كان أحمد جالسا بجوار أمه وقد بلغ به القلق مداه ينتظر بفارغ الصبر إعلان نتيجة الثانوية العامة; فطالما حلم أن يحصل علي المركز الأول علي مستوي الجمهورية في الثانوية العامة كما اعتاد في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، قرر أحمد أن يتخلص من هذا القلق فاستأذن والدته وذهب ليجلس علي الإنترنت يشاهد أحد المسلسلات, وبينما هو كذلك إذا بصوت زغاريد أمه تملأ المكان وجاءه صوت أبيه مفعما بالسعادة وهو يدعوه ويخبره بأن الدكتور رضا مسعدعلي التليفون يريد أن يهنئه بحصوله علي المركز الأول علي مستوي الجمهورية في الثانوية العامة..إنه أحمد جمال عبد الجواد الطالب الحاصل علي المركز الأول علي المكفوفين في الثانوية العامة علي مستوي الجمهورية بمجموع95 ونصف في المائة, وهو أحد أبناء مدرسة طه حسين بمحافظة القاهرة, وأحد المشاركين في ثورة25 يناير في ميدان التحرير. يروي أحمد قصته قائلا:( أنا الأخ الأوسط لثلاث أخوات, أختي الكبري متزوجة ولي أخ أصغر كفيف يدرس في الصف الثاني الإعدادي, ولدت كفيف البصر وبدأنا رحلة البحث عن علاج فذهبنا إلي العديد من الأطباء الذين أخبرونا جميعا بأن العلم لم يتوصل بعد إلي علاج لحالتي فاستسلمنا لمشيئة الله وقرر والداي أن أعيش حياة طبيعية مثل أي شخص آخر, عندما وصلت إلي سن المدرسة قدم والدي أوراقي في التعليم الأزهري ولكنه عندما علم بوجود مدارس متخصصة لتعليم المكفوفين قام بنقل أوراقي إلي مدرسة طه حسين, وبفضل الله ثم بفضل تشجيع أسرتي استمر مشوار نجاحي وتفوقي; حيث حصلت علي المركز الأول في المرحلة الابتدائية والإعدادية وفي الصف الثاني الثانوي مما دعم بداخلي حلم الحصول علي المركز الأول علي مستوي الجمهورية في الثانوية العامة, وتعود أبي تحفيزي بالهدايا الرمزية وكلمات الثناء والتقدير مما كان يدفعني إلي المواصلة والاستمرار وتخطي أي حاجز يقف في طريق نجاحي. وطوال فترة دراستي لم أقتصر فقط علي المذاكرة وتحصيل الدروس بل كنت أمارس العديد من الهوايات مثل كتابة الشعر بالعامية والفصحي وكتابة الخواطر السياسية بالإضافة إلي القراءة التي أحبها كثيرا بسبب والدي, أذكر أنني عندما نجحت في الصف الأول الابتدائي أهداني والدي مجموعة قصصية فأخذت أقترب من القراءة شيئا فشيئا حتي أحببتها, عندما التحقت بالمرحلة الثانوية شعرت بأنني جزء من هذا المجتمع ويجب أن يكون لي دور إيجابي فتطوعت في جمعية رسالة للأعمال الخيرية واشتركت معهم في قوافل الأيتام والمسنين والمستشفيات). وحول دور التكنولوجيا في التعليم يقول أحمد:( بالرغم من أنني كنت أعتمد علي الكتب المطبوعة بطريقة برايل اعتمادا أساسيا في المذاكرة إلا أنني استطعت أن أستفيد من التكنولوجيا عن طريق كتابة وقراءة الملخصات علي الكمبيوتر وتبادل المواد الدراسية مع الأصدقاء علي برنامج سكيب وأري أن استخدام الكمبيوتر ووسائل التكنولوجيا الحديثة هي الطريقة الأمثل لدمج المعاقين مع أقرانهم من الطلاب نظرا لأنها تحقق تكافؤ الفرص, وأتمني أن يتم استخدام الكمبيوتر في الامتحانات وخصوصا امتحانات المكفوفين وذلك علي غرار ما يحدث في بعض كليات جامعة عين شمس والقاهرة) أما عن إيجابيات وسلبيات التعليم في مدارس المكفوفين يقول أحمد:( أهم ميزة في مدارس المكفوفين هي قلة عدد الطلاب داخل الفصل واهتمام المدرسين بالطلاب وتفانيهم في أداء واجبهم مما جعلني أعتمد بنسبة60% في تحصيلي للدروس علي الشرح داخل الفصل, أما عن أبرز مشكلات التعليم في مدارس المكفوفين فأري أنها تتركز في انعزال الكفيف داخل المدرسة وعدم اندماجه في المجتمع بالإضافة إلي المشكلات التي يواجهها التعليم عموما في مصر من نقص شديد في الإمكانيات داخل المدارس, وفي هذا السياق أقترح دمج المكفوفين مع بقية الطلاب في المسابقات والأنشطة المختلفة خصوصا في الموسيقي والأنشطة الثقافية والاجتماعية وأن تشترك كل مدرسة في المسابقات مع الإدارة التعليمية التابعة لها مثل بقية المدارس الأخري وعدم قصر المنافسة علي مدارس المكفوفين فقط). ويصف لنا أحمد أحلامه في المستقبل فيقول:( إنه التحق بكلية الإعلام, وأتمني أن استكمل دراستي بتفوق وألتحق بالدراسات العليا وأحصل علي وظيفة مرموقة وأن يحترم المجتمع كفاءتي ويدركوا قدراتي وأتمني أن أسافر أدرس خارج مصر لبعض الوقت ثم أعود كي أفيد الوطن). ويضيف أحمد قائلا:( أخطط الآن للحصول علي دورات تدريبية في اللغات والحاسب الآلي بالإضافة إلي شهادتي العليا حتي أكون مؤهلا للألتحاق بسوق العمل). وحول التكريم الذي حصل عليه يقول أحمد:( فور الإعلان عن نتيجة الثانوية العامة قامت وزارة التربية والتعليم بتكريم الأوائل بالإضافة إلي بعض المؤسسات والصحف, ولم أشعر بأي نوع من التمييز بيني وبين بقية الطلاب إلا في جريدة الجمهورية; حيث تنظم الجمهورية رحلة سنوية خارج مصر لجميع أوائل الثانوية العامة ولكنها تتجاهل أوائل المكفوفين, ولا أعرف أي سبب لذلك). ويختم أحمد حديثه قائلا:( أتمني أن يحتوي الدستور الجديد علي مواد تكفل حقوق المعاقين وتفعيل نسبة5% المخصصة للمعاقين حتي لا تتحول إلي إجراءات علي الورق أو عبء علي المؤسسات المختلفة والتشديد علي عدم التمييز ضد المعاقين سواء في التعليم أو العمل وتمتعهم بجميع الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور, كذلك تفعيل دور المجلس الأعلي للإعاقة بحيث يستطيع تأدية واجبه في خدمة المعاقين والتعبير عنهم. وأخيرا أحب أن أهدي نجاحي إلي والدي ووالدتي والأستاذة أسماء مدرسة الرياضيات بالمدرسة وإلي جميع أساتذتي الكرام وأشكرهم جميعا علي ما بذلوه من جهد وإخلاص وتفان في العمل).