجه من متطلبات أخري، ويستطرد قائلا إن هذا لا يعنى عدم جدوى القطاع الخاص بالعكس منذ أوائل الخمسينيات الدولة حاولت استقطاب القطاع الخاص المحلى والأجنبى وأقيمت مشروعات مشتركة وطرحت أسهمها للمواطنين لشرائها بجانب مساهمة الدولة وبالنسبة للاستثمار الأجنبى سمح لهم بامتلاك 51% من قيمة المشروع ومع ذلك لم يكن هناك إقبال يذكر من جانب الاستثمار المحلى أو الأجنبى وهذا يعود لضعف قدرات الاستثمار الخاص المصرى عموما ،ولا يعود لفكرة تدخل الدولة من البداية وكانت هناك مرونة وسط رغبة فى وجود اقتصاد مختلط من قطاع عام وخاص.
وعن المتطلبات الواجب توافرها لنجاح التخطيط يقول إن وجود قطاع عام قوى أمر ضرورى و لابد من توافر جوانب وشروط فنية كفء تدعمه بكوادر فنية ومؤهلة تدرك معنى التخطيط وتجيد استخدام أساليبه سواء من الداخل أو الاستعانة بخبراء من الخارج وهذا ما حدث فى الستينات بالإضافة إلى توافر إمكانات مادية وفنية من ناحية الحساب الكمى « فلم تكن مصادفة دخول أول جهاز كمبيوتر فى مصر بمعهد التخطيط القومى بغرض خدمة عمليات التخطيط التى تقوم الدولة بها وإجراء الحسابات المعقدة التى لم تعد تجدى الآلات الحاسبة نفعا حينها ، هذا كله يضاف إلية ضرورة توافر قاعدة معلومات دقيقة وشاملة عن الاقتصاد القومى لان التخطيط يحتاج لمعلومات عن أهم ما يجرى فى الاقتصاد وإذا لم تكن هناك أجهزة تخطيط تجمع معلومات وتجهزها وتخرجها فى صورة قابلة للاستخدام فسنواجه صعوبة شديدة فى الإعداد للتخطيط.
وعن موطن الخلل ومعوقات استكمال مسيرة التخطيط بالستينيات قال إن هناك أسباب كثيرة أحدها يعود لاختلاف الظروف وتعرض مصر لمواقف لم تتعرض لها الهند أو كوريا، على الرغم من أنهما كانتا فى وضع أسوأ منا ، وكذلك الدول التى تعرف بالنمور الآسيوية، وهى دول عاشت ظروفا مختلفة عن مصر، واحتضنها الغرب واعتبر تلك الدول جزءا من معركته مع المعسكر الشرقى «الاتحاد السوفيتي» والقوى الاشتراكية الموجودة فى ذلك الوقت ولذا سعى المعسكر الغربى لتنمية كوريا وتايوان وسنغافورة وغيرها من الدول بهدف تقديم نافذة لكيفية نجاح الرأسمالية على الرغم من أن تلك الدول رأسمالية خالصة وكان للدولة دور مهم وأساسى فى التنمية وانجاز الإصلاح الزراعى على سبيل المثال والذى تمت مقاومته فى مصر ، أما نحن فتلقينا ضربة قاصمة فى حرب 67 والتى لم تكن مجرد هزيمة عسكرية بل كانت موجهة بالأساس للمشروع المصرى بغية آلا تكون مصر قوية فى المنطقة ،لان ذلك كان مضادا للقوى الغربية المسيطرة ، فعبد الناصر كانت أهدافه القومية العربية والاستقلال الوطنى ومحاربة الاستعمار الأجنبى الذى لم يشأ أن يتركوه لتنفيذ هذا ، ووجهت له الضربات ، هذا بالإضافة إلى أن التجربة لم تكن محمية بالمشاركة الشعبية أو الديمقراطية بما تمثله من وسيلة للرقابة والتحكم فى الفساد وهذه من نواقص التجربة فمع أن عبد الناصر أقام مشروعات قوية وكبيرة جدا إلا أن الديمقراطية والمشاركة كانت غائبة مما سمح لتغلغل الفساد والكسب الطفيلى فى هذه الفترة المبكرة
وفى رده على سؤالنا له: إذا كانت هذه نواقص تجربة التخطيط بعهد عبد الناصر؟ فماذا عن الفترات اللاحقة؟
