وزير الصحة: الطب ليس مهنة الثراء السريع وهذا سبب نقص عدد الأطباء في مصر    عمرو درويش: موازنة 2025 الأضخم في تاريخ الدولة المصرية    في قضية تزوير توكيلات الانتخابات الرئاسية.. تأييد حبس مدير حملة أحمد طنطاوي    صور.. وكيل "أوقاف الفيوم" يستقبل وفد الكنيسة الأرثوذكسية للتهنئة بعيد الأضحى    وزير التعليم العالي: الجامعات الأهلية تمتلك زخمًا من الخبرات الأكاديمية    رئيس جامعة طنطا يتفقد الامتحانات بمركز الاختبارات الإلكترونية بالمجمع الطبي    مركز طبي ومزرعة بحثية.. رئيس جامعة الإسكندرية يتفقد المنشآت الجديدة بفرع تشاد (صور)    سعر جرام الذهب اليوم الإثنين 3 يونيو 2024 (آخر تحديث)    المعايير المؤهلة لإدخال غاز طبيعي لعقار سكني بالجيزة    "المصرية للاتصالات" تنفي تلقيها أي عرض لشراء الأبراج التابعة لها    "الجزار" يتابع موقف تنفيذ عمارات "سكن لكل المصريين" والإسكان المتوسط بمدينة 15 مايو    البورصة تربح 5 مليارات جنيه في منتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ القاهرة: تكلفة الخطة الاستثمارية تجاوز مليارا و575 مليون جنيه    مصدر: إدخال أكثر من 950 شاحنة مساعدات إنسانية من مصر إلى غزة خلال الأسبوع الماضي    وزير الخارجية: مصر تسعى لتطوير العلاقات مع إسبانيا ورفع مستوى التبادل التجاري    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    ألمانيا تستضيف تدريبات جوية لقوات الناتو    فرق الإنقاذ الألمانية تواصل البحث عن رجل إطفاء في عداد المفقودين في الفيضانات    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    الرئيس الأوكراني يوجه الشكر للفلبين لدعم قمة سلام مقبلة في سويسرا    صحيفة إسبانية تكشف موعد قرعة دوري أبطال أوروبا 2024-2025    ليكيب تكشف مدة عقد مبابي مع ريال مدريد    شوبير: محمد عبد المنعم رفض مد تعاقده مع الأهلي    مواعيد مباريات الإثنين 3 يونيو.. ألمانيا وإنجلترا وكرواتيا للاستعداد ل يورو 2024    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    التشكيل المتوقع لودية ألمانيا وأوكرانيا ضمن استعدادات يورو 2024    ظهرت الآن، نتيجة الشهادة الإعدادية في بني سويف    شروط التعاقد على وظائف المعلمين وإجراءات التقدم بالمدارس المصرية اليابانية    رئيس بعثة الحج الرسمية: لم تظهر أية أمراض وبائية لجميع الحجاج المصريين    تحرير 111 محضرا خلال حملات تموينية وتفتيشية بمراكز المنيا    خلال 24 ساعة . . تحرير 555 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    الحماية المدنية تنقذ مركز شباب المنيب من حريق ضخم    تخرج دفعة جديدة من ورشة الدراسات الحرة بقصر السينما (صور)    شقيق الفنانة سمية الألفي يكشف تطورات حالتها الصحية بعد حريق منزلها    لماذا رفض الروائى العالمى ماركيز تقديم انتوني كوين لشخصية الكولونيل أورليانو في رواية "100 عام من العزلة"؟ اعرف القصة    صديق سمير صبري: سميرة أحمد كانت تزوره يوميا والراحل كان كريماً للغاية ويفعل الخير بشكل مستمر    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    ما عدد تكبيرات عيد الأضحى؟.. 