لا عجب أن رمضان شهر الانتصارات والفتوحات على مر التاريخ الإسلامي، فما تبثه العبادة فى هذا الشهر الكريم من علو للهِّمة، وانتصار للنفس على شهواتها جدير بأن يجعل شهر رمضان شهرًا للانتصارات على كافة المستويات بحق. وقد ارتبط شهر رمضان بالجهاد بعد أن فرض الله سبحانه وتعالى علينا الصيام فى رمضان فى سورة البقرة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة: 183] وكانت بداية تلك الانتصارات فى غزوة بدر الكبرى، التى كانت فى 17 من رمضان سنة 2 هجريًا، فكانت معركة الفرقان بين الحق والباطل، وأول معركة بين المسلمين والمشركين، ورغم قلة عدد المسلمين، فقد كان النصر حليفًا لهم، وخرج المسلمون من هذه الموقعة بكثير من المغانم، وقد قال الله تعالى فى شأنها: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران: 123). وثانى تلك الانتصارات هو فتح مكة فى سنة 8 هجريًا، الذى أعز الله به دينه ونصر جنده، وطهر به بيته المحرم من رجس الأوثان والمشركين، ودخل الناس به فى دين الله أفواجا. وفى العام التالى فى الثامن من رمضان عام 9 هجريًا كانت غزوة تبوك أو العسرة، وهناك أعلنت القبائل العربية خضوعها للمسلمين. واستمرت انتصارات المسلمين بعد انتقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى، فكانت معركة القادسية، على الضفة الغربية لنهر الفرات، التى وقعت فى شعبان واستمرت إلى رمضان 16ه (637م) بين المسلمين والفرس، وانتصر فيها المسلمون لتتغير ملامح التاريخ البشرى وينتهى الوجود الفارسى وسيطرته. وفى رمضان أيضاً فى الخامس والعشرين من رمضان عام 658 ه، كانت معركة عين جالوت التى أعز الله فيها المسلمين على التتار بقيادة هولاكو المغولي، وكسر شوكتهم، ولم تقم لهم بعدها قائمة. يروى لنا التاريخ أنه فى ثانى أيام شهر رمضان عام 702 هجريًا فتح القائد الإسلامي، حسّان بن النُعمان، المغرب الأوسط - الجزائر الآن - وانتصر على الملكة الكاهنة زعيمة البربر فى ذلك الوقت، وفى نفس العام فى الثالث من رمضان فتح المسلمون جزيرة رودس، وكذلك انتصرت الجيوش المصرية والشامية على جيوش التتار فى موقعة شقحب بالقرب من دمشق. وفى عام 532 هجريًا فى شهر رمضان انتصر المسلمون على الصليبيين بقيادة عماد الدين زنكي، وفى نفس اليوم فتحت عمورية أهم بلاد الروم. وفى العصر الحديث كان لنا نصيب من انتصارات رمضان، وذلك فى العاشر من رمضان عام 1363ه، الموافق 6 أكتوبر 1973م، عندما عبر جيشنا المصرى الباسل قناة السويس، وأنهى أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر بعد أن دمر حصن برليف، ليسطر بذلك سطرًا جديدًا فى تاريخ أمتنا الإسلامية المجيد. لمزيد من مقالات د شوقى علام