بطله قصة اليوم، ليست البطلة، فهى فضلت أن يكون الأب والأم اللذان كانا يحلمان بمولود وهما فى مقتبل الزواج، فرزقهما الله بفتاتين «كفيفتين»، هما البطلان، لانهما صبراً صبراً جميلاً على رعايتهما وتربيتهما حتى تخرجت «مروة» من كلية الألسن جامعة عين شمس وموظفة بنفس الكلية، وتخرجت «نهلة» من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وهما عضوتان بأوركسترا النور والأمل .. لذلك قالت مروة سليمان، إنها ليست قصتها. تبدأ قصتى بأمل زوجين في أن يرزقهما الله بمولود، فيرزقهما الله بفتاة يفرحان بميلادها، ثم يكتشفان بعد فترة بسيطة أنها كفيفة، فتبدأ رحلتهما في البحث عن علاج لها، في الوقت الذي تنجب الزوجة فيه مولودة أخرى تصغرها بعام، فتكتشف أنها كفيفة أيضا، فتكمل هي وزوجها رحلتهما الشاقة مع الأطباء، لينتهي بهما المطاف إلى التأكد من عدم وجود علاج لابنتيهما. لم يكن لدى الزوجين خبرة سابقة عن حياة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية أو الأشخاص ذوي الإعاقة عامة، فبدآ في التفكير في مصير ابنتيهما. تسقينا حبًا وحنانًا قرر أبي وأمي تربيتنا تربية عادية؛ فقدمت أمي للحصول على إجازة من عملها لرعايتنا، وباتت تقص علينا القصص المسلية، وتصف لنا أفلام الكارتون، وتشتري لنا اللعب التي تعرفنا من خلالها على أشكال الحيوانات، وتسقينا حبا وحنانا وعطاء بلا حدود، وظل أبي يجتهد في عمله حتى يوفر لنا حياة كريمة، لكنه كان يؤمن أيضا بالدور الكبير الذي يلعبه الأب داخل الأسرة، فهو مصدر قوتها الذي تواجه به أعباء الحياة؛ لذا كان دائم الحديث معنا والنصح لنا. أما أختي فقد عشنا معا ظروفا واحدة، فصارت لي أختا وصديقة ورفيقة في الحياة. وبما أن تربيتنا كانت تربية عادية، التحقت أنا وأختي بإحدى رياض الأطفال مع أقراننا المبصرين، فعملت أمي مدرسة في تلك الحضانة، ثم بدأ أبي وأمي في البحث عن مدرسة للمكفوفين، حتى وجدا مدرسة النور والأمل، فقررا إلحاقنا بها وتحملا كل الصعاب كي ننتقل إلى مسكننا الجديد القريب من المدرسة. ولأن سني أنا وأختي كان لا يصل لسن القبول بالمدرسة، قرر أبي وأمي البحث عن حضانة للمكفوفين، فعرفا حضانة قصر النور، لكن مواعيد الحضانة كانت تتعارض مع مواعيد عملهما، فبحثا عن حضانة أخرى في نفس خط سير سيارة حضانة قصر النور كي نذهب إليها في الصباح ونعود إليها بعد انتهاء مواعيد قصر النور. أنا والموسيقى ظلت أسرتي على هذا الحال حتى التحقت بمدرسة النور والأمل. وهناك، تعرفت على أصدقاء جدد ظلت علاقتي بهم حتى الآن، كما تعرفت على مدرسين أجلاء كان ولا يزال لهم فضل كبير علي، فقد كان دورهم لا يقتصر على تعليم المواد الدراسية فقط، بل كان دورا تربويا أيضا، وفي الصف الثاني الابتدائي، التحقت بمعهد موسيقى النور والأمل. وفي السنة الأولى، كانت الدراسة نظرية فقط، ثم تعلمت العزف على آلة الكمان التى أعشقها، ثم التحقت بالأوركسترا الصغير، ثم الأوركسترا الكبير، ثم بدأت أذهب معه إلى الحفلات داخل وخارج القاهرة، إلى أن سافرت إلى العديد من الدول، وخلال مراحل تعليمي، كنت أذهب إلى المدرسة صباحا، ثم أذهب إلى معهد الموسيقى بعد انتهاء اليوم الدراسي، ثم أذاكر دروسي مساء حتى تكلل جهدي بنجاحي في الثانوية العامة بمجموع 93.65٪. رفيق الدرب وبعد انتهاء مرحلة المدرسة، التحقت بكلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وقد كنت أضع هذا الهدف نصب عينَي في المرحلتين الإعدادية والثانوية. إلا أن مرحلة الجامعة اختلفت تماما عن مرحلة المدرسة؛ حيث إن جميع المواد العلمية كانت عبارة عن ملفات لا أستطيع قراءتها؛ لأنها ليست مكتوبة بطريقة برايل، لكنني تغلبت على ذلك بتعلم استخدام الحاسب الآلي الذي مكنني من القراءة والكتابة كأي شخص آخر عن طريق استخدام برامج تقرأ كل ما يكتب على الشاشة، كما ساعدني أيضا زملائي في الجامعة الذين تعاونوا معي في كل ما أحتاجه. وفي تلك الفترة، كنت أذهب من وإلى الجامعة بمفردي، مما جعلني أحتك مباشرة بالمجتمع، فاكتشفت أن الكثير لا يعلمون شيئا عن المكفوفين، بل لديهم خلط بين جميع أنواع ودرجات الإعاقة، فرجوت الله أن أكون مثالا حيا وأداة لتغيير تلك المعتقدات الخاطئة. ولحبي الشديد لكتابة الأبحاث، التحقت بالدراسات العليا، وفي تلك الفترة، كنت أبحث عن وظيفة، إلى أن أصبحت موظفة بكليتي وبالتحديد في مكتبة رفيق الدرب الخاصة بالطلبة المكفوفين، وشعرت بالسعادة لتعاون أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة مع المكتبة في إعداد نسخة إلكترونية من المواد العلمية والامتحانات كي تتم طباعتها بطريقة برايل. أما الآن، فما زلت أسير في طريق الدراسات العليا المليء بالأشواك، لكنني أتمنى أن يأتي اليوم الذي أعيد فيه قراءة تلك القصة لأستئناف كتابتها؛ فأذكر أنني قد انتهيت من رسالة الماجستير في مجال اللغويات الحاسوبية بعد أن تخطيت كل ما واجهني من صعاب ثم أعد لرحلة كفاح جديدة، كما أتمنى أن أعبر حينئذ عن سعادتي لحصول أختي على فرصة في مجال الإعلام. أما نهاية القصة فسوف تظل مفتوحة، تنتظر شخصيات أخرى، وأحداثا جديدة، لتؤكد أنها ليست قصة فرد بعينه، بل قصة مجتمع كان فيه الوالدان مدرسة، وكانت فيه المدرسة حياة». ختامًا على الرغم من أنه من المفترض أن أكون أنا بطلة القصة، إلا أن هناك شخصيتن أخريين هما بطلاها، وهم الذين شاركوا في صنع أحداثها، لذا، قررت نشر القصة تكريما لهما، فهي قصتهما وليست قصتي، وأتمنى أن يتحقق الهدف المرجو من الدور الذي لعباه فيها، كما أتمنى أن يجد فيها القارئ دروسا يستفيد منها. كانت هذه قصة أبي وأمي اللذان ربياني أنا وأختي عندما كنا صغارا ولا يزالان.