سأظل أعاود الحديث عن علاقة الانسان بالمكان فى مصر، لأننى أفهمها بوصفها مقدمة تفضى الى الانتماء الوطنى الشامل، وهى قيمة تآكلت إلى حد مشارفة التلاشى خلال عملية يناير 2011. البنى آدم يظل على علاقة عاطفية ووجدانية بقريته وبحيه وعمارته ومدرسته، لأن أيا من تلك الوحدات يعنى منظومة هائلة من الأفكار والذكريات والمشاعر. فيها يتبلور معنى (الوطن) الذى حرصت أن أسأل عنه كل ضيوفى فى حلقات (الانتماء) حين قدمتها فى برنامجى التليفزيونى (حالة حوار)، وقد جاءت معظم اجاباتهم تحدد- فعلاً- ذكريات العلاقة بالمكان كأولى الركائز والعمد لفكرة الانتماء الوطني. وحى مصر الجديدة هو أحد معاقل الطبقة الوسطى التى عاشت تحت ضغوط مروعة فى هذا البلد السعيد، فتراجعت عن أن تكون قدوة اجتماعية كلاسيكية، و«فعصتها« جحافل الرأسمالية الجديدة ورجال الأعمال الذين يريدون أن يكونوا قدوة اجتماعية بالعافية وبقوة المال فقط، و«أزاحتها« جموع المعدمين الغاضبة التى لا تملك اطاحة طبقة الأثرياء المستقوين، ورأت فى الطبقة الوسطى فريسة سهلة عمدت الى المشى فوقها بأقدام الجائعين العارية. وقد تعرض حى مصر الجديدة لاغارات وحشية استهدفت المعمار والحدائق والطابع والثقافة والقدرة على انتاج الحياة على نحو ألفوه أو فهموه. وقد لاحظت ذلك الحنين- الذى تجلى فى عدد من أفلام السينما- لمصر الجديدة سواء أكان ذلك فى (الوسادة الخالية) أو(هليوبوليس) أو(ضحك ولعب وجد وحب) أو (شقة مصر الجديدة) وهو حنين للمكان تلبس عدة أجيال عاشت فى الحى وقتما كانت له ملامح وطعم وصورة. صورة..نعم اليوم رأيت لافتات عن مسابقة للتصوير الفوتوغرافى بعنوان (تراث مصر الجديدة) تحت رعاية محافظة القاهرة ومركز رؤية للفنون. عشرات من الصور أبدعها مصورون محترفون وهواة لشكل العمارة والحياة فى مصر الجديدة، وهى تحاول احياء ذكريات أجيالنا عن مكان أحبته وعاشت فى راحته وتحت ظلاله، وتبغى خلق تيار من الوعى عند- من لم يعش زمان ظهور وميلاد مصر الجديدة أو شبابها-. هى محاولة بديعة لبعث (مصر الجديدة) التى نحاول اعادة تصنيعها حتى على المستوى السياسى ! لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع