( لما احتل نابليون بونابرت مصر أمربترجمة كاملة لفقه وأحكام المذهب المالكى ، وتم صياغتها فى صورة تطبيقية على هيئة مواد والتى تَكَّون منها القانون المدنى الفرنسى الذى حل محل القانون الرومانى الذى كان مطبقا فى فرنسا وأُطلق عليه اسم " كود أومجموعة نابليون " وهى مأخوذة من الفقه المالكى عدا ما يتعلق بالأسرة بنسبة تصل إلى 95 % ) . فمن قال إن الإسلام لم ينظم أمور الدين والدنيا ، وأنه سلطة دينية ودنيوية لم يقرأ الكتاب والسنة ولا تاريخ الأمة . فما هو مؤكد أن كل ما فى الدين له علاقة بالدنيا ، وكل ما فى الدنيا مختلط بالدين . فالصلاة مثلا ظاهرها أنها لحساب الدين ، ولكنها لا تصح إلا بطهارة البدن والوضوء قبل الصلاة ، وهذا لفائدة الجسد فضلا عما فى حركات الركوع والسجود والجلوس للتشهد من فائدة . والمأكل والمشرب وهما يتوقف عليهما حياة الإنسان ليسا أمرا دنيويا ماديا منفصل عن الدين ، فلابد أن يكونا طيبين ومن كسب حلال ،وألا يكونا ميتة أودما أولحم خنزير ،وأن لا يُسرف الإنسان فيهما . فهذا الدين لم يأتى لكى يُحبس ويُمارس فى المساجد فقط ، بلا هو نظام شامل وجامع لكلا الدارين ،ولذا كان لا بد من سلطان واجبه أن يُحافظ على الأمرين معا . وكما يقول الماوردى فى كتابه " أدب الدنيا والدين " : ( إن الدين والسلطان توأمان : الدين أساس والسلطان حارس ، وما لا أساس له فمهدوم ، وما لا حارس له فضائع ) . ويكفى أن يهود المدينة – وهم من هم فى العداوة للدين وصاحبه صلى الله عليه وسلم – كانوا يقولون للصحابة : إن نبيكم – صلى الله عليه وسلم - لم يترك لكم أمرا من أمور دينكم إلا علمكم إياه حتى الخراءة " دخول الحمام " ). وقد يقول قائل : وأين نجد فى هذا الدين الشامل ما يُفصل لنا الأمور الإقتصادية والزراعية والصناعية والإنتاجية وغيرها ؟ نقول : ( إن هناك ثمة قواعد أصولية فى الإسلام تؤكد وتبين أن الإسلام فى غير العبادات والمعتقدات يسمح باختلاف النظم تبعا لاختلاف الزمان والمكان ، وأنه لا يتضمن فى المسائل الدنيوية سوى الأسس العامة دون إيضاح التفصيلات الواجب اتباعها ، فهذه تختلف باختلاف الدول ، ومن هذه القواعد الأصولية : رعاية المصالح المرسلة ، والمشقة تجلب التيسير ، ولا ضرر ولا ضرار ... والرسول صلى الله عليه وسلم مثلا لم يعين خليفة بالاسم ، ( وإن كان قد أشار إلى أبى بكر رضى الله عنه تلميحا فى أكثر من موضع ) لأنه لو استخلف لاعتُبر ذلك تشريعا لا يملك المسلمون من بعده الخروج عليه ، ولأضفى ذلك على المستخلفين صفات القداسة التى قد تخرج بشاغل المنصب عن واجباته كمجرد حاكم للمسلمين ( مبادىء نظم الحكم فى الإسلام ومدى تأثر الدستور المصرى بها – محمد جعفر). والخليفة أوالحاكم فى الإسلام لا يستمد سلطته من الله كما فى المذاهب الثيوقراطية التى سادت أوروبا لقرون ، حيث كان الحاكم أوبابا الكنيسة مقدسين لأنهما يستمدان سلطتهما – كما قالوا - من الله ، ولكن الحاكم فى الإسلام لا يُوحى إليه ولا يُشرع ، وما هو إلا مُنفذ لأحكام الدين ، وسلطة تفسير القرآن والأحاديث النبوية متروكة للعلماء .. والبابا عند المسيحيين له سلطان إلهى ، فهو ينفرد بتلقى الشريعة عن الله ، وله حق الأثرة بالتشريع ،وله فى رقاب الناس حق الطاعة لا البيعة ، فليس للمسيحى ما دام مسيحيا أن يُخالفه ) ( المصدر السابق ) [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة