لقد ثبت بالبرهان واليقين ومواقف عشرات السنين الماضية أن المصريين يعشقون الفرح فى وقت الأزمة وتعلو فى نفوسهم درجات التفاؤل والعزيمة والمقاومة ويبحثون عن السعادة عندما تشتد بهم الاحزان والنكبات، فإنهم حافظون لعهدهم وعادتهم وتقاليدهم واحتفالاتهم بالربيع مهما كان هذا الربيع خاليا من الابتسامات والنسمات. فى نبروه محافظة الدقهلية يصنعون من الفسيخ شربات، فعلا لا مثلا خيالياً دارجاً، والشربات هنا ليس الشراب اللذيذ، وإنما الطعم المتميز والطازج والفاخر والصنعة الفائقة، فالفسيخ هنا له شهرة تاريخية على مستوى الجمهورية، وعندما يقترب شم النسيم من الطبيعى أن يذهب الذهن مباشرة إلى نبروه عاصمة جمهورية الفسيخ، المدينة قريبة من بحيرة البرلس بكفر الشيخ وبلطيم على البحر المتوسط، حيث يصل السمك منها إلى التصنيع مباشرة، وتضم حوالى 40 محلا كبيرا ومصانعا للفسيخ، ويعمل بهذه المهنة آلاف العمال، ولا يكاد يخلو شارع منها دون أن تجد فيه متجرا لبيع الفسيخ. ويأتى الزبائن نبروه من الصعيد ومن الإسكندرية وأحيانا من العواصم العربية ليحصلوا على بضاعة مختلفة، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد بدأت صناعة الفسيخ فى نبروه مع بداية الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث استحوذ قلة من المحتكرين على معظم الأراضى الزراعية، فاضطر أكثر أبناء القرية للبحث عن مهنة أخرى، فكان الصيد وتمليح الأسماك وبيعها للمدن والقرى المجاورة، حتى ذاع صيتها فى هذه الصناعة وأصبحت نبروه هى "بورصة الفسيخ فى مصر"، وهناك روايات أخرى تؤكد أن عددا من أبناء نبروه بدأوا فى الثلاثينات من القرن الماضى يسافرون إلى بلطيم والمدن الواقعة على بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، عن طريق خط سكك حديد الدلتا القديم، وشراء أسماك البورى والطوبار من صيادى البحيرة وتمليحها، وأصبحت مهنة لهم تتوارثها الأجيال . وتبدأ عملية صناعة الفسيخ بشراء السمك من المزارع النظيفة وجيدة السمعة، خاصة التى تقدم للأسماك أجود الأعلاف المركزة، وأشهر المزارع التى يتم الشراء منها تقع فى بورسعيد وسهل الطينة ومنطقة رمسيس بالمطرية وأرض المطار القديم بالجمالية دقهلية، ومصانع نبروه ترفض التعامل مع المزارع السمكية التى تستخدم الأعلاف الممنوعة فى إطعام أسماكها، ويتم اختيار ثلاثة أنواع لتصنيع الفسيخ وهى البورى والطوبار والسهيلى . يقول أحد أصحاب محلات بيع الفسيخ والمعروف بفسخانى المشاهير إن السمعة التى بناها فى سنوات طويلة وجعلت الفنانين ولاعبى كرة القدم والإعلاميين والسياسيين يقصدونه منبعها حسن اختياره لنوعية الأسماك الجيدة والطريقة الصحيحة فى التصنيع، من خلال وضع الأسماك فى براميل خشبية معدة خصيصا، وتوافر المخازن للتمليح والملح الخاص بالسمك وهو ملح خشن "شركات" . وحول أسعار الفسيخ فإنه يتفاوت حسب نوعية السمك وفترات السوق، ويبدأ الكيلو من 35 جنيها ويصل إلى 50 أو 55 جنيها للنوع الفاخر، مشيرا إلى أن الأسعار قد تزيد أحيانا مع اقتراب يوم الاحتفال بشم النسيم على قاعدة العرض والطلب،و يحذر من تصنيع بير السلم والعشوائيات فى مجال الفسيخ، والذى يلجأ إليه غير المتخصصين ويسبب أضرارا بالغة على الصحة، لكنه يؤكد أن أسماك نبروه بعيدة تماما عن ذلك .