قال الدكتور إبراهيم العيسوي الخبير الاقتصادي ومستشار معهد التخطيط القومي إن النظام السابق استغل مؤشرات الخطط التنموية من أجل تضخيم إنجازاته خلال العقود الثلاثة الماضية دون أن يكون لهذه الخطط واقع فعلي، مما أدى إلى إضعاف دورها. وأوضح العيسوي في دراسة بحثية تحت عنوان "التخطيط ودور الدولة من منظور التنمية الشاملة والمستدامة" أن أبرز الشواهد على غياب التخطيط الجاد انحسار دور الدولة، وتخليها عن قيادة التنمية وهيمنة وزارة المالية على اختصاصات أصيلة لوزارة التخطيط وتمتع البنك المركزي بدرجة عالية من الاستقلالية وتعاظم الاتجاهات الاحتكارية في الاقتصاد المصري.
وأشار إلى أن الدولة خلال ال 30 عاما الماضية لم تمارس إلا الحد الادني من التدخل في الشئون الاقتصادية والتنموية، وهو ما أدى إلى إضعاف التخطيط التنموي، ومن ثم إضعاف التنمية ذاتها، حيث تم إضعاف الركائز التي كان التخطيط يقوم عليها، خاصة القطاع العام الإنتاجي والمالي.
ولفت إلى أن قابلية النظام الاقتصادي والاجتماعي للتخطيط قد أصابها الضعف أيضا مع انفتاح الاقتصاد على الخارج بشكل غير مدروس ما جعل الاقتصاد عرضه للصدمات الوافدة من الخارج، وزاد من العوامل الواقعة خارج نطاق سيطرة المخطط.
وأشار إلى أن هذه التحولات أفرزت عددا من الاتجاهات المضادة للنمو والتنمية، منها انفلات الاستيراد والاستهلاك، وعجز المدخرات وتراجع الأنشطة الإنتاجية واستنفاد سريع للموارد الطبيعية مع إطلاق يد القطاع الخاص المحلى والأجنبي، وغياب الرقابة الجادة من جانب الدولة على استغلال هذه الموارد، بل مع إسراف الدولة ذاتها في تصدير الغاز.
وقال إبراهيم العيسوي الخبير الاقتصادي ومستشار معهد التخطيط القومي إن الأداء التنموي للاقتصاد المصري في العقود الماضية اتسم بالتقلب وغياب التراكمية، مع ضعف النمو وارتفاع كلفته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتدهور الصناعة المحلية وضعف النمو الزراعي، وتراجع الأمن الغذائي وتآكل السيادة الغذائية، وازدياد الاعتماد على الخارج بوجه عام.
وحذر العيسوي من استمرار نهج مبادئ توافق واشنطن المعروفة ب"السياسات الليبرالية الجديدة"، حيث إن هذه السياسات تركز على تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، وليست لها علاقة أصيلة بالتنمية وبالمعاناة الاقتصادية والاجتماعية للقطاع الأكبر من شعوب دول الجنوب .. مشيرا إلى أن تصحيح مسار التخطيط وإعادة تحديد دور الدولة في التنمية يتطلب تبني حزمة سياسات تنموية بديلة.
ورأى أن نفي صفة التخطيط عن اقتصاد السوق الحر أو اقتصاد السوق الاجتماعي لا يعنى أن السوق الحر والتخطيط لا يجتمعان، بل على العكس يمكنهما التكامل نحو إدارة الموارد وحسم الصراعات الاجتماعية حول تخفيض الموارد وتنميتها.
وأشار إلى أنه عندما تكون المهمة المطروحة على المجتمع هي التنمية بمعناها المركب والشامل، وعندما يكون نضج السوق ومستوى تبلور الطبقة الرأسمالية ضعيفا كما هو الشأن في مصر وغيرها من الدول النامية فإن الميزان يجب أن يميل لصالح قوى التخطيط ولصالح دور الدولة في قيادة التنمية والمشاركة في النشاط الإنتاجي.