يُعد العلاج بحبيبات الذهب المتناهية الصغر، حديث المرضى والأصحاء حول مدى جدواه، وإلى أين وصلت نتائج التجارب التى أجريت عليه، ومتى يُتاح كأسلوب علاجى مستقر لمرضى السرطان.. فبعد سبع سنوات من الدراسات البحثية أعلن منذ أيام بالمركز القومى للبحوث عن نجاح التجارب على مستوى الكلاب والقطط وبدء تجارب جديدة على القردة، كما تقرر إعداد مقترح لبدء التجارب الإكلينيكية على عدد من المتطوعين بالمعهد القومى للأورام قريبا. ويذكر رئيس الفريق البحثى د.عماد الأشقر أستاذ التحليل الطيفى بالمركز القومى للبحوث أن الدراسات الأولية للمشروع بدأت فى عام 2008 تحت إشراف العالم المصرى د.مصطفى السيد، بترحيب من د.هانى الناظر رئيس المركز فى ذلك الوقت، بهدف التوصل لتقنية لعلاج السرطان تصلح للتطبيق على المستوى العالمى. وقرر الفريق بدء التجارب على الفئران التى يتم إحداث الإصابة بها، ثم إدخال حبيبات الذهب النانومترية المغلفة بمواد متوافقة بيولوجيا مع الخلايا الحية كى تتمكن من الارتباط بالخلايا المصابة. أما حبيبات الذهب النانومترية فيتم تحضيرها -كما يقول د.الأشقر- بطريقتين هما الطحن، أو إذابة المعدن فى حمض، ثم ترسيبه، مع التحكم فى حجم الحبيبات المترسبة، وإيقاف نموها عند الأحجام المطلوبة. وقد تم اختيار الطريقة الثانية، لتجنب احتمال تلوث الحبيبات المنتجة بالطريقة الأولى. كما تم اختيار الذهب لكونه بطبيعته معدنا خاملا كيميائيا وبيولوجيا، مما يميزه عن باقى المعادن الأخرى فى عدم تسببه فى حدوث أى أضرار محتملة للأجزاء المصابة بالسرطان المعالجة به. وكذلك، تتميز حبيبات الذهب النانومترية المغلفة بخاصية التفرقة بين الخلايا السليمة والمصابة بالسرطان، إذ تتجه مباشرة بعد حقنها للخلايا المصابة دون غيرها. وأوضح د.أحمد عبدون الأستاذ بالشعبة البيطرية وعضو الفريق البحثى أنه بعد تصنيع حبيبات الذهب بالطريقة المختارة، تم تجربتها معمليا على الفئران الصغيرة والكبيرة، كما تمت تجربة إدخال الحبيبات لأجسام الفئران بثلاث طرق مختلفة هى الحقن الوريدى، والحقن فى العضل، والحقن المباشر فى خلايا الورم. وتمت هذه التجربة على ثلاث مجموعات يتكون كل منها من عشرة فئران. وبناء على نتائج هذه التجارب التى استغرقت عامين، اتفق الفريق على اختيار طريقة الحقن المباشر لجسيمات الذهب بخلايا الورم، ليتم تسليط شعاع الليزر عليها بطاقة يمكن لحبيبات الذهب المحقونة بمنطقة الورم أن تمتصها، لتقوم بقتل الخلايا السرطانية الموجودة بكامل المنطقة المصابة دون غيرها. ومن هنا يمكن القول إن العلاج يتم بتسليط شعاع الليزر على الخلايا السرطانية المحقونة بحبيبات الذهب بعد تحديدها. وعندما يسقط شعاع الليزر على حبيبات الذهب الملاصقة للخلايا المصابة بالسرطان، تنتقل الحرارة المتولدة عن الليزر من حبيبات الذهب إلى الخلايا السرطانية فتؤدى إلى موتها تماما بطريق الحرق، علما بأن تصميم أحجام وأبعاد حبيبات الذهب النانو يتم بصورة تحقق أقصى امتصاص لأشعة الليزر لها، وبتركيز يتناسب مع حجم الورم وحجم الحيوان المحقون. ومن رحمة الله تعالى بنا -على حد قول د.