أجاب قائلا إن التخطيط مر بمراحل ولم تكن هناك فترة متطابقة أو متشابهة مع الأخرى ففى عهد عبد الناصر كان هناك فهم كبير لأهمية التخطيط ،والتحول جاء مع الانفتاح بعهد السادات عام 1974 عندما صدر قانون تشجيع الاستثمار الأجنبى والذى «نسميه جوازا قانون الانفتاح «وبه تغيرت الفلسفة الاقتصادية تماما والركائز التى ذكرناها من قبل لنجاح التخطيط هدمت واحدة تلو الأخرى ،وبدأ الحديث على أن القطاع الخاص واقتصاد السوق الحرة والانفتاح على الاقتصاديات الأخرى و «بالتحديد اقتصاديات الدول الصناعية المتقدمة» هو الأساس وليس دور الدولة ، وترتب على هذا إهمال للتخطيط ولدوره وتقصير فى توفير الإمكانات البشرية أو المادية والفنية وأصبح التخطيط يتعامل معه على أنه من مخلفات الماضى وليس علينا سوى الاتجاه نحو الاقتصاد الحر والأجنبى والمحلى والمهمة تقع عليهم فقط ، وتغير الفلسفة الاقتصادية أصاب التخطيط فى مقتل وبالذات عندما تراكم هذا الاتجاه على مدار أربعين عاما منذ السبعينيات حتى وقتنا هذا.
وحول كيفية أن يصبح التخطيط للدولة من الثوابت لا يتغير بتغير الحاكم أسوة بما يحدث فى الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية؟ قال: إن فى أمريكا القوى المهيمنة والمسيطرة فى الاقتصاد الأمريكى هى من فرضت النظام الرأسمالي، فالأحزاب الرئيسية سواء الجمهورى أو الديمقراطى يلعبون بنفس الملعب وبالتسليم بنظام الاقتصاد الرأسمالى الحر لحد كبير ولا أحد يتحدث عن تغيير أعمدة الاقتصاد، وهو الأمر الذى لا يعنى غياب دور الدولة ولكن تتوافر الحرية بدرجة عالية وبالتالى الفروق فى السياسات بسيطة جدا، أما فى مصر عندما تغير ميزان القوى ونشطت قوى رأسمالية من جديد ومنها الرأسمالية الطفيلية ،بالإضافة إلى القوى التى نمت من بطن القطاع العام واستفادت منه «حتى فى ظل الفترة الناصرية» والتى كانت مشاريعها تنفذ عبر قطاعى المقاولات وتجارة الجملة وهما سبب الصداع للتخطيط لعدم التمكن من السيطرة عليهم ، ومن خلال هذا حقق هؤلاء مكاسب وكونوا ثروات كبيرة جدا وبدأ بهم الانفتاح الاقتصادى وفرضوا قوتهم ،فالمصالح والصراعات بين القوى الاقتصادية والقوى الاجتماعية الذى يفرض طبيعة النظام الاقتصادى وتحدد استمراره من عدمه، فالتحول لم يأت صدفة أو ولد بناء عن فكرة طارئة بعقل السادات،بل كانت هناك قوى اجتماعية واقتصادية ساندته نحو هذا التحول فقد كان أكبر حليف للسادات عثمان أحمد عثمان «رجل المقاولات» وسيد مرعى من الأسر الغنية القديمة بالإضافة إلى النخب الجديدة التى تكونت من رجال الأعمال العائدين من دول الخليج والذين هاجروا فترة عبد الناصر وكونوا بعض الثروات هناك ، وظهرت طبقة جديدة ترغب فى العمل وضربت الاتجاهات المساندة للاشتراكية. فتحول النظام الاقتصادى بعهد السادات لم يجد من المقاومة من القوى الاشتراكية ما يكفى لصده ووقفه وحدثت النقلة ،فما زرعه السادات بأوائل السبعينيات تحت مسمى الانفتاح هو الخط الذى سرنا عليه حتى الآن،وآزرته القوى الغربية «صندوق النقد والبنك الدولى « بجانب مساندة القوى الداخلية وحلفائنا من العرب، وجميعهم كانوا مبتهجين بهذا التحول لان الأجهزة المالية والفكرية التى يعتمد عليها النظام الرأسمالى العالمى فى توسيع نفوذه بالعالم ولهذا يتبنون سياسات الاقتصاد الحر ويدفعون فى هذا الاتجاه لأنه يصب فى اتجاه مصالحها ويفتح أسواقا جديدة لمنتجاتها بغض النظر عن مدى عائد الفائدة على مصر من عدمه وأدخلتنا تلك الأجهزة فى برامج التثبيت والتكيف والتعديل الهيكلى والتى تسمى حاليا «الليبرالية الاقتصادية الجديدة».
