فى وقت نجد فيه الأمة الإسلامية أحوج ماتكون إلى التمسك بثوابتها وعقيدتها, فى وجه الأخطار المتربصة بنا، يخرج علينا باحث هو إسلام بحيرى، ليطالبنا وعلى وجه السرعة بحرق كل كتب التراث التى تحمل تعاليم الدين وتفاصيل العبادات، ويؤكد التخلص من كتب الأئمة الأربعة أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل، وغيرهم من التابعين الذين اهتدوا بالصحابة والرسول الكريم, حيث يذكر أن التراث به تجاوزات ضد المرأة والزواج والردة وغيرها، ولكن هذا المنطق مغلوط تماما، فهل وجود بعض المواقف فى التراث تستدعى الحوار والنقاش، يبيح لنا أن نحرق التراث إجمالا، لنصبح أمة بلا جذور وبلا قواعد نقف عليها!!, علما بأن الأزهر نفسه لم يقل إن تراث التابعين مقدس بل يُؤخذ منه ويُرد، لأن كل إنسان يخطئ ويصيب، فكيف نحرق علومنا الدينية، لأن بها بعض الشوائب، التى يمكن تصحيحها أو تعديلها إذا جاز هذا. وربما تجاهل الباحث إسلام أن أمتنا، عاشت أمجادها وأصبحت سيدة العالم فى العصور التى كنا فيها نوقر هذا التراث ونجله ونقدره، فلم يكن هذا التراث يوما مصدر تخلفنا كما يرى، بل ربما جاء تخلفنا عندما أهملناه, وألقينا به جانبا, فجاء هو ليطالبنا بحرقه، حتى لا يكون لنا تاريخ من أصله، ونُعلق فى الهواء. إن مطلب حرق التراث يحمل فى طياته هجمة شرسة على هذه الأمة، تفوق حتى الهجمات المسلحة ضدنا، فقد تعرضت بلادنا للغزوات على مر القرون، وكلما انتصر الاحتلال، تأتى أجيال لاحقة تجاهد وتحرر الأرض، ولكن من يطالبون بحرق التراث، هم أشد خطرا من الاعتداء المسلح، لأننا عندما نحرق تراث الأمة وذاكرتها، فإن الأجيال القادمة لن تجد ما يحميها فكريا، وستكون أضعف من الخواء، وستضيع فى مهب الريح، وحينها إذا جاء الاحتلال فلن نستطيع إخراجه، لأننا بلا هوية، إن الأرض إذا ضاعت فإنها بالكفاح تعود، أما التراث إذا ضاع، وأحرقناه بأيدينا، فإنه لن يعود. لمزيد من مقالات د.عبد الغفار رشدى