عبدون- أن الخلايا السرطانية التى تصيب الإنسان تُعتبر من أكثر الخلايا فى الجسم حساسية للتغيرات فى درجة الحرارة، إذ تميل للموت تلقائيا بمجرد ارتفاع درجة حرارة الجسم إلى أكثر من 41 درجة أو انخفاضها إلى ما دون 36 درجة. مرحلة جديدة ونظرا لحاجة هذه الأبحاث لمزيد من الدعم المادى للوصول للأهداف المرجوة منه، عرضت مؤسسة "مصر الخير" على د.أشرف شعلان رئيس المركز فى عام 2010 التعاون فى تمويل البحث من أجل توصيل مخرجاته إلى حيز التطبيق العملى لخدمة المجتمع. ولذلك استمر العمل البحثى فى هذه المرحلة لاستكمال الدراسات على حيوانات التجارب. وعقب الانتهاء من تلك المرحلة التى أكدت سلامة وأمان حبيبات الذهب النانومترية فى علاج الخلايا السرطانية، أمكن إعداد تقرير نهائى بما تم التوصل إليه من نتائج مبشرة لتقديمه لوزارة الصحة. ولضمان تحقيق المزيد من النجاح، والتأكد من سلامة، وأمان العلاج؛ طالبت وزارة الصحة بإجراء دراسة محددة على حيوانات أكبر حجما من الفئران مثل القطط والكلاب، تمهيدا للتطبيق على المتطوعين من المرضى. وبتكليف من د.أشرف شعلان رئيس المركز للدكتور أحمد صبرى عبدون، بدأ الفريق تصميم تجاربه على الحيوانات الكبيرة المصابة بالورم حيث تم إجراء مسح على عدد كبير من الحيوانات المترددة على ثلاث عيادات بيطرية لكل من: د.محمد الأشقر، ود. نيفين حماد، والسيدة منى خليل رئيس الجمعية المصرية للرحمة بالحيوان. وتم اختيار 14 كلبا وقطا مصابة بالسرطان لعلاجهم. وعندئذ، تم الفحص بالسونار، كما تم تحليل عينات من دماء الحيوانات للتأكد من عدم إصابتها بأمراض خطيرة أخرى يمكن أن تؤثر فى مسار العلاج. وأمكن الحصول على عينات من الأورام لتحليلها باثولوجيا بواسطة د.مروة الشاعر أستاذ الباثولوجى بالمركز. ومع التأكد من وجود الأورام، تم حقن الحيوانات مباشرة بحبيبات الذهب النانومترية، ثم تعريض الأجزاء المحقونة لجلسة واحدة أو أكثر من أشعة الليزر لمدة 10 دقائق تبعا لمساحة الورم، وحجمه. وبعد ذلك تمت متابعة الحالة يوما بعد يوم لملاحظة درجة الاستجابة للعلاج حيث أظهرت النتائج توقف نمو الورم فى كافة الحالات وشفاء 50% من الحالات خلال وقت قياسى. ولاستكمال الجوانب الأخرى للأبحاث، تم التعامل مع الحيوانات المصابة -كما تقول د.أميمة قنديل الأستاذ بالشعبة البيطرية بالمركز- بطريقة أخرى تعتمد على استئصال الورم جراحيا، ثم رش حبيبات الذهب النانو على موضع الجراحة، وتعريضه لأشعة الليزر بعد غلقه. وأكدت نتائج متابعة الحيوانات المعالجة بهذا الإجراء عدم عودة الإصابة بالورم مرة أخرى، كما كانت نتائج تحاليل وظائف الكبد والكلى، وصورة الدم طبيعية تماما، ولم تكن هناك أى آثار جانبية للعلاج. وحاليا من المقرر خلال الأيام المقبلة إجراء تجربة علاجية أخرى على القردة "موزة" بحديقة الحيوان، والمصابة بورم بغدد الرقبة. وتأكيدا لكل ماسبق من نتائج علمية مهمة يجرى حاليا بالتنسيق مع العالم المصرى د.مصطفى السيد، ود.حسين خالد أستاذ علاج الأورام ود.هانى الناظر، ود.محمد لطيف عميد معهد الأورام، وأعضاء الفريق البحثى إعداد مقترح بحثى لبدء التجارب الإكلينيكية قريبا على عدد من المتطوعين بالمعهد القومى للأورام.