لا يكفي ان تكون القدس بندا علي جدول أعمال القمة العربية الاسبوع المقبل كدليل علي مكانة المدينة المقدسة في خطابنا السياسي العربي, وما أحوج القدس الي دورة طارئة ومفتوحة كل حين وآخر. حتي يستشعر الرأي العام العالمي قبل الرأي العام العربي مدي جدية الجيل العربي المعاصر في تحمل مسئولياته القومية تجاه القدسالمحتلة منذ7 يونيو1967, وأهمية أن تكون للمدينة لجنة حكماء عرب ومسلمين من الملوك والرؤساء دائمة التشكيل ومفتوحة العضوية والانعقاد. ولا يكفي تخصيص7 يونيو يوما للقدس, فالقدس لابد أن تكون هاجسنا وشاغلنا كل يوم علي مدي العام إعلاميا وتعليميا وثقافيا, في مناهجنا الدراسية نقرر للنشء كتابا أو رواية عن القدس كل عام دراسي. وعلي صدور ملابس شبابنا ننسج بادج القدس بديلا عن أعلام الدول الأجنبية التي يخطئ البعض في التزين بها. ولا يكفي فقط ترديد النشيد الوطني لكل دولة من الدول العربية والإسلامية, فالقدس لابد أن تكون عنوانا لنشيد قومي يردده الجميع, نشيد قومي يعلو علي كل نشيد وطني( قطري) ويردد بقوة واقدساه. واقدساه... صرخة علي لسان كل فلسطيني يكتوي بنار الاحتلال الصهيوني المقدسة( صباح مساء) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, فالحضور الصهيوني فيها ينتشر يوما بعد يوم والخروج الفلسطيني منها يزداد يوما بعد يوم. واقدساه.. نداء المقدسات لحمايتها وشد الرحال اليها للحيلولة دون قيام المستوطنين بإقامة هياكل دينية يهودية مزعومة, وتفتقر شكلا ومضمونا الي الشرعية والحقيقة التاريخية. وتكفي الإشارة الي عشرات البيانات والقرارات الدولية من الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات الدولية التي أعلنت ان جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها اسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها ان تؤدي الي تغيير في الوضع القانوني للقدس هي اجراءات باطلة ولا يمكن ان تغير من وضع القدس, وتكتسب مثل تلك البيانات والقرارات الشرعية الدولية بمقتضي اتفاقية جنيف الرابعة لعام1949 فيما يتعلق بمطالبة اسرائيل بالوقف الفوري والتراجع عن جميع الإجراءات التي اتخذتها بشأن انتهاك حرمة الأماكن المقدسة منذ احتلال القدس, وكان أخرها افتتاح كنيس الخراب بالقرب من المسجد الأقصي وقيام جماعات يهودية متطرفة بوضع حجر الأساس لما يسمي بالهيكل الثالث المزعوم إيذانا ببدء العمل الرسمي ببنائه لاقدر الله مكان المسجد الأقصي المبارك. واذا كان الملوك والرؤساء العرب قد أدركوا أولوية القدس علي ما عداها من قضايا اخري باعتبارها رهان السلام الشامل والعادل في المنطقة, فإن الأمر يقتضي في هذا التوقيت العصيب حركة عربية سريعة علي الصعيد الدولي تحول دون إتمام إسرائيل لمخطط تهويد القدس, وجعلها عاصمة وإكسابها شرعية زائفة كأمر واقع في ظل انشغال الرأي العام العالمي بقضايا عربية ودولية متنوعة لا تسمح لأية دولة من دول العالم في ظل الحكم فيها ان تواصل مقاطعتها الدبلوماسية للقدس كعاصمة لاسرائيل. ولعل الحركة العربية السريعة لمواجهة المخطط الاسرائيلي الأخير تتطلب تفعيل دور منظمة اليونسكو الدولية في الحفاظ علي الأماكن المقدسة, ومن منطلق رسالتها الحضارية والثقافية والإنسانية الدولية بادرت المنظمة منذ وقت مبكر بإصدار نداء دولي يطالب اسرائيل بأن تحافظ بكل دقة علي جميع المواقع والمباني وسائر الممتلكات الثقافية في القدس, وأن تكف اسرائيل عن أي حفريات للتنقيب عن الآثار وعن نقل هذه الممتلكات أو تغيير معالمها أو طابعها الثقافي والديني. وفي قرارات لاحقة أكدت اليونيسكو علي نحو مطرد ضرورة حماية التراث الثقافي والتاريخي والديني للمدينة بكاملها, باعتباره جزءا من التراث المشترك للإنسانية, وأدانت المنظمة عمليات الحفريات التي تجريها اسرائيل تنقيبا علي الآثار, وسائر إجراءاتها الرامية الي تغيير الشكل التاريخي والثقافي العام للقدس, لمخالفة ذلك كله لأهداف ومبادئ دستور اليونسكو واتفاقية1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة وقوع احتلال عسكري, وهي الاتفاقية التي تحظر علي سلطة الاحتلال أي شكل من أشكال السرقة أو النهب أو الاختلاس للممتلكات الثقافية أو أي أعمال تخريبية موجهة ضدها. واكتسبت أعمال اليونسكو في هذا الشأن أهمية متزايدة بإيفاد ممثل شخصي للمدير العام لليونسكو إلي القدس لتقصي الحقائق بشكل دوري وتقديم تقرير عن حالة التراث الثقافي والديني وآثار عمليات التنقيب الاسرائيلية وهدم المباني وبناء المستوطنات علي هذا التراث, والإجراءات اللازمة لحفظه وتجديده وعندما استشعرت اليونسكو خطورة ما سوف يجري داخل القدس بعد اعلان الكنيست توحيد القدس عام1980 واتخاذها عاصمة لإسرائيل قامت اليونسكو بإدراج القدسالشرقية وأسوارها في قائمة التراث العالمي عام1981 وفي قائمة التراث العالمي المعرض للخطر عام1982, وذلك في سياق اتفاقية1972, وبموجبها وجهت اليونسكو نداء رسميا من أجل القيام بحماية التراث الإسلامي الثقافي والديني التابع للأوقاف الاسلامية وشرعت المنظمة في دراسة حصر الممتلكات الثقافية وتحديد أولويات مشروعات صونها, وتابعت حالة آثار بعينها داخل القدس إسلامية ومسيحية, واستند موقف اليونسكو المشرف تجاه القدس الي مرجعيات مواثيق دولية عديدة ومتنوعة تجرم ممارسات إسرائيل العدوانية التي مازالت تمارسها حتي اليوم. يعني هذا ان لجنة الحكماء العرب والمسلمين من الملوك والرؤساء بخصوص القدس لو قدر لها ان تتشكل لمواجهة ما يجري في المدينة المقدسة فسوف تتابع عن كثب جهود منظمة اليونسكو للحيلولة دون مواصلة انتهاكات اسرائيل لحرمة الأماكن المقدسة في القدس, وتعبئة رأي عام عالمي في المحافل الدولية الأخري لممارسة ضغوطها علي اسرائيل التي فشلت منذ قيامها في غفلة من الأمن, وحتي الآن في العثور علي أي أثر عبري برغم كثرة حفرياتها في أرض القدس.