شكل ظهور النجم أحمد زكي علي الساحة الفنية, ثورة حقيقية في عالم التمثيل بملامح وجهه المختلفة عن نجوم عصره وطبيعة شعره المجعد, وموهبته اللانهائية وكان الراحل_ الذي نحتفي بذكراه السابعة هذه الأيام, يدرك الاختلاف الذي يمثله بملامحه وتركيبته الفنية قياسا بنجوم تلك الفترة, وبفطرته بدأ زكي يعي أن طريقه لن يكون سهلا, وان, هناك صعوبات كثيرة ستصادفه في عالم الفن, لذلك أعلن التمرد منذ بداياته ورفض أن يتم حصره في أدوار بعينها, فبدأ من خلال مشاهد ولقطات قليلة يلفت الانتباه الي موهبته الفذة. في الثمانينيات من القرن العشرين شكل أحمد زكي, مع مجموعة من المخرجين الشباب منهم عاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبدالسيد ومحمد خان نواة لسينما مصرية مختلفة سميت بالواقعية الجديدة آنذاك, وهي السينما التي لمست القضايا الحقيقية للمواطن المصري,وقدمت معالجات سينمائية تبعد كثيرا عن التقليدية, ووسط هذه المجموعة تشكل وعي أحمد زكي الفني والسياسي.والذي قد يكون بريئا من الناحية السياسية في تلك الفترة إلا أن اختياره العمل مع مجموعة من الكتاب والمخرجين المسيسين, والذين حملوا أحمد ذكي بموهبته التي يصعب تكرارها وجهات نظرهم فبدي من خلال العديد من أفلامه سياسيا محنكا خصوصا وأنه من أكثر نجوم جيله تنوعا في الأفلام التي قدمها والتي بلغت56 فيلما.. فهو إذا كان قد قدم أفلاما تجارية إلا أنه حرص علي أن يقدم أفلاما تحمل أبعادا سياسية مهمة, ناقشت الكثير من الموضوعات الشائكة,في علاقة السلطة بالمواطن والفساد الذي يحكم الطبقات الحاكمة,واستغلال النفوذ ومنها البرئ, وضد الحكومة, والهروب, وزوجة رجل مهم, ومعالي الوزير.. وأرض الخوف. وهذا يتسق تماما مع ما قاله النجم أحمد زكي في العديد من حواراته عن نفسه حيث ذكر: أنا لا أجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة.. أنا رجل بسيط جدا لديه أحاسيس يريد التعبير عنها.. لست رجل مذهب سياسي ولا غيره, أنا إنسان ممثل يبحث عن وسائل للتعبير عن الإنسان..وما يعانيه الانسان المصري من قهر وظلم هدفي هو ابن آدم, تشريحه, السير وراءه, ملاحقته, الكشف عما وراء الكلمات, ماهو خلف الحوار المباشر. الإنسان وتناقضاته, أي إنسان, إذا حلل بعمق يشبهني ويشبهك ويشبه غيرنا.. المعاناة هي واحدة.. الطبقات والثقافات عناصر مهمة, لكن الجوهر واحد. الجنون موحد.. حروب وأسلحة وألم وخوف ودمار, العالم كله غارق في العنف نفسه والقلق ذاته. والإنسان هو المطحون... وبهذا الإحساس الذكي تعامل أحمد مع أدواره كما شكلت رغبته في تقديم البني أدم بكل تناقضاته وصراعه الاجتماعي والسياسي البوصلة التي اختار بها أدواره المميزة والتي باتت أيقونات في تاريخ السينما المصرية والعربية وتربع علي عرش التمثيل.. متوجا ملكا للأداء الرفيع والذي يصعب تكراره, فأحمد لم يقم أبدا بتقديم دور يشبه الآخر. البرئ.. وتغييب الوعي ويبدو أن الفنان أحمد زكي والذي كان مهموما بالإنسان, اختار مع المخرج خيري بشارة أن يقدما معا فيلم العوامة70 والذي أنتج في عام1982 وهو الفيلم الذي يحمل رؤية سياسية واضحة المعالم وتتعلق بجيل السبعينيات ومشكلاته, الفيلم.. فشخصية أحمد الشاذلي( أحمد زكي) هي الشخصية المحورية. أحمد مخرج أفلام تسجيلية ويحلم بالتحول إلي مخرج أفلام روائية لكن الظروف لا تسمح بذلك, ويعيش حلما دائما وصعب التحقيق خاصة في ظل الظروف والتحولات التي عاشتها مصر, بعد نكسة67 ووفاة عبدالناصر وتولي الرئيس