فى وقت تعانى فيه مرافق الحكومة من عمالة مكدسة، تم تعيينها على قوة الجهاز الإدارى للدولة دون الحاجة إليها، ودون إسناد مهام محددة لها بسبب زحام الموظفين، تظل غرفة العناية المركزة فى جناح عمليات الأنف والأذن والحنجرة مرفوعة من الخدمة، لمبررات بسيطة، تتعلق بنقص التمريض والعمالة، وهى الأزمة التى يعانيها قصر العينى منذ فترة طويلة، مع أنه يجب حل هذه المشكلة التى قد تؤدى إلى توقف بعض الوحدات العلاجية عن العمل، وحرمان المرضى من الخدمة الطبية. هنا يروى الدكتور محمد رفاعى أستاذ الأنف والأذن والحنجرة ورئيس القسم سابقاً، قصة تجميد غرفة العناية المركزة فى جناح عمليات الأنف والأذن والحنجرة، ليس بسبب نقص التجهيزات، ولكن بسبب عدم وجود تمريض وعمالة لتشغيلها، وهنا تكمن الكارثة!! يعود الدكتور رفاعى بالذاكرة إلى الوراء، ففى عام 2006، كان الدكتور أحمد بسيونى رئيسا لقسم الأنف والأذن والحنجرة بطب القاهرة، ونجح خلالها فى التوسع بقسمى 36 ،و13، لتقديم خدمة طبية متطورة للمرضى، كما أنجز العيادة الخارجية على أكمل وجه، وبعد عام واحد فقط غادر الدكتور بسيونى رئاسة القسم، وبدأت فى عام 2007 ، فى الحصول على تبرعات لقسم الأنف والأذن والحنجرة قبل أن أصبح رئيسا له، واستمر الوضع كذلك حتى عام 2010، وعندما أصبحت رئيسا للقسم ، بدأنا عملية تطوير جناح عمليات الأنف والأذن والحنجرة، وحصل المقاول وحده على مليون و800 ألف جنيه، وأنشأنا غرفة عناية متوسطة، وغرفة عناية مركزة، كما قمنا بتطوير مدرج فى جناح العمليات وغرفة لجراحات الحنجرة، والمخدر الموضعي، وتمكنت من توفير أجهزة بقيمة 2،5مليون جنيه من خلال التبرعات، وانتهينا من عملية التطوير والتحديث فى أكتوبر من عام 2013، لكننا واجهنا مشكلة فى التشغيل بسبب نفص التمريض والعمالة، وأرسلت خطابا لرئيس القسم ، وإلى عميد كلية الطب وقتها، ولم يستطع أحد حل مشكلة التمريض والعمالة لتشغيل غرفة العناية المركزة، فتقدمت بمذكرة إلى رئيس الجامعة فى مايو 2014، .. وهكذا ظلت الأوضاع ، حتى تولى الدكتور فتحى خضير عمادة كلية الطب، وأبلغونى بتوفير 4 حكيمات لغرفة العناية المركزة، فطلبنا عمالا، فأبلغونى بتدبير اثنين من العمال ، وأن هناك حاجة إلى اثنين آخرين يصعب تدبيرهما فى الوقت الحالي، ومع ذلك لا تزال غرفة العناية المركزة فى جناح عمليات الأنف والأذن والحنجرة خارج نطاق الخدمة، بالرغم من تجهيزها بأحدث الأجهزة، من خلال تبرعات أهل الخير، .. والسبب هو نقص التمريض والعمالة. وعندما تحدثنا مع الدكتور فتحى خضير، عميد كلية الطب بجامعة القاهرة، وضع يديه على الجرح كما يقولون.. حيث أكد لنا أن هناك أزمة حقيقية فى العمالة والتمريض فى قصر العينى بنسبة 30 %، وأن هناك وحدات كثيرة متوقفة عن العمل بسبب نقص التمريض والعمالة ، حيث يعانى قصر العينى وحده عجزا يقدر بنحو 950 ممرضة، وإن كانت هناك جهود لحل الأزمة ، عبر منافذ مختلفة، إحداها الاتفاقية التى تم توقيعها مع جمعية مصر الخير لإنشاء معهد تمريض فى مستشفى الطوارئ، لتخريج 200 ممرضة حاصلة على بكالوريوس تقنى خلال عامين، أى بواقع 50 ممرضة كل 6 شهور, كما أن معاهد التمريض التابعة لقصر العينى ليست لديها مساحات كافية لاستيعاب أعداد أكبر من طالبات التمريض، ومن ثم تم تخصيص مدرجات فى كلية الطب لمعاهد التمريض لاستخدامها لبعض الوقت، بالإضافة إلى العمل على إجراء توسعات جديدة، لمواكبة الأعداد المتزايدة من المرضى، ولتقديم خدمة طبية متميزة، بالرغم من القصور فى الإمكانات والموارد المالية. ويبقى السؤال: إلى متى ستظل العديد من الوحدات داخل مستشفى قصر العيني، مرفوعة من الخدمة، بسبب نقص التمريض والعمالة؟.. ومتى سنفرج الأزمة؟ ويعد نقص التمريض- كما يقول الدكتور شريف ناصح أمين مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة- إحدى المشاكل المزمنة التى تواجهنا, خاصة أن الممرضة تغادر المستشفى بعد انتهاء العمل الرسمى, وتذهب إلى مستشفى آخر استثمارى, فتحصل على عائد كبير مقارنة بما تتحصل عليه فى قصر العينى, ولذلك يحصل نسبة كبيرة منهم على إجازة من أجل تحسين الدخل، مؤكدًا أن قصر العينى يعد من أكبر المستشفيات على مستوى العالم، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، حيث يضم 5400 سرير، و600 سرير للحالات الحرجة، و85 غرفة عمليات تعمل بشكل يومي، كما يخدم مليونى مريض فى العيادات الخارجية سنويا، فيما بلغ عدد مرضى الطوارئ نحو 418 ألف مريض العام الماضي، كما تقرر رفع كفاءة مستشفى الطوارئ الجديد من 45 سريرا إلى 300 سرير، ما يستلزم الاستعانة بطواقم التمريض لتشغيلها. وبالرغم من الجهود المبذولة لتقديم خدمة طبية لملايين المرضى سنويا، - كما يقول مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة - فإن هناك طاقات معطلة داخل مستشفيات الجامعة، كما أن نحو ثلث غرف الرعايات مغلقة بسبب نقص التمريض، إذ يتم تخريج 135 ممرضا سنويا فقط، وهناك مبنى جديد لتخريج 600 مريض سنويا، ولكن ذلك لن يحدث قبل 3 سنوات من الآن، ومن ثم هناك أزمة حقيقية فى عدم القدرة على حل أزمة تعيينات التمريض والعمالة لعدم وجود درجات وظيفية، كما أن لدينا خطة لتطوير مستشفى المنيل الجامعى الشهير ب «قصر العينى» إلى 6 مستشفيات رئيسية متخصصة، فضلا عن إنشاء مستشفى الطوارئ الجديد، وهناك محاولات للتغلب على أزمة التمريض بالجهود الذاتية، لكن الأزمة تحتاج إلى حلول جذرية، لتشغيل جميع المرافق المعطلة بسبب نقص التمريض. فى مستشفى قصر العينى، اقتربنا من إحدى الممرضات رفضت ذكر اسمها- ، وأكدت لنا أن المستشفى يواجه مأساة حقيقية بسبب نقص أعداد التمريض، والتى لا تتناسب مع حجم المرضى الذين يترددون عليه يومياً، خاصة أن العديد من المحافظات، تقوم بتحويل حالات مرضية إلى المستشفى، الذى يعد ملاذا للفقراء، وغير القادرين، ممن يعانون آلام المرض وأوجاعه، ومن ثم يواجه طاقم التمريض تحديات كثيرة، أدت إلى نقص عددهم، فضلا عن تسرب الكثيرين منهم للعمل فى المستشفيات الخاصة، للحصول على راتب أعلى، فى ظل تدنى أجورهم ، بما لايتناسب مع المجهود الذى يبذلونه لساعات طويلة، مقابل مبالغ مالية هزيلة، ما يستلزم تدخل وزارة التعليم العالى، لتحسين أحوالهم المادية، لمواجهة غلاء المعيشة، وبما يتناسب مع الجهود التى يبذلونها فى خدمة المرضى، مؤكدة أن قرار التكليف، والذى تكون مدته سنتين بعد التخرج من كلية التمريض أو المعهد، هو السبب وراء نقص أعداد التمريض، كما أن بعض الممرضين، يتحايلون على قرار التكليف، وينقطعون عن الحضور، للعمل بالمستشفيات الخاصة ، الأمر الذى يوجد أزمة عند تخلفهم عن العمل الرسمي. ونظرا لنقص أعداد التمريض، يأتى الوقت على الممرضة ، وهى تتعامل مع عدة حالات فى نفس الوقت، ثم تتركهم بعد إنجاز عملها، وتتحرك نحو غيرهم، كما أنها تعمل لمدة 15 ساعة يوميا ، نتيجة لنقص طواقم التمريض، وبطبيعة الحال، فإن ذلك يؤثرعلى كفاءتهم.. وتتساءل: لماذا لا تقوم بتخريج دفعات سنوية، متسائلة: لماذا لا يتم تزويد مستشفى قصر العينى بخريجى كليات التمريض لسد العجز؟