يتحدد الدور الإقليمي للدولة بمجموعة من المعايير التي تتفاعل معا وتشكل قدرات الدولة ثم مكانتها في الإقليم وفي العالم, فالمتغيرات الديموجرافية والجغرافية والموارد الطبيعية والاقتصادية والمالية والقدرات العسكرية والرؤي السياسية والإرادة القومية تحدد مكانة الدول ودورها, وهكذا فإن مقدار وفاعلية الدور يتحدد بالبيئة الداخلية قبل أي اعتبارات أخري. ولا شك في أهمية النظام الإقليمي العربي في النظام الدولي الراهن, إذ يضم ما يربو علي300 مليون نسمة وينتج أكثر من30% من بترول العالم وفوق50% من الغاز الطبيعي, كما يشكل سوقا رائجة لمنتجات الدول الأخري, وخاصة العسكرية منها, إذ يحتل قائمة الاقاليم المستوردة للسلاح, ويضيف إلي الأهمية البالغة لهذا الإقليم موقعه المتوسط بين أقاليم وقارات العالم المختلفة واحتواؤه علي الممرات الاستراتيجية الكبري في العالم, من ثم تركز معاهد الدراسات الاستراتيجية علي أهمية تحقيق استقرار وأمن تلك الممرات كحصانة للتقدم الاقتصادي والحضاري الغربي والشرقي, ومن جانب آخر, فإن الاقليم يضم أيضا غالبية القوي الإسلامية المحافظة والتي خلقت خوفا إن لم يكن هوسا شديدا لدي الغرب بعد أحداث سبتمبر2001 ومن ثم تسارعت الدعوات والضغوط علي الدول العربية والدول الإسلامية بصفة عامة من أجل إعداد وتنفيذ خطط للإصلاح السياسي الديمقراطي وتهيئة المنطقة لموجة من الاعتدال بغية تحقيق الاستقرار. وفي قلب هذا الإقليم تقع مصر, الدولة الإقليمية المركزية التي تنافست عليها القوي الكبري عبر التاريخ, سواء بمحاولة احتلالها أو كسب النفوذ عليها أو استقطابها بغرض الاستفادة من دورها المركزي في الاقليم لتحقيق مصالح تلك الدول, وقد مر الدور المركزي بمصر بمراحل ترتبط بتطور السياسة الخارجية المصرية والنظام السياسي المصري والرؤية المصرية للدور الإقليمي والتغير النسبي لأوزان مصادر القوة, ففي الخمسينيات والستينيات, لعبت مصر دور المحرك لنظام الإقليم كله نحو التحرر والتقدم السياسي والاجتماعي, وارتبط الدور بالاستقلال الوطني وترسيخ الهوية القومية والانتماء القومي, وسخرت مصر لذلك جميع مواردها بما فيها قدراتها العسكرية, كما حددت إلي درجة كبيرة مصادر تهديد الأمن القومي العربي وحاولت تحديد كيفية مواجهتها, فبادرت بإنشاء مؤسسة القمة العربية عام1964, وحاولت تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي العربي الموقعة عام1950, وبينما خفت هذا الدور نسبيا في أعقاب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام1979, فإن تلك الاتفاقية في التحليل النهائي أدت إلي توقيع اتفاقية سلام أردني إسرائيلي, واتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل وإيجاد حالة وبيئة سياسية وفكرية سادت الإقليم العربي إلي حد تقديم مبادرة عربية شاملة في مؤتمر القمة العربي ببيروت عام2002 بشأن السلام العربي مع إسرائيل. ولا يغرب عن البال أن الدور الإقليمي يرتبط بمتغيرين, أولهما رؤية مصر لدورها والذي يتحدد بناء علي تقديرها لمواردها وقدراتها وعلاقاتها العربية والدولية, وهذه مسألة تتعلق بعملية صنع القرار, وثانيهما بمدي إدراك الآخرين لهذا الدور, ولا شك أن الدول الكبري اليوم, كما كان الحال تاريخيا, تدرك مدي الوزن الاستراتيجي لمصر في الوطن العربي والشرق الاوسط إلي حد ربما يكون أكبر بكثير مما يري المصريون فيه دورهم, ويشكل ذلك مصدرا للقوة والمكانة الدولية من ناحية, وإن كان يمثل