وعن مكان التخطيط الشامل للبلد وسط كل هذه الصراعات؟
قال: إن هذه التحولات أصابت التخطيط فى مقتل، فهناك فارق بين العمل مع اقتصاد مستقر ووضعه ثابت وبين أن تكون الدولة هى الموجهة للتخطيط خاصة عندما نتحدث عن اقتصاد فى حالة تخلف ويحتاج إلى عملية تنمية.
ويقول العيسوى بتأثر شديد للأسف نحن لم نخرج من مشكلة التخلف الاقتصادى ولا مشكلة التبعية،و مازلنا ندور فى هذا الفلك فالفلسفة التى وضعها السادات بتعديلات هامشية هى الفلسفة الرئيسية التى تطبق للآن ، ولم تتغير سواء طوال عهد مبارك أو بعد ثورة 25 يناير فى وقت حكم المجلس العسكرى أو حكم الإخوان ، وهذه الفلسفة مازالت سارية بنظام الاقتصاد الحر المفتوح والاعتماد على القطاع الخاص على أنه الأمل الذى سيخرج البلاد من التخلف دون التفكير فى التبعية للغرب وحلفائه من دول الخليج ،ويزيد على ذلك العشوائية والارتجالية فى اتخاذ القرارات، والخلل فى تحديد الأولويات، دون وضع دراسات جدوى مسبقة للمشروعات، وللأسف هذه المشروعات لم تكن مدرجة بخطة التنمية التى أقر عليها وفقا لنص القانون وما يحدث مضاد للفكر التخطيطي.
وحول دور كوادر وخبراء التخطيط و المعهد القومى للتخطيط فى وضع خطة تنمية شاملة يؤكد العيسوى أن دور التخطيط منذ عهد السادات حتى الآن ظل محصورا فى توزيع الاستثمارات العامة الحكومية ،وإن كان هذا هو نفس دور التخطيط فى الستينيات، إلا أن المختلف فى الحالتين نسبة تمثيل القطاع العام فى تلك الاستثمارات والتى كانت تصل مقصورا الي90% من حجم الاستثمار التى تجرى بالدولة أما الآن لا تتعدى الثلث.
ويضيف قائلا: إن التخطيط ليس مقصورا على وزارة التخطيط وحدها والمفروض أن يكون فكر الدولة كلها، وان تكون ثقافة التخطيط متغلغلة فى كل وزارات وأجهزة الدولة وهذا للأسف غائب أيضا، فالهدف ليس بناء الهياكل الشكلية من وزارة أو معهد تخطيط، والتى كان يراد إلغاؤها فى إحدى الفترات من حكم مبارك برعاية جمال مبارك ، وتغير اسم الوزارة إلى وزارة التنمية الاقتصادية وطالت معهد التخطيط أيضا فعديد من المراكز البحثية كانت تحمل مصطلح التخطيط « كالتخطيط الزراعي، الإقليمي، العام»، وتغيرت لمسميات أخرى وهذا التغيير كان ذا دلالة بمحاولة للتخلص من كلمة التخطيط لإطلاق قوى السوق والحرية الاقتصادية، ولهدم التخطيط مع الإبقاء على المنظر بوجود قانون وخطط تعلن،غير أن العبرة بالفاعلية وأن كانت مجرد كلام على ورق أو قابل للتنفيذ ويؤثر فى حركة المجتمع والاقتصاد، فالذراع المؤثرة فى التخطيط «القطاع العام» كسرت بأمرين الخصخصة التى قلصت دور هذا القطاع، بالإضافة إلى إهمال تجديده وأسلوب إدارة القطاع بالشركات القابضة وشركات تابعة جعلها أقرب للقطاع الخاص مما جعل منها هياكل بلا قوة.
