بعد أيام قليلة من طرح مشروع قانون تطبيق حد الحرابة في جرائم السرقة والبلطجة, والذي أثار جدلا بين علماء الدين ونواب البرلمان, فجر نواب حزب النور السلفي مفاجأتهم الثانية بالمناداة بإنشاء بيت مال تجمع فيه الزكاة والعشور, كبديل شرعي لمصلحة الضرائب. وجاء قرار لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب, بتشكيل لجنة لإعداد قانون لإنشاء بيت المال الذي تقدم به محمد طلعت النائب عن حزب النور السلفي, معتبرا أنه نواة لعودة الخلافة الإسلامية, ليلقي مزيدا من الجدل حول جدوي تطبيق القانون, وهل يصبح بديلا عن وزارة المالية, والنظام الضريبي المعمول به في مصر وكثير من الدول الإسلامية. وما بين مؤيد ومعارض جاءت هيئة علماء الأزهر رافضة لهذا المقترح, الذي عرف في صدر الإسلام كمؤسسة مالية تجمع فيها صدقات الفطر والخراج, مؤكدين أن وزارة المالية هي المسمي الحديث لما شهدته دولة الخلافة الإسلامية في عصورها الإسلامية من نشاطات اقتصادية لبيت المال. ويري الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن مشروع القانون لا يتناسب مع طبيعة العصر والتطورات الاقتصادية والأنظمة المحاسبية في الدول الإسلامية, وأنه لا جدوي من إنشائه إلا إذا أردنا أن نلغي وزارة المالية ونرجع للوراء 1400 سنة, وأضاف قائلا: مصر لها خصوصية في أنها مجتمع مفتوح به المسلمون وغير المسلمين مما قد يؤدي إنشاؤه إلي تمايز طائفي في المجتمع, أما القول ببطلان تحصيل الضرائب ومخالفتها للشرع, فيرد عليه بأنها جائزة في الأصل وقد أجمع الفقهاء علي أن ولي الأمر أو من يفوضه من حقه أن يفرض علي الناس ما يسد الحاجة في خزانة الدولة, وفي ذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: أنتم أدري بشئون دنياكم ووفقا لنصوص الشريعة الإسلامية تفرض الضرائب علي الأغنياء ولا تفرض علي الفقراء فإذا لم يكف المال ينتقل إلي الفقراء حسب طاقتهم. ويطالب الدكتور محمد كريمة بإنشاء بيت للزكاة له أفرع في كل محافظة ويشرف عليه هيئة مشكلة من فقهاء الشريعة الإسلامية والمحاسبين الماليين وبعض القانونيين, لتفعيل الهدي النبوي تؤخذ من أغنيائهم وترد علي فقرائهم وهو مع عدالة توزيع الصدقات في المجتمع. ويتفق معه في الرأي الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر فيقول إن المصادر المالية التي كان يعتمد عليها بيت المال والمتمثلة في الغنيمة والفيء- وهو المال الذي استولي عليه المسلمون دون حرب - لا توجد في عصرنا الحالي, لأنه لا توجد حروب بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية الآن, أما العشور والخراج فإنها مطبقة في الوقت الحاضر من خلال العوائد والضريبة علي الأراضي الزراعية, وتقوم الدولة ممثلة في وزارة المالية بتحصيلها لمصلحة الخزانة العامة للدولة. كما يطالب الدكتور الجندي بإعادة النظر في قانون الضرائب بما يحقق العدالة بقدر الإيراد ودخول كل فرد في المجتمع, أما مبدأ الضريبة في حد ذاته فهو جائز شرعا لحاجة الدولة إلي هذه الأموال لكي تنفق منها علي المرافق والمصالح العامة من تمهيد الطرق وبناء وتطوير المستشفيات والمدارس وغيرها, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: في المال حق سوي الزكاة. ويؤكد الدكتور الجندي أن المطالبة بعودة بيت المال فيه صعوبة كبيرة نظرا لتغير الزمان والنظم المالية, ويضيف: تسمية الأنظمة التي تطبقها الدول الإسلامية المعاصرة ليست من الأمور التعبدية, بمعني أن مسمي بيت المال ليس مذكورا في القرآن الكريم وإنما هو اصطلاح أطلقه الفقهاء علي المؤسسة التي تقوم علي تحصيل المال وتوظيفه, ولا مانع شرعا من استخدام مسميات أخري مثل بنك المال, أو مصلحة الضرائب, وغيره مادام يحقق مضمون المبدأ الإسلامي ويتأسي في نظامه علي العدالة سواء في التحصيل أو توزيع المال في وجوهه المختلفة وطبقا للقاعدة المقررة التي تقول العبرة في العقود للمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني فالهدف هو الجوهر والمضمون وليس المسمي والشكل, فليس ضروريا أن نستخدم مصطلح بيت المال ونهدم النظام القائم برمته اعتمادا علي التمسك بمسميات كانت تتناسب مع العصور السابقة. من جانبه يوضح الدكتور فياض عبدالمنعم,أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر, أن بيت المال هو مسمي قديم لوزارة المالية حاليا, ولا يجوز إلغاء مصلحة الضرائب, فهي لا تتعارض مع أصول وقواعد النظام المالي في الإسلام, وخاصة إذا كانت هذه الضرائب عادلة لأنها توفر موارد للدولة للقيام بالمرافق الأساسية مثل الطرق والكباري والسدود ومحطات الكهرباء والمياه والإنفاق علي التعليم والصحة, فيما يسمي بالتعبير الحديث رأس المال الاجتماعي الذي نحتاج إليه لتنمية المجتمع وبناء دولة قوية ترفع مستوي معيشة أفرادها,هذا فضلا عن أن من أهداف الضرائب استخدامها في تذويب المستويات الاقتصادية بين أفراد وشرائح وطبقات المجتمع بما يسمي العدالة الاقتصادية والتي لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. ويري الدكتور فياض عبد المنعم أنه من الأولويات بجانب إقامة نظام ضريبي عادل ومتطور لتحقيق تلك الأهداف السابقة ينبغي الأخذ بنظام الزكاة والتي توجه حصيلتها إلي المصارف الثمانية المذكورة في القرآن, يقول تعالي: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم وقال إن غرض الزكاة الأول هو توفير حد الكفاية لكل فقير في المجتمع وضمان التكافل الاجتماعي الشامل لكل فرد في المجتمع, وبذلك يكون لدينا نظام مالي يجمع بين الضرائب العادلة الحديثة كمورد للإنفاق علي رأس المال الاجتماعي والمرافق الأساسية اللازمة للنهوض الاقتصادي ونظام الزكاة الذي يضمن توفير الحياة الكريمة لغير القادرين, ومن إيجابيات نظام الضرائب الحديث أنه لا يفرضه الحاكم أو رئيس الجمهورية وإنما يكون بتشريع من الأمة ممثلة في نوابها.