3 أقوال عند الفقهاء اعرفها    "صيادلة الإسكندرية": توزيع 4 آلاف و853 علبة دواء في 5 قوافل طبية    نقابة الصيادلة بالإسكندرية: توزيع 4 آلاف و853 عبوة دواء خلال 5 قوافل طبية بأحياء المحافظة    وزير الصحة: منصة إلكترونية للدول الإفريقية لتحديد احتياجاتها من الأدوية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    المكتب الإعلامى الحكومى بغزة: أكثر من 3500 طفل معرضون للموت بسبب سياسات التجويع    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    النقل تناشد المواطنين المشاركة في التوعية من مخاطر ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    وزير الصحة: نفذنا 1214 مشروعا قوميا بتكلفة تقترب من 145 مليار جنيه    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أسعار اللحوم البلدي والضاني اليوم الاثنين 3-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    أسامة القوصي ل«الشاهد»: الإخوان فشلوا وصدروا لنا مشروعا إسلاميا غير واقعي    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    مصرع 5 أشخاص وإصابة 14 آخرين في حادث تصادم سيارتين بقنا    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدونيس والإهانة المُستَحَقة
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 02 - 2015

لا أتصور أن خطأً ما يكمن خلف اختيار ذلك العنوان فاقد الصلاحية: «الثقافة والتجديد»، كلافتة أنيقة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب
الذى انقضت وقائعه قبل أيام. ويبدو أن بريق المُثاقَفة فى ذلك العنوان دفع منظمى تلك الكرنفالية لإلحاق اسم الإمام «محمد عبده» كشخصية محورية للمعرض باعتباره ملمحا من ملامح الثقافة وتجددها فى عصرنا الحديث. بالتأكيد ليس ثمة خطأ فى الاختيار، لكنه انحياز ربما يراه بعض المارقين يدين للماضى أكثر من دينونته للمستقبل. وفى ظل ادعاء العشرات من «مجددينا» بامتلاك خزانة القيم الاصطلاحية الحاكمة لفكرتى التجديد والثقافة على السواء لا يمكن للمرء، فى سوق تبدو بلا صاحب، أن يتجاسر فينكر أفضال التجديد أو الثقافة كمعنيين أصبحا محمولين على جناح عَلَمٍ من أعلامهما هو الشيخ الإمام بألف لام التعريف. بالمقابل فإن الإرهاب الفكرى الذى يمارسه سدنة الثقافة والتجديد لا يجب، مهما تكن الأثمان، أن يَحُولَ دون المرء ومناقشة سلم الوعى «المستقبلي» الذى تطرحه دولتنا «الجديدة» عبر مؤسسة الرعاية الرسمية لتربية العقل العام بعد ثورتين كبيرتين، وأقصد هنا وزارة الثقافة. وإذا كانت تلك الجسارة لا يمكنها أن تمتد إلى إنكار قيمة الإمام محمد عبده فلا ينبغى لها أيضا أن تقدسه.
من هنا لن يكون باستطاعتنا أن نتفهم محاولات إعادة إحياء قيمتى الثقافة والتجديد عبر محاولات ترميم الماضى ومن ثم معاودة العيش فيه انتظارا لتحقق المعادلة المستحيلة فى التوحيد بين مفهومى الدين والدولة. فقد ثبت، بيقين يتجلى يوميا فى الدماء المسفوكة على طول وعرض دولتنا العربية، أن محاولات تجديد الخطاب الدينى أسفرت عن نتيجتين: أفضلهما عودة خطاب الدولة المدنية إلى أحضان رجال الدين بحيث لم يعد مسموحا للحاضر أن يطل على الدنيا سوى من شرفة الماضى، أما أسوأ تلك النتائج فيمكن لأجهزة الاستخبارات أن تقدم تفاصيلها الأكثر بشاعة والأكثر انحطاطا ربما عبر التاريخ الإسلامى قاطبة. والحال أن الخطاب الدينى بشتى تحولاته، فضلا عن توحده حول أفكار إقصائية وتمييزية، فقد انتهى إلى تحويل الجوهر العقائدى نفسه إلى أيديولوجيا سياسية لا تمت بصلة إلى فكرته الطهرانية، ومن ثم لم يعد له علاقة بإسلام «الصفاء الأول» كما يسميه محمد أركون.