وعما إذا كانت لديه دراسة تصف العلاج ومن اين يبدأ العمل؟
قال: لدى أكثر من دراسة فى هذا الشأن ، ولى كتاب يزيد على 700 صفحة يرصد مسيرة الاقتصاد المصرى خلال 30 عاما منذ 74 حتى أوائل 2007 حيث رصد العقبات التى تعترضه وأسباب التعثر وطريق الخروج ، وتناول الكتاب ضرورة التحول فى فلسفة التنمية نحو تنمية شاملة ومستقلة وقابلة للاستدامة وتعتمد على الذات وتعيد المفهوم للدولة التنموية والتى تتدخل فى الاقتصاد ليس لوضع الأطر القانونية أو التوجيه عن بعد بل تمسك بعجلة القيادة للتنمية ولا يستبعد القطاع الخاص ويكون العمل فى إطار الخطة التى تضعها الدولة وفى المجالات التى ترى فيها أولوية، وان يكون الانفتاح على الخارج محسوبا ومقيدا ومنضبطا فى ضوء احتياجاتنا المحلية، وان تتوافر الحماية لصناعتنا المصرية لتتمكن من منافسة الصناعات الأجنبية وهذا يقتضى إعادة النظر فى أشياء كثيرة من السياسات الجارية، فلا يمكن أن نتحدث عن التخطيط والسوق المصرية مفتوحة على مصراع يها أمام المنتجات الصينية والأجنبية.
وعن الأولويات التى يستوجب العمل بها من وجهة نظر عالم التخطيط خاص ونحن نعانى من مشاكل فى كافة القطاعات، أكد العيسوى أن الأولويات يجب أن تقرر بصورة ديمقراطية وشعبية ويكون للمواطنين رأي فيها لتعبر عن احتياجاتهم، فغالبية الشعب وبنسبة 70% منها إما فقير أو منخفض الدخل ،وأولوياتهم بالقطع توفير الغذاء المعقول والمتوازن و حصول أبنائهم على التعليم والرعاية الصحية والسكن وتلك الأشياء نسميها الاحتياجات الأساسية « الإنسانية» والتى يجب التوجه للعمل عليها أولا، حتى لا يقال أجرينا تنمية ولم يستفد منها الفقراء كما حدث بعهد مبارك ولو كان هناك تخطيط فى حينها لما سمح بأن يقال هناك تنمية بدون تحسن فى معدلات الدخل، وكان سيحدد نوعية المشروعات التى سيتم العمل فيها والمستفيد منها ولمن توجه منتجاتها وأين سيذهب العائد، وهذه الاحتياجات يجب أن تكون لها الأولوية قبل التفكير فى عاصمة جديدة ولا فى توسعات ولا حتى استصلاح أراض لان الكلام على استصلاح أربعة ملايين فدان يصطدم مع حقيقة معظم الشعب يدركها وهى المياه، ومن أين سنوفرها ونحن نعانى من فقر مائى ولدينا عجز يغطى باستخدام المياه المستعملة.
ويتساءل العيسوي: هل الصواب الشروع فى بناء مدن جديدة بغض النظر كانت ترفيهية أو غير ذلك, أم الأجدى ننمى المدن التى أنشئت من قبل وقائمة كالأشباح وتوجيه مشروعات لإقامة استثمارات بالمناطق الفقيرة لسد تيار الهجرة الخارج منها نزوحا وراء لقمة العيش. بل يكمن الحل فى اللامركزية بحيث لا تركز كل السلطات فى العاصمة وتمنح سلطات للمحافظات وفروع الوزارات بالأقاليم سيقلل من الوافدين للعاصمة يوميا بما لا يقل عن مليون مواطن ، كما أن توجيه الاستثمارات فى المناطق الطاردة للسكان سيوقف تصدير الهجرة الداخلية للعاصمة ، كما لابد من نقل بعض الأنشطة بالعاصمة إلى الأقاليم كإقامة فروع للجامعات بهذه المناطق لتخفيف العبء بالعاصمة ، فهناك حلول تصيب أهداف متعددة بنجاح أكثر من العاصمة الإدارية الجديدة التى لا نعلم كيف سندبر لها المرافق والخدمات وهى قابعة فى قلب الصحراء خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى نعيشها