السادات الحكم, وتطبيقه لسياسية الانفتاح الاقتصادي والتي وصفها كبار الكتاب بسياسية السداح مداح وتوقيعه لا اتفاقية كامب ديفيدوانعكاس ذلك علي النواحي الاجتماعية والسياسية, فأحمد الشاذلي هو ابن لثورة يوليو وواحد من الذين عاشوا انكسار الحلم الناصري وينتمي لجيل ممزق فقد الكثير من حماسه والتزامه الثوري, وفقد كذلك القدرة علي مواجهة الواقع بشجاعة ففضل الاستسلام للأقدار. إن أحمد يملك الكثير من الوعي ولكنه بات مستسلما لمرض انتشر في المجتمع كله وهو اللامبالاة, لذلك عندما يخبره عامل محلج القطن عبدالعاطي( أحمد بدير) عن الاختلاسات في المحلج الحكومي, لا يحرك أحمد ساكنا وكأن الأمر لا يعنيه. ومن حالة الاستسلام والخنوع, في مواجهة الظروف,انتقل أحمد زكي مع وحيد حامد وعاطف الطيب إلي نموذج مغاير في فيلم البرئ وهو من الأفلام الجريئة القليلة التي تناولت السلطة ونظام الحكم والقهر السياسي, الذي تمارسه السلطة علي المختلفين معها سياسيا والمنتمين لتيارات مختلفة, وكيف يتم تلفيق القضايا للبعض, وتعمد اهانة المثقفين, واستغلال الجهل لتغييب الوعي عند البسطاء, ورصدا الكاتب المخضرم والمخرج المتميز في البرئ تلك السلسة من القهر التي تحكم مجتمعاتنا, وهو ما أدي إلي منع عرض الفيلم لأكثر من20 عاما, وصاغ ذلك كله من خلال بطل من البني ادمين البسطاء أحمد سبع الليل_ جسده أحمد زكي معبرا عن هؤلاء الذين لا يحلمون إلا باللقمة والعيشة الكريمة. فهو فلاح بسيط, يعيش مسالما في قريته, إلي أن يطلب للخدمة العسكرية, ويعين حارسا في معتقل سياسي بالصحراء. ويري بنفسه أبناء الوطن يلقي بهم في السجون. وعندما يسأل سبع الليل من هؤلاء المواطنين الذين يعاملون بهذه القسوة ؟ يأتيه الجواب.. بأنهم أعداء الوطن ولأنه مفروض عليه بأن يحمي الوطن فعليه أن يكون شرسا في معاملته لهؤلاء. وبذلك يتحول سبع الليل إلي جلاد لنخبة من أدباء ومثقفين مصريين. وفي يوم يصل فوج جديد من المعتقلين, ليجد هذا الفلاح البسيط نفسه مضطرا لتعذيب رفيق صباه حسين( ممدوح عبد العليم). هنا يبدأ سبع الليل في الشك فيما يقوم به, حيث لا يمكن أن يكون حسين عدوا للوطن الهاجس عند سبع الليل. فيرفض تنفيذ أوامر الضابط. تلك الرؤية السياسية العميقة التي حملها الفيلم, وحولها أحمد زكي إلي طاقة متفجرة علي الشاشة, من تلقائية الأداء وانسيابيته,وكيفية توظيفه للغة الجسد والعيون ليعبر بها بساطة سبع الليل والتي تصل إلي حد السذاجة, دون صراخ أو زعيق,وهو الأداء المتمكن والذي جعل من الصعب أن تتصور ممثلا آخر يجسد سبع الليل.. أو يعزف ذلك اللحن في الأداء. السلطة وعلاقتها بالفرد ورغم التميز الذي حققه النجم الأسمر في بداياته المختلفة, مع مخرجي جيل الثمانينيات, والذي كان يؤهله لتقديم أفلام تجارية, إلا أن زكي بحسه الفطري والخبرة التي اكتسبها, جعلته يصر علي تقديم الموضوعات الشائكة, والتي كانت قليلة في السينما المصرية,حيث قدم مع المبدع محمد خان فيلم زوجة رجل مهم عام,1987 وتعود أهمية الفيلم لتناوله السلطة وعلاقتها بالفرد..من خلال سيناريو محكم للكاتب رءوف توفيق كما أنه من الأفلام القليلة التي تناولت السلطة واستغلالها وتأثيرها علي النواحي السياسية والاجتماعية لأبطال الفيلم, بعيدا عن مباشرة وسذاجة الطرح. في( زوجة رجل مهم) نحن أمام شخصيتين شخصية الرجل المهم هشام ضابط أمن الدولة( أحمد زكي) وشخصية الزوجة مني( ميرفت أمين). واستهوته السلطة منذ الصغر, فأصبح يمارس سلطته داخل نطاق العمل.