الحب هو صانع المعجزات ، هو الرداء الفضفاض الذي يرتديه العشاق ليبدعوا ويحلقوا وينجزوا ويبهروا ويطوروا ، فما بالك إذا كان المحب في الأصل فارسا ومحاربا من طبقة " الساموراي " قادم من العصور الوسطي مرتدياً ملابسه المخملية التقليدية الواسعة وحاملاً سيفه وفارداً قلاع الحب وهو يجوب العالم كله ليعود لمحبوبته “ اليابان “ بلاده بحقيبة سفر ضخمة لم تكن محملة بالهدايا بقدر ما كانت تضم أسباب تقدم ونهضة الأمم الأخري وبين الهدايا الغريبة كانت هناك صورة نادرة التقطها أحد المصورين الإيطاليين ( أنطونيو بياتو ) لمجموعة من الساموراي ( المحاربين اليابانيين ) بملابسهم التقليدية أمام تمثال أبو الهول بالجيزة .وهذه الصورة هي وثيقة هذا الأسبوع وهي صورة نادرة لا يوجد منها إلا نسخ قليلة محفوظة في بعض أرشيفات العالم وعلي رأسها اليابان ولها حكاية يقصها الأثري أحمد عبد الفتاح فيقول إن البداية كانت حينما قرر الإمبراطور “ كوماي “ إرسال وفد دبلوماسي مكون من 34 من المحاربين “ الساموراي “ الي أوروبا في 29 ديسمبر 1863 بقيادة “ أيكيدا نجواكي “ حاكم مقاطعة “ فكوكة “ بغرض إقناع فرنسا بالموافقة علي إغلاق ميناء يوكوهاما أمام التجارة العالمية والسماح لليابان بالانسحاب الي العزلة من جديد ولكن هذه المهمة باءت بالفشل .. وفي طريق الذهاب الي فرنسا زارت بعثة “ الساموراي “ مصر ولتخليد هذه الزيارة التقط “ بياتو “ صورة لأفراد البعثة عند سفح الأهرامات وبين أحضان أبي الهول ، وهي من أهم الصور التي إلتقطت في القرن التاسع عشر حيث يظهر واضحاً فيها المزج بين حضارتين من أهم الحضارات العالمية ( اليابانية والفرعونية ) أو بلغة اليوم الحداثة المتمثلة في اليابان بكل تقدمها حالياً والأصالة والتاريخ ويمثلهما أبو الهول الرابض منذ قديم الأزل ليشهد ويوقع علي شهادات ميلاد أمم وحيوات جديدة ، وقد ظهر أعضاء الوفد بملابسهم الرسمية المكونة من زي “ الكاميشيمو “ المجنح وتحته الرداء الياباني الطويل وقبعة “ جينجاسا “ .
ويؤكد عبد الفتاح أن البعثة بمجرد وصولها الي ميناء السويس إستقل أفرادها القطار الي القاهرة حيث قضوا ثلاثة أيام زاروا خلالها الكثير من الأماكن الأثرية مثل الأهرامات التي إنبهروا بها والقلعة ومسجد محمد علي
ثم إستقلوا القطار مرة أخري ( هذه الأعجوبة البخارية التي تبدو وكأنها جزء من أحد الأساطير ) إلى الإسكندرية لمواصلة رحلتهم لفرنسا .. والمثير للدهشة والعجب والحسرة أيضاً أن الساموراي أجداد واحدة من أكثر الدول تقدماً حالياً أصيبوا بالدهشة عندما وجدوا في مصر قطارًا وسككا حديدية، في الوقت الذي لم تكن اليابان قد عرفت القطارات بعد وسجلوا إعجابهم الشديد بالسرعة التي كان يسير بها هذا الاختراع الأعجوبة ، بالإضافة الي أنهم أشاروا في كتاباتهم التي سجلوها عن الرحلة الي الكثير من شوارع القاهرة وحماماتها العامة ورصدوا أنها أنظف من الحمامات العامة في اليابان. وإن كانت أغلى من حمامات طوكيو وهو ما اعتبروه مؤشرًا على الرخاء الاقتصادي الذي كانت تعيشه مصر آنذاك، في الوقت الذي كانت فيه اليابان تتلمس طريقها للتقدم…كما أبدوا إعجابهم بالتلغراف الذي لم تكن اليابان قد عرفته بعد… وفي النهاية سجلت البعثة إعجابها بالدولة الحديثة التي تمكَّن محمد علي من بنائها في مصر منذ عام 1805 واستكمل العمل علي تحديثها الخديو إسماعيل الذي كان يحكم مصر عند وصول الساموراي .
ومن المعروف أن “ الساموراي “ هو اللقب الذي يطلق على المحاربين القدماء وتعني الكلمة «ساموراي» في اللغة اليابانية “ الذي يضع نفسه في الخدمة” وقد استخدم اللفظ في «فترة إيدو» لتمييز الرجال الذين كانوا يسهرون على حفظ الأمن ثم تم تعميم هذه الكلمة لاحقا على كل الرجال المحاربين في اليابان وتتميز ملابسهم بشكل موحد ويصففون شعورهم بشكل مميز ، ويستعمل الساموراي مجموعة من الأسلحة مثل الأقواس والسهام والرماح والبنادق، ولكن سلاحهم الرئيسي ورمزهم كان السيف.
وتسير حياة الساموراي وفق قانون أخلاقيات («طريق المحارب»)، كالانضباط واحترام الذات والسلوك الأخلاقي، والولاء لسيده.
بقي أن أقول أن الحب هو ترمومتر ومقياس التقدم في كل بلد ، فبقدر حبك لبلدك بقدر ما تتقدم الامم ، هذا هو المثال الرائع الذي ضربه اليابانيون الذي قاموا من كبوتهم بعد الحرب العالمية الثانية وبعد مصيبتهم في هيروشيما ونجازاكي ليبهروا العالم كله ، وهذا النموذج الياباني لحب الوطن يعطي مزيداً من الأمل ويطلق شعاع من نور أن النجاح ممكن وليس مستحيل بشرط الحب والإخلاص والعمل .. والله علي مصر واليابان زمان والآن .