وعن سبل توفير الموارد لتكون الاحتياجات الإنسانية بأولوية العمل يقول العيسوى أن الموارد مشكلة واجهتها كل الدول بطريقها للتنمية، فنجن نمول الاستثمارات من المدخرات المحلية بالإضافة إلى مدخرات واستثمارات أجنبية وهى قليلة لدينا الآن، والتى لم تكن بنسبة كبيرة لدى دول كالصين ودول جنوب شرق أسيا أيضا ، ولكنهم استعانوا بالمدخرات المحلية والتى وصلت معدلاتها على امتداد الفترة صنع فيها النهضة بتلك الدول و تعدت نسبتها 35% وفى بعض السنوات تجاوزت نسبة الادخار المحلى بالصين ال50% ،بما يوازى نصف الدخل الذى تحققه الدولة فى عام وتم توجيهه للمدخرات المحلية وضخه بالاستثمار ، أما معدل الادخار مصر الآن لايتجاوز ال7 % وهو وضع مترد عن معدلات الادخار فى الخمسينات والتى كانت نسبتها 12% ، والعبرة هنا فى كيفية حشد المدخرات المحلية وتوجيهها للاستثمار عن طريق الحد من الاستهلاك وتحديد ما يتم استيراده من عدمه والذى يحدد كل هذا هو فكر التخطيط ليقف على الاحتياجات اللازمة للبلد وما الذى يمكن الاستغناء عنه مرحليا، فالصين تصدر سلعا لا يعرفها أو يراها المواطن هناك لأنها فى الأساس منتجة وموجهة للتصدير ، ويعيش الصينى على أكله الرئيسى من الأرز والسمك.
التقشف للأغنياء فقط
ويذكر العيسوى أن التقشف فى الوضع الاقتصادى الراهن أمر ضرورى ، مع الانتباه لتحديد الواجب عليه أن يتقشف، فليس مطلوبا من المواطن الفقير التقشف والذين يوجد معظمهم حسب الإحصائيات فى الصعيد وأكثر المناطق تأثرا من الفقر ريف الصعيد وأكثرها إهمالا. فالتخطيط السليم يبدأ بالاحتياجات الأساسية للشعب وندبر مواردها بالاعتماد على الذات بالمقام الأول وهو ما سيجذب الاستثمار تباعا، ولكن للأسف نحن نفكر بطريقة معكوسة عن الطريقة التى سارت عليها دول شرق آسيا والتى ضغطت على نفسها واعتمدت على ذاتها وقامت بتقشف يقع معظمه على الأغنياء وليس الفقراء الذين لا يتحملون مزيدا من التقشف وهذه السياسات مكنتها من النهوض بالصناعة المحلية مما أهل لاستثمار الأجنبى بيئة جاذبة لنجاح مشروعاته، ففى السبعينيات كان يوجد اقتصادى باكستانى عظيم وتولى وزارة التخطيط فى بلاده أيضا محبوب الحق أصدر كتابا سماه «ستار الفقر» وطبعته الهيئة العامة للكتاب وتم ترجمته للعربية وهذا الكتاب شمل تقييم تجارب التخطيط فى الهند وباكستان وغيرها من الدول، وحصر أخطاء التى وقع فيها التخطيط بهذه الدول ومنها أنها تضمنت مشاريع ولكنها لم تفد الفقراء والسر فى ذلك لم يأخذ القائمون فى اعتبارهم من الذى سيستفيد من هذه المشروعات الأغنياء أم الفقراء، ووفق ذلك نحدد نوع المنتج والمخرج من المشروع ليوجه للشريحة المستهدفة بالأساس، وهذه الرؤى فى التخطيط موجودة منذ وقت مبكر وللأسف لا يؤخذ بها لوجود أصحاب المصالح.
ويضيف قائلا للأسف مادمنا نتحدث عن اقتصاد سوق حرة، ويتم التعامل على أن القطاع الخاص هو الركيزة والرأسمالية المحلية هى الأساس فسيكون الغنم من نصيب هذه الطبقات والانحياز واضحا لهم ، والتى تتضح ملامحها فى الميزانية والموازنة العامة للدولة والخطة ونوعية المشروعات التى تنفذ ونوع الحوافز التى تقدم هذا بالإضافة إلى الخلل فى توزيع السلطة والثروة والدخل فى المجتمع ،فنحن نعانى خللا فى الانحياز الاجتماعى نتيجة أن القوى غير متكافئة بالمجتمع ولا صوت للفقراء ومحدودى الدخل بالدولة حتى من خلال الكيانات الحزبية الموجودة ، وللأسف من يملك الثروة يسهل له امتلاك السلطة ويشترى النفوذ السياسى بالرشاوى الانتخابية واسترضاء الناخبين بمشروعات وخدمات.
