فى خطوة جديدة على طريق تحقيق الاستقلالية الاقتصادية وكسر طوق الهيمنة الغربية على المؤسسات المالية الدولية، صادق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مطلع مايو الجارى - السبت 2مايو- على اتفاق إنشاء صندوق مشترك لاحتياطيات النقد الأجنبى لمجموعة "بريكس"، الذى تم التوصل إليه خلال القمة السادسة للتكتل بمدينة فورتليزا البرازيلية (14-16يوليو من العام الماضي2014). ويبلغ إجمالى رأس مال الصندوق الجديد 100مليار دولار، توزع حصص تمويله على الدول الأعضاء كالتالى : الصين 41مليار دولار، روسياوالهندوالبرازيل 18مليار دولار، جنوب إفريقيا 5 مليارات دولار، على أن يتخذ من شنجهاى مقرا له ويبدأ أول عملياته للإقراض فى عام 2016، فيما أعلنت الهند تسمية الاقتصادى "كى فى كاماث" مدير ثانى أكبر البنوك الهندية وآخر خاص فى الصين، كأول رئيس له. وقد جاءت الخطوة الجديدة لتزيد من حجم المخاوف الغربية، خاصة الولاياتالمتحدة، من اتساع نفوذ المجموعة وقوة تأثيرها على النظام العالمي، بما بات يهدد مصالحها وربما فى القريب وحدتها، لاسيما بعد أن بلغ متوسط نمو اقتصاد "بريكس" أكثر من 6٪ سنويا، وهو يعادل أكثر من ضعف متوسط النمو السنوى لمجموعة السبع الكبار. ضف إلى ذلك دعوة اليونان من جانب موسكو مؤخرا الانضمام للصندوق الجديد لتصبح العضو السادس فى التكتل، مما وصف على كونه محاولة روسية ل"شق الصف الأوروبي" ردا على سياسة العقوبات الموقعة ضدها على هامش الأزمة الأوكرانية. وفى هذا السياق، أشار موقع إنترناشونال بيزنس تايمز الأمريكى - فى سياق تقرير نشره الثلاثاء 12مايو الجاري- إلى أن موسكو ترغب على ما يبدو فى استقطاب أثينا نحوها وإخراجها من الحظيرة الأوروبية، حيث تأتى الدعوة فى الوقت الذى تشتعل فيه حرب العقوبات ما بين موسكو والغرب بسبب الوضع فى أوكرانيا، بينما تكافح اليونان فى المفاوضات المتعلقة بديونها مع الدائنين من منطقة "اليورو"وصندوق النقد الدولي، للحصول على حزمة إنقاذ قدرها 7٫2 مليارات يورو. وهو ما دفع ب«أليكسيس تسيبراس» رئيس الوزراء اليونانى الجديد فى اتجاه محاولة الخروج من تحت العباءة الأوروبية لإيجاد مصادر تمويل جديدة، مما وضح خلال زيارته لموسكو فى أبريل الماضي. وكشف الموقع عن أن سيرجى ستورشاك، نائب وزير المالية الروسى وجه الدعوة فى اتصال هاتفى مع تسيبراس الذى وجه بدوره الشكر لموسكو، مؤكدا على أن بلاده ستدرس المقترح بجدية. وأوضح التقرير أن تسيبراس سيكون لديه فرصة لمناقشة الدعوة الروسية مع قادة آخرين فى مجموعة "بريكس" خلال المنتدى الاقتصادى العالمى فى سان بطرسبرج من 18- 20 يونيو المقبل. وفى المقابل، بدأت محاولة التشكيك فى قدرة المجموعة على الاستمرار بثبات فى رحلة الصعود نحو تغيير النظام العالمى على المستويين الاقتصادى والسياسي، حيث ذكرت مجلة بلومبيرج الأمريكية، وتحت عنوان "انهيار بريكس عام 2020" أن انكماش اقتصاد روسيا بحوالى 1٫8٪ العام الماضى نتيجة العقوبات الغربية، إلى جانب توقف نمو اقتصاد البرازيل عند أقل من 1٪ خلال العام نفسه بسبب فضائح الفساد، هو ما قد يضع ضغوطا على كاهل باقى الدول الأعضاء فى التكتل، مما قد يشكله هذا الانكماش من عرقلة لخططه، لاسيما فى ظل وصول اقتصاد الصين إلى نسبة نمو 7٪، والهند إلى 5٫5٪، فيما حافظت جنوب أفريقيا على موقعها كثانى أقوى اقتصاد فى القارة السمراء. إلا أنه وخلافا لذلك، فقد وقعت الصين 32 اتفاقية تعاون مشترك جديدة مع روسيا أثناء زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج الأخيرة إلى موسكو فى الثامن من مايو الجارى للمشاركة فى احتفالات الذكرى السبعين للانتصار على النازية، ليبلغ عدد اتفاقيات التعاون المشترك الموقعة ما بين البلدين خلال العامين الماضيين فقط 107 اتفاقيات، 55منها تم إنجازها و21تخص مشاريع بعيدة المدى و31 يتم إنجازها حاليا، أضخمها مشروع خط الحديد السريع "موسكو- بكين". كذلك فقد أعلنت بكين عن استثمار 50بليون دولار فى مشروعات تطوير البنية التحتية بالبرازيل خلال لقاء لى كيكيانج رئيس الوزراء الصينى الرئيسة ديلما روسيف الثلاثاء الماضي. ووصل حجم التجارة ما بين البلدين خلال العام الماضى إلى 86٫67مليار دولار، فيما بلغ حجم الاستثمارات الصينية فى البرازيل حوالى 18٫94مليار دولار، لتحافظ بكين على مكانتها كأكبر شريك تجارى للبرازيل على مدار الأعوام الستة الماضية. إلى جانب هذا فقد ألمحت الصين إلى إمكانية مشاركة روسياوالهند فى مشروعها الضخم لإحياء "طريق الحرير العظيم" خلال مباحثات على مستوى وزراء الخارجية جرت فى الثانى من فبراير الماضى فى بكين، مما يشير إلى ارتفاع مستوى التنسيق والتعاون المشترك ما بين دول التكتل حفاظا على قوته المتصاعدة. هكذا تبدو "بريكس" ومع تولى موسكو رئاسة المجموعة - منذ أبريل الماضى ولمدة عام- استعدادا لانعقاد القمة السادسة فى مدينة أوفا الروسية (8-10 يوليو المقبل) ماضية بثبات فى طريقها نحو تحقيق أهدافها المرسومة لها، وعلى رأسها بناء نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب، كما قال الرئيس بوتين إنه"خلال هذا الوقت القصير نسبيا من تأسيسه، أثبت التعاون أنه كاف ومؤثر من أجل تعزيز موقع التكتل فى النظام الدولي، حيث يقوم أعضاؤه بتعاون أكبر وأكبر فى مواقفهم تجاه القضايا الأساسية على الأجندة الدولية، مضطلعين بدور فاعل فى نظام عالمى متعدد الأقطاب وفى تطوير نموذج حديث لنظام التجارة والاقتصاد العالمي".