أين اليونسكو مما يجري الآن من اعتداءات علي التراث المعماري والديني في القدس الشريف؟.. إن عملية التهويد والأسرلة لكل ما هو عربي وإسلامي بدأت تثير غضب الرأي العام العالمي بشكل لم يسبق له مثيل, وصدرت عدة تصريحات من جهات كانت معروفة بانصياعها الأعمي لإسرائيل, تعبر عن رفضها لاعتداءات إسرائيل علي الأماكن المقدسة في القدس, لاسيما عمليات هدم الحرم الإبراهيمي, ولإصرارها علي الاستمرار في بناء المستوطنات اليهودية داخل منطقة القدسالشرقية التي احتلتها إسرائيل عام1967, عوضا عن1600 وحدة سكنية جديدة, لكنا لم نسمع لليونسكو صوتا طوال تلك الفترة. أقول ذلك باعتبار أن المهمة الأولي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة حسب ميثاقها هي الحفاظ علي التراث, وباعتبار أنه لم يحدث أن تعرض تراث إنساني لمثل هذه الحملة المنظمة لهدمه وطمس هويته العربية والإسلامية, والمسيحية كما يحدث الآن في القدس. لقد التقيت أخيرا بإيرينا بوكوفا, مدير عام اليونسكو في الرياض, في أثناء حضوري اليوبيل الفضي لمهرجان الجنادرية, وكانت مدعوة إليه كضيفة شرف, وسألتها عن ذلك الصمت غير المقبول من المنظمة الدولية الأولي في العالم المعنية بالتراث الإنساني, وقلت لها إن سكرتير عام الأممالمتحدة نفسه بان كي مون, والتي تتبعها المنظمة نطق أخيرا بما يفيد بأن استمرار عمليات الإستيطان الإسرائيلية في القدس, إنما يقوض محاولات التسوية في المنطقة, بينما يبدو وكأن اليونسكو غير معنية بالموضوع, فأكدت لي المديرة البلغارية أن اليونسكو معنية بالموضوع, وأنها ستتخذ موقفا في هذا الشأن, وبعد بضعة أيام, نشر علي لسانها تصريح مخيب للآمال, يفيد بأن المنظمة الدولية تشعر بالقلق إزاء ما يحدث في القدس. وفي ظني أنه لو كان الشعور بالقلق هو أقصي ما تستطيعه اليونسكو, فإن العالم لا يحتاج لمثل هذه المنظمة التي تخطي الجميع موقفها, بما في ذلك الإدارة الأمريكية, وعلي لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون, المعروفة بتأييدها لإسرائيل. لقد ضرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو بكل ذلك عرض الحائط, حين أعلن أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية(!!), وأنها ليست أرضا محتلة(!!).. مما يعني أن من حق حكومته أن تفعل فيها ما تشاء, وبذلك يصبح العرب المقيمون في القدس من قبل أن تدخلها قوات الاحتلال الإسرائيلي هم المحتلين, وهو ما يوضح لماذا تقوم إسرائيل بإجلائهم وبمصادرة أملاكهم وهدم دور عبادتهم, وتغيير أسماء شوارعهم دون أن تتحرك اليونسكو التي وجدت فجأة وبعد مرور أشهر علي تلك الانتهاكات, أنها تشعر بالقلق!! والحقيقة أنني شخصيا لست متفاجئا بموقف السيدة بوكوفا, فقد كتبت في هذا المكان وقت الحملة الانتخابية الأخيرة لمدير عام اليونسكو أن اللوبي اليهودي في العالم والذي عارض ترشيح الفنان فاروق حسني منذ البداية, لا يكترث كثيرا للمقولة العفوية التي نطق بها المرشح المصري في لحظة انفعال حول الكتب الإسرائيلية, وقلت إن السبب الحقيقي وراء رفضهم أن يرأس هذه المنظمة عربي مسلم هو ملف القدس, الذي أصبح يعلوه التراب داخل المنظمة بسبب إهماله طوال السنوات الأخيرة, وقلت إن إسرائيل لديها خطط معلنة لتغيير معالم القدس حتي تتحول إلي مدينة يهودية إسرائيلية, وإن عمليات التهويد والأسرلة هذه ستنشط في الفترة المقبلة, كما لم يحدث من قبل, في ظل حكومة بنيامين نيتانياهو اليمنية. وقد كان هناك بالفعل من بلعوا الطعم الإسرائيلي وتصوروا بسذاجة شديدة أن سبب رفض إسرائيل وأعوانها لوزير ثقافة مصر هو الخوف من أن يقوم بحرق الكتب بعد أن يصبح مديرا لليونسكو, وكان من بين هؤلاء دول كبري مثل فرنسا التي ألحت طويلا علي المرشح المصري أن يتراجع عن ذلك القول حتي تستطيع أن تعلن تأييدها له, وقالت مصادر من داخل قصر الإليزيه الفرنسي إن الرئاسة الفرنسية تؤيد مرشح مصر والدول العربية والإسلامية, لكن العقبة الوحيدة التي تحول دون إعلانها هذا الموقف هو تصريحه الذي يثير قلق الدوائر اليهودية, وأنها فور تراجعه عن ذلك التصريح ستعلن رسميا تأييدها له. وقد بادر المرشح المصري بشجاعة بالتراجع عن مقولة لا تعبر عن حقيقة موقفه من الكتب والثقافة بشكل عام, لكن لأن سبب معارضة الدوائر الصهيونية الموالية لإسرائيل لترشيحه لم يكن ذلك التصريح, فإن الموقف اليهودي منه لم يتغير حتي بعد أن نشر في أكبر الصحف الفرنسية وهي جريدة لوموند, أن قوله هذا كان قولا عفويا, وأنه لا يؤمن بحرق الكتب, بل إن فرسان الصهيونية الثلاثة الذين قادوا الحملة ضد المرشح العربي المسلم في أجهزة الإعلام الفرنسية بقيادة برنار هنري ليفي, الذي يحب أن يصف نفسه بالفيلسوف, أصدروا بيانا آخر عشية الانتخابات علي منصب مدير عام اليونسكو يحذرون فيه مرة أخري من انتخاب المرشح المصري الذي تعهد رسميا أمام البرلمان المصري حسب قول برنار هنري ليفي في حديث للتليفزيون الفرنسي إنه سيحرق جميع الكتب العبرانية بيديه الاثنتين(!!).. وبدأت الحملة الانتخابية وانتهت دون أن تعلن فرنسا عن ذلك التأييد الرسمي الذي وعدت به. علي أن فرنسا لم تكن وحدها التي انساقت لتصديق الموقف اليهودي من المرشح المصري, بل كان هناك عرب أيضا ظلوا يرددون حتي بعد انتهاء المعركة أن السبب في عدم نجاح المرشح المصري هو مقولته تلك متجاهلين مثل اليهود أنه تراجع عنها. ولم تمض بضعة أشهر علي تولي البلغارية إرينا بوكوفا منصب المدير العام لليونسكو, والتي وصفها أحد كبار اليهود الفرنسيين وهو سيرج كلارسفيلد, الذي كان مناهضا للحملة التي قادها برنار هنري ليفي بأنها غير ذات حيثية, حتي بدأت إسرائيل تنفيذ خطتها لتهويد القدس وأسرلتها, متحدية بذلك العالم أجمع, بما في ذلك حلفاؤها التقليديون, ومتمتعة بالصمت المتوقع من المنظمة الدولية المعنية بالحفاظ علي التراث الإنساني, والتي لم يخالجها في خضوعها الكامل لاسرائيل إلا بعض الشعور بالقلق.