من أفلاطون إلى ابن خلدون
كتابات لأفلاطون «بالمدينة الفاضلة» وابن خلدون «وهو أول من كشف عن علم الاجتماع «العمران» أشارت إلى التخطيط وكانت تنتمى إلى التصورات والأفكار أكثر من انتمائها إلى التطبيق العملى المنظم وفى عصر النهضة دعا المفكر الانجليزى «موريس دوب» (1709-175م) إلى ضرورة أن تأخذ الدولة بالتخطيط المحكم والعملى لإحداث التقدم فى المجالات المختلفة ولقد ظهر التخطيط بمعناه العملى فى الاتحاد السوفيتى «السابق» كأسلوب جديد للتسيير الاقتصادى والاجتماعى مما صوب الجهود نحو وضع أسس التخطيط وتشكيل معالمه، وتأكدت فعاليته بظهور الخطط التى تعالج الاقتصاد القومى بكليته وعموميته، وتعد الخطة التى وضعها الاتحاد السوفيتى عام 1920 ولمدة 15 عاما لإمداد روسيا بالكهرباء أول خطة فى العالم للتطور بعيدة المدي، ويُعد البحث الذى نشره العالم النرويجى كريستيان ثونهيدر فى عام 1910م حول أسلوب التخطيط الاقتصادى من أهم المحاولات الجادة المبكرة فى هذا المجال وفى وقت كان رجال الفكر الغربيين ينظرون إلى أسلوب التخطيط على أنه مناف للحرية الاقتصادية التى تعتمد على أسلوب السوق الحرة فى التنسيق بين قرارات الوحدات الاقتصادية، نظراً لحاجة التخطيط إلى مركزية فى الإدارة وهيمنة القطاع العام (الحكومي) على الموارد الاقتصادية فى المجتمع ولكن هذه النظرة للتخطيط أخذت تتغير تدريجياً مع توالى التطورات الاقتصادية والسياسية فى أوروبا. فلم يأخذ الغرب بالتخطيط إلا عندما تعرض لأزمة الكساد العالمى فى الثلاثينات لإنقاذ شركاته من الانهيار الاقتصادى وببروز أزمة الكساد العالمى فيما بين 1929-1933والتى كان من أهم نتائجها هبوط معدل الدخل القومى بين 30-50% وظهور أكثر من 32 مليون عاطل، دفع الكثيرين إلى تبنى فكرة التخطيط لمعالجة هذه الأزمة. وأدت ظروف الحرب العالمية الثانية إلى الأخذ بالتخطيط لتوجيه اقتصاديات الدول إلى بناء الطاقة الحربية وتوجيه الموارد وفقا لأولويات ومتطلبات الحرب وإعادة أوروبا بعد الحرب وفقا «لمشروع مارشال.
التجربة الكورية
كانت كوريا الجنوبية فى أوائل الستينيات واحدة من أكثر المجتمعات الزراعية الفقيرة. وقد انطلقت خطة التنمية الاقتصادية والصناعية بها منذ عام 1962م وفى أقل من أربعة عقود، استطاعت كوريا تحقيق ما يسمى (بالمعجزة الاقتصادية على نهر الهان-كانج) وهو نهر يجرى فى وسط العاصمة سول. فقد زاد إجمالى الدخل القومى الكورى من 2.3 مليار دولار فى سنة 1962م إلى 477 مليار دولار عام 2002م واستمر فى الزيادة حتى وصل إلى 931 مليار دولار عام 2005م وأصبحت كوريا الجنوبية واحدة من أكبر عشر اقتصاديات فى العالم كما ارتفع نصيب دخل الفرد من إجمالى الدخل القومى من 87 دولارا عام 1962م إلى أكثر 19.4 ألف دولار أمريكى حاليا. وقد ركزت الخطة الخمسية الأولى للتنمية (1962-1966م) على وضع اسس التصنيع. ونجحت الخطة فى تهيئة البناء الصناعى لدولة تعتمد على الموارد الزراعية وتحويلها إلى دولة تقوم على التصنيع الحديث والتصدير، وفى خلال عملية التنمية الاقتصادية، قامت كوريا بتنفيذ نشاط صناعى شامل. حيث انخفض نصيب الصناعات الأولية من البناء الصناعى الكلى من 31.5% فى عام 1970م إلى 15.7% فى عام 1980م، وانخفض مرة أخرى إلى نسبة 