قدرت العديد من الدراسات حجم أموال الزكاة السنوية بأكثر من 18 مليار جنيه ولكن الواقع يؤكد أنه لا يمكن تحديد حجمها الحقيقي خاصة أنه لا توجد مؤسسة أو صندوق أو هيئة لجمع أموال الزكاة وتوزيعها علي مستحقيها مثلما يحدث في العديد من الدول الاسلامية الأخري. وقد وافقت لجنة الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف بمجلس الشعب الثلاثاء الماضي علي تشكيل لجنة لاعداد مشروع قانون لانشاء بيت المال كهيئة مستقلة تقوم بجمع الزكاة وتوصيلها الي الفقراء بناء علي اقتراح النائب محمد طلعت من حزب النور. أكدت اللجنة ان الهيئة لن تكون بديلة عن مصلحة الضرائب وأن أداء الزكاة من خلالها سيكون اختياريا وطالبت في افتراح بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط بانشاء بيت للمال تجمع فيه الزكاة والعشور وتوزع علي الفقراء وعمل مشروعات صغيرة ومتوسطة. الاسئلة التي تفرض نفسها هل هذا الاقتراح سوف يحل مشاكل الفقراء ومن الذي سوف يشرف علي هذه الهيئة المقترحة.. وما الطريقة لكيفية توزيع الزكاة هل هي مسئولية الأفراد أم مسئولية الدولة أم انها مسئولية جمعيات أهلية ومؤسسات خيرية وغير ذلك. "المساء الديني" ناقش هذا الاقتراح بايجابياته وسلبياته مع علماء الدين والاقتصاد الاسلامي.. وكانت هذه آراؤهم. * الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق أكد في تصريحات له انه كان قد تقدم بمشروع مماثل لجمع الزكاة عام 1997 عن طريق الاكتتاب في أسهم تدخل في مشروعات تنموية لصالح المحتاجين لكنه اختفي فجأة بجميع أوراقه ومستنداته. يري د. واصل ان هذا الاقتراح طالما أنه مستقل وليس بديلا عن مصلحة الضرائب سيكون جيدا لو أحسن استغلاله دون الاخلال بمنظومة الضرائب القائمة.. وأن توجه في بداية عملها لأطفال الشوارع وتشغيل الخارجين علي القانون حتي يعيش المجتمع في أمن وأمان. توقع د. واصل بأن يكون الاشراف علي هذه الهيئة من قبل الأزهر حتي يكتب لها النجاح.. فالأزهر مؤسسة كبري قادرة علي ادارة هذه الهيئة بكفاءة ونزاهة. أشار مفتي مصر الأسبق إلي ان هذه الهيئة لو كتب لها النجاح من الممكن ان تقضي علي البطالة خلال 10 سنوات بشرط ان تكون النوايا خالصة لوجه الله ويسعي الجميع إلي نجاحها. مشروع طيب يقول الدكتور حمدي طه الاستاذ بجامعة الأزهر: ان هذا مشروع طيب لو حسنت فيه النوايا.. وقام عليه المخلصون فكم من لجان قامت في مصر ودعوا إلي استقلاليتها عن الدولة ثم فشلت فشلا ذريعا وضاعت أموال الناس فعلي سبيل المثال لجنة ديون مصر التي دعا اليها المرحوم جلال الحمامصي وضاعت الأموال هباء ولم تسدد ديون مصر. فهذه اللجنة المزمع اقامتها يجب ان تتوافر فيها عدة شروط أولا: ان تكون مستقلة استقلالا تاما بعيدا عن الحكومة أو الجهات التنفيذية وأن يكون عليها رقابة شعبية. ثانيا: ان يقوم علي أمرها مجموعة من الأفراد المشهود لهم بحسن السمعة والسلوك والبعد عن الشبهات أما اذا قامت كأي هيئة حكومية مثل الضرائب أو التأمينات أو ما أشبه ذلك فإنني أري أنها سوف تفشل فشلا ذريعا لأنها سوف تخضع للبيروقراطية المميتة.. وستخضع في نفس الوقت للمحسوبية والمعارف وطالما هي قائمة علي التطوع الاختياري من الناس بدون أي محاولة من الجهات التنفيذية فإنني أري انها اذا شابها شائبة من قريب أو من بعيد فإن الناس سوف تعزف عن التبرع لها خاصة ان هناك جمعيات أهلية تقوم بهذا الدور علي أفضل قيام لولا تعنت المسئولين في الشئون الاجتماعية المشرفة عليهم لأنها اذا قامت برعاية شعبية مخلصة لوجه الله فان الجماهير سوف تقبل عليها وياحبذا لو وضع القائمون عليها بندا في الموائد الدائمة في الاحياء الفقيرة والعشوائية فان هذا سيكسبها سمعة طيبة. مسئولية أمة يقول د. طه حبيشي أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر ان الشريعة الاسلامية جعلت الزكاة مسئولية أمة ووظيفة نظام في اطار ضوابط صارمة.. غير أن هذه الأمة وهذا النظام لا يجوز له ان يتولي مسئولية الزكاة اذا كان نظاما اسلاميا خالصا والا اذا كان متصفا بقدر من الشفافية يناسب عظمة فريضة الزكاة.. فاذا غابت المنظومة الاسلامية في أمة أو اختلت قواعد الشفافية فيها فان المسئولية هنا تطوق رقاب الأفراد ولا تعطل فريضة الزكاة لأن هذه الفريضة في الأمة هي التي يترتب عليها ضخ كم هائل من السيولة في يد طائفة من الناس يقلل من عثرة الاقتصاد الاسلامي فينتفع بها الغني والفقير علي السواء. خلاصة القول كما يري د. حبيشي انه من الضروري ان تكون هناك وزارة أو مؤسسة مستقلة للزكاة بحيث تتولي مسئوليتها تحصيلا وتوزيعا وتكون ميزانيتها مستقلة عن ميزانية الدولة العادية وبالتالي سيرفع ذلك عن الدولة عبء القضاء علي الفقر وضمان الكفاية لكل مواطن لكي تتفرغ الدولة لمهمة التنمية الاقتصادية.. فالزكاة الأصل فيها ان تكون مسئولية الدولة من خلال ما كان يعرف ببيت المال أو وزارة الزكاة. سبعة أقسام يؤكد الدكتور محمد عبدالحليم عمر مدير مركز الاقتصاد الاسلامي السابق بجامعة الأزهر ان الله سبحانه وتعالي لم يرض في عملية توزيع الزكاة برأي ملك ولا رسول وانما قسمها إلي سبعة أقسام. ولابد ان نلتزم في صرفها وتوزيعها بما قرره الله في كتابه المجيد "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها. والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين. وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله. والله عليم حكيم" من سورة التوبة الآية رقم.61 ولذا لابد ان نلتزم بهذا الاطار في الزكاة و لكن السؤال الآن: كيف يتم ايصالها إلي الفقراء والمساكين؟ يقول د. عمر لقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا تحل الزكاة إلا لفقير يشهد ثلاثة من ذوي الحجة أنه فقير واليوم في ظل ضعف العلاقات الاجتماعية في الحي أو القرية أو المدينة يصعب علي الانسان ان يعرف الفقراء والمحتاجين فضلا عن ابن السبيل وهو الغريب في غير بلده فقير أو نفدت نقوده ولا يستطيع ان يصل اليها والغارمون وهو الشخص الذي غلبته الديون في حلال أي أنفق أمواله واستدان لاصلاح ذات ا لبين "للصلح" بالاضافة إلي العاملين عليها. ولذا فلابد ان تصرف الزكاة كما قالت الآية "إنما الصدقات للفقراء.. اعطيها ليد الفقير ولا أتصرف نيابة عنه في شراء أشياء له.. وعليه تكون الزكاة من نوعها. أي اعطي نقودا أو ثمارا أو زرعا"... الخ أما بالنسبة للغارمين وابن السبيل فمن الأفضل ان اشتري له ما يحتاجه أو أدفع عنه دينه. يوضح أن الخطأ في صرف الزكاة لا يجزأ أي لا يأخذ جزاءه عليها.. ولا تسقط الزكاة وذلك عندما أعطيها لأحد لايستحقها.. ولذا لابد من وجود جهة رسمية وشعبية تتولي ايصال الزكاة إلي مستحقيها حيث يوجد الكثير من المحترفين في الحصول علي الزكاة عدة مرات برغم وجود الكثير من المحتاجين المتعففين. ويضرب مثلا بدولة مثل باكستان التي انشأت ادارة اسمها ادارة المنتفعين. وكل من يعرف انه فقير تصرف له الزكاة وتقدم له بطريقة تحفظ كرامته ولا تحرج مشاعره. أضاف د. عمر انه توجد 14 دولة تطبق الزكاة في العالم الاسلامي وبعض الدول تحصل الزكاة عن طريق الحكومة مثل الحكومة السعودية التي تحصل الزكاة وتصرفها لمستحقيها عن طريق مصلحة الزكاة التي تنتشر فروعها في كل قرية وبلد. ولقد تقدمت بمشروع لتحصيل الزكاة عن طريق جهة رسمية وأعطيت النموذج الباكستاني ولكن للأسف لم تتخذ أي خطوة في سبيل تحقيقه. ويضيف: أن الله تعالي يقول: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم".. ويتساءل: كيف نعرفهم في ظل انعدام وجود المنظمات أو الهيئات المنظمة لتوزيعها؟