كنائس كفر الشيخ تحتفل بأحد السعف | صور    مذكرة لرئيس الوزراء لوقف «المهازل الدرامية» التي تحاك ضد المُعلمين    حزب الوفد: نرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح الفلسطينية    كم حصيلة مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج؟ وزير المالية يجيب    الرئيس السيسي: أنفقنا مليارات الدولارات لتجهيز بنية أساسية متكاملة    يعتقلون طلابهم ويحاضرون عن حرية التعبير!    عبلة الرويني تكتب : نهار مخيمات الاحتجاج الأمريكي !    30 مليار دولار خسائر أولية في قطاع غزة.. و72% من ضحايا الحرب أطفال ونساء    دعما لفلسطين.. مظاهرات الطلاب تتسع بالجامعات الأمريكية وتصل كندا    انطلاق مباراة المقاولون العرب وسموحة بالدوري    شاهد سامسون يسجل.. الزمالك يضرب دريمز بالهدف الثاني    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    النائب هشام حسين يتقدم بسؤال بشأن استعدادات الحماية من حرائق الصيف    في ذكرى ميلاد نور الشريف.. مسيرة فنية حافلة ل«محمد جابر»    وزير الصحة: إشادات عالمية بنجاح مصر في القضاء على فيروس سي    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    «بحوث القوات المسلحة» توقع بروتوكولًا مع «المراكز والمعاهد والهيئات البحثية بالتعليم العالي»    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    بحضور محافظ مطروح.. قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات    «أبو الهول» شاهد على زواج أثرياء العالم.. 4 حفلات أسطورية في حضن الأهرامات    رئيس وزراء الأردن يحذر: أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية ستؤدي إلى تفاقم معاناة غزة    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    تحرير 78 محضرا في حملة للمرافق لضبط شوارع مدينة الأقصر    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    عاجل| البيت الأبيض: إسرائيل طمأنت واشنطن بأنها لن تدخل رفح الفلسطينية حتى يتسنى لنا طرح رؤانا ومخاوفنا    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 18886وظيفة معلم مساعد بوزارة التربية والتعليم    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قرار جديد من القضاء بشأن 11 متهماً في واقعة "طالبة العريش" نيرة صلاح    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبنودى معجزة لا تموت
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 04 - 2015

كان رحيل الأبنودى أكثر من متوقع، ومع هذا أحدث برحيله غير المفاجئ صدمة هائلة أصابتنا باضطرابات ما بعد الصدمات.وإذا كان قد مات وصار جزءا من أمنا الطبيعة فقد بقى لنامنه ما لا يمكن أن يموت: إبداعه البوليفونى الشامل المتعدد الرؤى والطبقات والألحان والألوان، الذى كان ثمرة ناضجةلأُخُوَّته الحميمة مع الملايين من بنات وأبناء شعبه، يُلهمونه ويُلهمهم، يُغذونه بتجربتهم، فيُغذيهم بإبداعه، الذى كان مكوِّنا من مكوِّنات الشعب المصرى والعربى؛ بعد أن صار قوت يومه، وغذاء روحه ووجدانه، طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمان.
وبين الموت المحتوم والإبداع الذى لا يموت، كان هناك حب متبادل مع الناس، باستثناء أعداء النجاح، وسيُحْرَم من حكمته وأفكاره وتعاطفه ودعاباته المتواصلة ليس فقط أسرته وأهله وأصدقاؤه بل كذلك كل البسطاء الذين جمعته بهم صلة حميمة، وكانت معاناتهم ينابيع لإلهامه.
وقدارتبط بعلاقة شخصية طوال عشرات السنين بالناس الذين وجدوا أنفسهم فى شعره وأغانيه وفى شخصه، وكان الأبنودى صوتهم الذى فجَّر لديهم صوتهم الخاص، الصاعد من أعماقهم، معبِّرا عن معاناتهم وأمانيهم.
وتفجَّر كل هذا الحب الجارف الذى حمله الشعب لشاعر أنضج وعيه وفكره وضميره ووجدانه،وشدّ أزره فى مختلف منعطفات انتصاراته وانكساراته، من السد العالى وجوابات حراجى القط، إلى هزيمة 67 وحرب الاستنزاف ووجوه على الشط، على خط النار فى السويس، وإلى حرب 73، التى أحزنته نتائجُها السياسية، وأخيرا إلى ثورة يناير 2011 الشعبية. وفى أثناء كل هذا ظل يرفع الوعى الوطنى الطبقى المعادى للاستعمار والرجعية العربية والدولة الإسلامية، واقفا إلى جانب الفقراء وثوراتهم فى كل مكان، من فيتنام إلى فلسطين إلى كوبا، فى مواجهة الوعى الزائف الذى تنشره دعاية النظام فى كل عهوده.