أيضا درجة من الضغوط التي قد تثقل كاهل الدولة المصرية, بيد أن وقوع الوطن العربي في اطار نظام إقليمي أوسع, وهو الشرق الأوسط, يوجد منافسين لمصر من خارج الإقليم العربي, وهم ما يطلق عليهم دول الجوار الجغرافي, مثل إيران وتركيا, ففي الخمسينيات والستينيات, كانتا تمثلان مصادر كبري لتهديد الأمن القومي العربي, ثم تحولت إيران أخيرا, وبسبب سياستها في مد دورها الإقليمي, ليس فقط إلي مناطق الدور التقليدي لمصر, وإنما أيضا إلي استخدام وسائل عسكرية وتوظيف فاعلين من غير الدول في كل من لبنان وغزة واليمن لإثارة قلاقل إقليمية تضر بالاستقرار من ناحية وتهيئ الاقليم لفوضي ضاربة من ناحية أخري, يضاف إلي ذلك, سعيها لامتلاك قدرات نووية مما يوجد عدم توازن استراتيجي في المنطقة, كما أن تركيا وعلي الرغم من جهودها الحثيثة لكسب ثقة العرب إلا أنها حليف استراتيجي لإسرائيلي. إن دور هاتين الدولتين يختلف تماما عن الدور المتزايد لأية أطراف عربية أخري لأن الأخير يضيف إلي الدور الإقليمي لمصر ولا يقلل منه, فمما لا شك فيه أن قوة الجذب للنظام الإقليمي العربي لا تزال تكمن في مصر رغم ما قد يتوارد لدي البعض من وجود محاور إقليمية أخري خارج الدور المصري أو في إطاره, وقد يكون من المفيد تأكيد أن الاستقرار الداخلي في مصر قد أضاف كثيرا إلي الدور المركزي لها وقلل أكثر من عوامل التنافر في الإقليم العربي, فالإجماع الداخلي علي الأولويات القومية والتعبئة الوطنية نحو تحقيقها تزيد من المكانة الفعلية لمصر, كما تزيد كذلك من المكانة المتوقعة لها, والتي ترنو إليها الدول الكبري خصوصا في إطار تحول النظام الدولي إلي نظان تعددي توافقي, فمصر وبالرغم من علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة يمكنها أن تتحرك بحرية أوسع وديناميكية أقوي بين مختلف القوي الكبري في النظام الدولي, كما يمكنها أن تتقدم بمبادرات تنقل الإقليم العربي من حالته الراهنة, وهي حالة متدنية, إلي حالة أرقي وأكثر فاعلية, كما أن الحراك السياسي المصري في هذا العام والعام القادم يمكن أن يصير فرصة نادرة لكي تقدم مصر كدولة إقليمية مركزية نموذجا راقيا لانتخابات حرة قد تقتدي بها دول الإقليم الأخري, وربما يكون ذلك رصيدا جديدا لعناصر الدور الإقليمي لمصر في إقليم هو أقل أقاليم العالم قدرة علي التغيير والانطلاق, وهكذا, تضيف المبادرات المتوقعة والنموذج الديمقراطي في انتخابات حرة والاعتدال السياسي والثقافي والديني إلي الدور الإقليمي لمصر في إقليمه العربي والشرق الأوسط. ولا شك أن هذا الدور الإقليمي المركزي يقتضي من مصر أن تتقدم بمبادرات جديدة لتحريك عملية التسوية السلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بغية التخفيف من حدة الضغوط السياسية والاستراتيجية الذي يمثله هذا الصراع علي الدولة والشعب المصري والشعب العربي عامة, كما أنه يجب أن تتقدم مصر بمبادرات إيجابية وفاعلة للصراعات الإقليمية الأخري, مثل جنوب السودان ودارفور والعراق والصومال واليمن لأن تراكم الصراع في تلك الدول يوجد حالة عدم استقرار إقليمي ويشجع الدول الخارجية علي الدفع بعوامل التنافر والتجزئة خلافا لما تريده مصر من تجاذب وتكامل, إن إقلاع مصر عن القيام بمثل تلك المبادرات يفتح المجال لدول الجوار الجغرافي وعناصر خارجية في الدول الكبري إلي استغلال ذلك والتقدم بسياسات تؤدي إلي الإخلال بتوازن القوي الإقليمي, وهذا ما لم ولن يقبله المصريون.