وأظن أن الشاعر السورى أدونيس كان يدرك تماما أنه يطلق رأيا جارحا ضد العقل المتثاقف الذى كان يقف خلف اختيار فكرة «التجديد» كمحور رئيسى لمعرض الكتاب عندما قال: «إن أزمة العالم العربى تجاوزت فكرة تجديد الخطاب الدينى وأنه لابد من القطيعة مع الموروث الثقافى المتراكم من مئات السنين وكذلك إعادة النظر فى تلك اليقينيات التى يقوم عليها التراث العربى من خلال إحياء البحث والتساؤل والتفكير للوصول إلى ما يمكن أن نسميه حداثة». الخطاب الأدونيسى الذى جاء أكثر جذرية وأكثر وعيا بتحولات العقل العربى منذ انطلاق ربيعه الدامى قبل أكثر من أربع سنوات، لم يكن يقصد بالتأكيد إلى قلب منصة المعرض على رأس أصحابها، إلا أنه فيما يبدو، لم يكن بإمكانه إنكار قناعاته لمصلحة قناعات نكوصية ومهزومة فى أحسن أحوالها، وهو الأمر الذى أكد أن المسافة بين العقل المتجدد لأدونيس وبين العقل التكنوقراطى لممثلى الدولة «الجديدة» بدت شاسعة وكبيرة حد الحرج . لا أشكك طبعا فى نزاهة القائمين على معرض الكتاب لكن للمرء حق التشكيك فى معارفهم وآلياتهم المعطوبة فى قراءة الواقع . فالمؤكد تاريخيا أن الخطاب الإصلاحى الذى حاول سدنة معرض الكتاب إحياء رميمه لقى حتفه فى أوروبا منذ القرن السادس عشر عندما انتصرت دولة العلم على أنصار البروتستانتية من المتشددين، كما لقى حتفه فى عالمنا بعد صعود جماعات الإسلام السياسى إلى سطح المشهد العربي. من هنا أتصور أن العودة إلى تراث الشيخ محمد عبده فى تلك اللحظة تمثل أعلى تجليات سوء الفهم الذى يعتمده رجالات الدولة الجديدة / القديمة فى وزارة الثقافة. فمدرسة الإمام تقوم على عدة أطروحات فشلت بامتياز فى كل الاختبارات التى تعرضت لها. فقد شايع جيل الإمام أفكارا حاكمة على رأسها «رفض التغريب، وتجديد الدنيا بواسطة تجديد الدين، وكذلك السعى لتأسيس النهضة الحديثة على قواعد التمدن الإسلامى». وثمة براهين لا تحتاج لكبير جهد فى كشفها تؤكد أن التاريخ جعل من تلك الأفكار مجرد طرائد تقف خارج اللحظة.
فرفض التغريب كان يمثل مطلبا براقا ضد ممارسات الاستشراق الأول غير أن الاستشراق لم يكن عدائيا فى جملته، فى وقت لم ينجح العقل العربى أن يملأ الفجوات التى خلفتها الانقطاعات الحضارية حيث ظل محاصرا بالفقه الأسود ومازال سؤاله المركزى يدور حول مدى ملاءمة فصم العلاقة بين الدين والدولة. أما حلم الإمام بتأسيس النهضة على أسس التمدن الإسلامى وتجديد الدنيا بواسطة الدين فكان يستتبع بطبيعة الحال العودة إلى ما يسمى الإسلام النقى أو إسلام البراءة الأولى وهو تصور فى جوهره سلفى بامتياز لأنه فى الواقع يمثل جوهر دعوة الجماعات السلفية فى طول وعرض العالم الإسلامي، ومن ثم فإننا عندما نتبنى تلك الأفكار الآن فنحن فى الحقيقة نعيد تسليم حاضرنا لماض شديد الالتباس. وأظن أن كثيرين من مشايعى الإمام وتلامذته فى عصرنا ظلوا ، دون أمانة علمية واجبة ، يمتحون من مفكر الثورة الإسلامية الإيرانية «على شريعتي» ويرونه نموذجا للمفكر الإسلامى الثورى الذى يقوم مشروعه على الوحدة الكاملة بين سلطة الدين ممثلة فى ولاية الفقيه وبين دولة من الرعاة والخاضعين، دون أن يضع أيا من هؤلاء اعتبارات واجبة للفروق الجوهرية بين الوعى الصفوى بالدين مقابل الوعى السنى ابن ثقافة الأكثرية ، والذى لم يرتبط فكريا بدولة الخلافة . لذلك أتصور أن المشروع الذى كان حريا بالنقاش فى لحظة كهذه هو «حتمية علمنة الدين» ومن ثم إعادته إلى قيمته الإيمانية التطهرية لا أكثر. وهو ربما جوهر الورقة التى قدمها أدونيس دون أن يقصد ، بالضرورة ، إلى توجيه إهانة مستحقة لمنظمى معرضٍ بدا ، على كل الأصعدة ، خارج الزمن.
لمزيد من مقالات محمود قرنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.