وارتبط الأبنودى بالتراث الشعبى المدوَّن فى الكتب، والحىِّ فى ذاكرة الناس، فاغترف منه فى الشعر والأغنية. وكان من إنجازاته الكبيرة تحقيقه للسيرة الهلالية، وكان كل إنجاز له يكفى لأن يجعل منه أديبا كبيرا، عظيم العطاء، وعميق التأثير.
ومن مآثره الكبرى، مع كوكبة من الشعراء المجيدين، أنه طوّر بلغة إسقاط الإعراب، المسمَّاة بعدوانية أصولية بالعامية، شعرا رفيعا عبَّربخصوبة وثراء وبلاغة عن هموم وأمانى الشعب من قلب تراثه وحياته.ورفع هو وزملاؤه مكانة هذه اللغة إلى أعلى عِلِّيِّين، وكان دوره فى هذا المجال فريدا وحاسما ليس فقط لاستيعابه لتراث الشعب، أو لبلاغته التى تتبدَّى فى كل بيت وكل عبارة وكل كلمة، بل أيضا لأن الشعب كله ارتبط بشعره الغنائى وبأغانيه وبشخصيته الكاريزمية، فبدون هذا تموت اللغات.
وقد نستدعى دور شعراء كبار، مثل جاهين وبيرم وحداد، فى رفع مكانة لغة إسقاط الإعراب المسماة بالعامية المصرية، ومكانة أدبها فى الشعر بالذات، غير أن للأبنودى الذى جاء إلى القاهرة من أقصى الصعيد يسعى، مأثرة كبرى هى أنه لم ينغلق على التعبير عن حياتها وهمومها باللغة القاهرية القاهرة، كما فعل أغلب الشعراء المهاجرين إليها، فهناك إنجازه المُعْجِز المتمثِّل فى تطويع لهجته الصعيدية المحلية فى قريته أبنود ومحيطها لكتابة الشعر بعبقرية، وبهذا رفع المكانة الأدبية للهجته المحلية، متجاوزا كل ما عرفنا قبله وبعده فى أدب هذه اللغة، بفضل انكبابه المألوف بجدية مطلقة على كل مشروع من مشاريعه الأدبية.
وقد كتب باللغة المسماة بالعامية المصرية شعراء كبار من جيل سابق عليه، وهناك قيمة شعرية كبرى فى أغانى بيرم التونسى وفى بعض قصائده، وفى معجزة رباعيات صلاح جاهين وفى بعض قصائده، وفى أغانى سيد درويش، غير أن مأثرة من مآثر الأبنودى تتمثل فى تطويره الحاسم للشعر الغنائى الحديث مع كوكبة من شعراء اللغة المسمَّاة بالفصحى مثل صلاح عبد الصبور، وحجازى، وأمل دنقل، وآخرين، ومع كوكبة من كتّاب لغة إسقاط الإعراب، من جيله، ومن جيل لاحق.
ومع صلاح جاهين، نقل الأبنودى الأغنية المصرية من مرحلة الأغانى الغارقة فى العاطفية المبتذلة المفتعلة.على أن أمّ كلثوم التى تألقت مع جاهين وبيرم والخيام وأحيانا رامى، أضفت من لَدُنها قيمة فريدة على أغلب أغانيها التى لا قيمة لكلماتها. وجاء الأبنودى فأحيا تراث رؤى أغانى سيد درويش بمرحلة جديدة تتغنَّى بالحرية والحب والتعاطف والتضامن والوطنية والطبقية والشعبية والقِيَم الرفيعة ارتفعت بذوق المتلقى ووعيه بدوره فى الحياة. وتألَّق الأبنودى أيضا بأغانيه الجميلة بتلك اللهجة الصعيدية المحلية التى جعلها هو مُتاحة لاستخدام الشعر الغنائى والأغنية.
وأشير هنا بسرعة إلى كرمه ومواقفه الإنسانية، حيث ظل يجده، كل من احتاج إليه، واقفا إلى جانبه. وكانت حالتى واحدة من حالات لا حصر لها،وبدون وقوفه الحاسم إلى جانبى ماديًّا ومعنويًّا، وبدون موقف الصديقين الأكاديميين الإيطاليين لورنسو كاسينى وچيناريو جيرڤازيو، ومئات من الأصدقاء فى مصر والخارج ما كان ليتيسَّر علاجى من سرطان الكبد، بالزراعة الكلية للكبد فى إيطاليا، فى 2007، وكان يشكرنا بدلا من أن نشكره.
لمزيد من مقالات خليل كلفت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.