5% فى عام 2002م. على الجانب الآخر، زاد نصيب السلع المصنعة فى البناء الصناعى الكلى من 14.7% فى عام 1970م إلى 36.0% فى عام 2002م. وقد اعتمد النمو الاقتصادى الكورى مبدئياً على الصناعات الخفيفة ذات الكثافة العمالية كصناعة النسيج على وجه الخصوص. وتم تغيير الصناعات الخفيفة بصورة منتظمة لتحل محلها الصناعات الثقيلة والصناعات الكيماوية التى تمثل أكثر من نصف إجمالى الإنتاج الصناعي. وعلى سبيل المثال، فبعد اكتمال فرن كونج-يانج الثالث فى ديسمبر 1990م، أصبحت كوريا من أهم المنتجين للصلب فى العالم. تنتج كوريا كذلك أنواعا مختلفة من المعدات والآلات. كما وصلت صناعة السفن والسيارات إلى أعلى مستوياتها، فى الوقت الذى أصبحت فيه الصناعات الالكترونية هى الرائدة فى النمو وأهم عامل لتوفير النقد الأجنبي.وجاءت كوريا فى المرتبة السادسة بين أكبر مصنعى السيارات فى العالم، حيث تنتج سنويا أكثر من 3 ملايين سيارة. ولمجابهة الطلب المتزايد على الوقود، تم تطوير مجمعات بتروكيماوية ضخمة مع تدعيمها بالعديد من مصافى البترول الكبيرة.
وأصبحت كوريا العضو التاسع والعشرين فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية وذلك فى 12 ديسمبر 1996م.

تعددت المسميات والهدف واحد
وسط جدل أكاديمى حول الجهة التى عليها أن تضطلع بعملية التخطيط السليم لكافة شئون المجتمع، الدولة أم مؤسسات المجتمع المدني. ورغم أنه لم يحدد بعد بصورة قطعية أى من الطرفين الأقرب إلى الصواب غير أن المتابع لتجربة الدولة التنموية فى الدول الآسيوية، يلاحظ أنه دائمًا كانت هناك هيئة أو مؤسسة رائدة مسئولة عن عملية التخطيط التنموي، ففى اليابان تمثلت هذه الهيئة فى وزارة التجارة الخارجية والصناعة. وفى كوريا الجنوبية لعب مجلس التخطيط الاقتصادى الدور الأكبر فى إدارة عملية التنمية، وفى هونج كونج تمثلت هذه الهيئة فى مجلس الإنتاجية ومجلس تنمية التجارة ، وهذا الأخير كان بمثابة التجربة الأكثر تميزًا بين كافة الهيئات المضطلعة بالتنمية الآسيوية، فكل الهيئات قامت الدولة بإنشائها، ولم تسمح للقطاع الخاص بأن يكون له أياد بيضاء عليها، إلا أن مجلس تنمية التجارة بهونج كونج ليس تنظيمًا حكوميًا ولا منبثقًا تمامًا من القطاع الخاص، وإنما هو يشبه التنظيم الحكومي، لكنه يُمول ويُدار بواسطة القطاع الخاص ،وكان دور هذه الهيئات يتلخص فى وضع وتنسيق خطط التنمية التى تقوم بتنفيذها الوزارات المختلفة، من خلال تخصيص الموارد للمشروعات التنموية الكبرى فى ظل ندرة الموارد، وكذا إدارة الصراعات التى تنشب بسبب هذه الندرة، فضلاً عن أن السياسات الهادفة إلى التحول من الاقتصاد القائم على الزراعة إلى الاقتصاد الصناعى تؤدى فى البداية إلى عجز وتضخم وعدم توازن مؤقت فى الاقتصاد، ومن ثم فإن جهاز الدولة يشهد نوعًا آخرً من الصراعات بين هيئات الدولة حول عدم الاستقرار الاقتصادى بفعل خطط التنمية الكبري؛ فالنخبة البيروقراطية التى يعهد إليها صياغة الخطط التنموية تصطدم مع البنوك والوزارات المسئولة عن تحقيق التوازن الخارجى فى التجارة. وهنا يفعَّل دور الهيئة الرائدة التى تعمل على إدارة الصراع والتنسيق بين السياسات التنموية المختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.