في عام1862 م, قررت اليابان إرسال بعثة الساموراي إلي بلاد كثيرة للوقوف علي أسباب نهضتها وتقدمها, وذلك بهدف الاستفادة من التجارب المختلفة التي خاضتها تلك البلاد في النهوض والتقدم. ومرت البعثة ضمن برنامج زيارتها بمصر, ومازالت صورتها امام أهرام بالجيزة محفوظة ضمن الوثائق المهمة لمكتبة البرلمان الياباني الدايت ونزلت البعثة في ميناء السويس, واستقل أعضاؤها القطار من السويس للقاهرة, حيث قضوا ثلاث ليال زاروا خلالها العديد من الأماكن كالقلعة ومسجد محمد علي ومن القاهرة استقلوا القطار أيضا إلي الإسكندرية لمواصلة رحلتهم لأوروبا التي بدأت بفرنسا, وفي طريق العودة مرورا بالطريق نفسه, حيث لم يكن العمل في شق قناة السويس قد انتهي بعد وقد اصيب أعضاء البعثة بالدهشة عندما وجدوا في مصر قطارا وسككا حديدية, في الوقت الذي لم تكن اليابان قد عرفت القطارات بعد! بل وسجلوا اعجابهم الشديد بالسرعة التي كان يسير بها قطار السويسالقاهرة, ومما أثار إعجابهم النظافة المنقطعة النظير بالحمامات العامة في القاهرة وقالوا انها أنظف من الحمامات العامة في اليابان, وان كانوا قد ابدوا دهشتهم من أن حمامات القاهرة أغلي من حمامات طوكيو في ذلك الوقت! وهو ما اعتبروه مؤشرا علي الرخاء الاقتصادي الذي كانت تعيشه مصر آنذاك, في الوقت الذي كانت فيه اليابان تتلمس طريقها للتقدم, وأبدي أعضاء بعثة الساموراي اعجابهم ب التلجرام أو التلغراف الذي لم تكن اليابان أيضا قد عرفته بعد. وسجلت البعثة إعجابها بالدولة الحديثة التي تمكن محمد علي من بنائها في مصر(1805 1948 م). ومنذ هذه الزيارة اخذ كثيرون من الباحثين والمسئولين الرسميين في اليابان ينظرون إلي مصر بجدية أكثر ونظرة مختلفة عن تلك التي ينظرون بها إلي افريقيا واستراليا, وعندما اعتلي الامبراطور الياباني ميجي الحكم بعد ان قضي علي عزلة اليابان التي استمرت قرابة260 عاما نظرت حكومة ميجي إلي مصر آنذاك علي أنها نموذج يحتذي به ومثال وخبرة لابد لليابان ان تدرسه وتستفيد منه وقد توافد المثقفون اليابانيون لاجراء أبحاث ودراسات عن النظام القضائي والقانوني في مصر ليستفيدوا من الخبرة المصرية في كيفية مواجهة مشكلات مماثلة في اليابان, وخصوصا مشكلة الأجانب ومن ثم ظهر كتاب المحاكم المصرية المختلطة الذي كتبه هارا كيه(HARAKEI) عام1889 م.. إنها ذكريات عن مصر التي نرجو أن تعود إليها مكانتها وعظمتها. د. نبيل فتح الله الأستاذ بهندسة الأزهر