حديث نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتذرع به من سفكوا الدماء, وانتهكوا الحرمات, وروعوا الآمنين, وأفزعوا العالم بأفعالهم, وأبطلوا كل ما فعله غيرهم لبيان وجه الإسلام الصحيح, وتأليف قلوب الناس إلى الإسلام, وأرجعوا الدعوة إلى الله تعالى إلى نقطة الصفر. فما مدى نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ذكرت بعض كتب السنة أن ابن عمر روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قوله: (بعثت بين يدى الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له, وجعل رزقى تحت ظل رمحي, وجعل الذل والصغار على من خالف أمري), والحديث رواه أحمد والطبرانى فى مسنديهما, والبيهقى فى شعب الإيمان, وفى سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان, ضعفه أحمد والنسائى ويحيى, وغيرهم, بل قال فيه أحمد: أحاديثه مناكير, فالحديث من هذه الوجهة ضعيف الإسناد, لا يقطع بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يظن ذلك أيضا, وعلى فرض ثبوته, فإنه ينافى الكتاب الكريم, وصحيح السنة, ومنهج رسول الله مع غير المسلمين, فإن فى الكتاب الكريم أوامر وردت بصيغة الخبر, بعدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام, ولم يرد فيه فى نفس الوقت الأمر بقتال من لم يعتنق هذا الدين, من هذه الأوامر: قوله تعالى: (لا إكراه فى الدين), وقوله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر), وقوله فى سؤال استنكارى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين), كل هذا وغيره من نصوص الكتاب الكريم, ليس فيها قتل أو إرهاب أو إرعاب لمن لم يعتنق الإسلام, وقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلى المدينة فوجد بها طوائف شتى لا يدينون بالإسلام, من اليهود, وعبدة الأصنام, وغيرهم, وقد كان من منطلق صحة نسبة هذا الحديث إليه, أن يعمل فى غير المسلمين سيفه حتى يعبد الله تعالى, ولكن لم نر أثرا لذلك البتة, فبدلا من إعمال سيفه فيهم, منح غير المسلمين أمانا عاما, وعقد معهم ميثاقا هو (وثيقة المدينة), وحتى لما نقضوها لم يعمل فيهم سيفه, بل أجلاهم عن المدينة, باستثناء بنى قريظة, لأنهم انضموا إلى الأحزاب لقتاله, فإن كان الحديث مما يظن ثبوته إليه, فإنه لم يعمل به, ويترتب على ذلك مخالفة قوله فعله, ونحن نبرئ نبينا عن ذلك, ولما فتح مكة, لم يعمل سيفه فى مشركيها أعداء الأمس حتى يعتنقوا الإسلام, بل قال لهم قولته المشهورة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء), والذين يتشدقون بما ورد فى هذا الحديث: (وجعل رزقى تحت ظل رمحي), ففهموا منه أنه إشارة إلى شرعية سفك الدماء, للاستيلاء على ما فى أيدى الناس, وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم, من وجهة نظرهم الكليلة يشرع الارتزاق بسفك الدماء, للاستيلاء على أموال الناس وممتلكاتهم, باعتبار إراقة الدماء من أجل ذلك وسيلة للارتزاق, كبرت كلمة تخرج من أفواه هؤلاء الأفاقين, إن يقولون إلا كذبا, وإذا كان الله تعالى قصر مهمة نبيه صلى الله عليه وسلم, لما بعثه على (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين), فهل من مقتضى هذه الرحمة التى للعالمين مسلمهم وغيره, أن تسفك دماؤهم باسم الإسلام, ويدعى الضالون بعد ذلك: أنهم إنما يتبعون فى ذلك نهج نبى الإسلام, إن هذا الحديث الذى يتذرعون به فى ذلك غير مقطوع أو مظنون ثبوته, لمخالفته الكتاب الكريم, ونهج من نسب إليه صلى الله عليه وسلم,, فقد قال: (إذا سمعتم الحديث عنى تنكره قلوبكم, وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم, وترون أنه منكم بعيد, فأنا أبعدكم منه), وهذا ليهلك من هلك عن بينة, ويحيى من حى عن بينة.