في بداية خمسينيات القرن الماضي, انتشر استعمال كلمة كاريزما في العلوم الاجتماعية ووسائل الإعلام وغيرهما علي مستوي العالم, وبخاصة في المجتمعات الغربية, ولقد دفعني انتشار هذه الكلمة الي البحث عن أصلها ومعناها, حيث اتضح بالرجوع الي المعاجم والمراجع العالمية أنها كلمة يونانية, وهي تعني الموهبة التي يمنحها الله لمن يشاء من خلقه, والكاريزما إما أن تكون ظاهرة علي الشخص الذي يتميز بها, وتسمي الكاريزما الشخصية أو القيادية, أو أن تكون غير ظاهرة, ويطلق عليها اسم كاريزما الإبداع, وتتميز الكاريزما القيادية بقوة الجاذبية لدي شخص ما, أو سحر جذاب في شخصية القائد, سياسيا كان أو اجتماعيا أو دينيا, مما يدفع الجماهير إلي حبه وتأييده والولاء له والألتفاف حوله, ومن أمثلة أصحاب الكاريزما القيادية نابليون بونابرت وجون كيندي وجمال عبدالناصر, والشيخ محمد عبده والشيخ شلتوت والشيخ محمد متولي الشعراوي, وقد تكون هذه الكاريزما لشخصية عامة تتمتع بالجاذبية والحب والإعجاب الجماهيري, مثل الشخصيات الموهوبة في عالم الفن والرياضة وغيرهما, وهناك أمثلة لا حصر لها في هذا العالم. أما كاريزما الإبداع فتشمل مجالات كثيرة, مثل الموسيقي والطرب والفنون الأخري بمختلف أنواعها وألوانها, والأدب والشعر والخطابة وسحر البيان وتلاوة القرآن. ومن أمثلة أصحاب كاريزما الإبداع سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وأسمهان وفريد الأطرش ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وزكريا أحمد وعبدالحليم حافظ وبليغ حمدي في الموسيقي والطرب, والشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ النقشبندي والشيخ عبدالعظيم زاهر في تلاوة القرآن والإنشاد الديني, وشكسبير وطه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم في الأدب, والمتنبي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم في الشعر... وغيرهم كثيرون في شتي مجالات الإبداع. كما ذكر في بعض المراجع أن خاصية الخصوبة ونوع جنس المولود ذكرا كان أو أنثي هي موهبة من عند الله سبحانه وتعالي الذي يقول في محكم آياته لله ما في السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير الشوري49 و50, وعن حكمة الله في أن يهب الله الإنسان ذكورا أو إناثا بمشيئته وحده, يقول بعض الخبراء إنها إرادة الله أن يكون هناك توازن بين أعداد النساء والرجال, وأن حدوث أي خلل في هذا التوازن قد يؤدي إلي مشكلات اجتماعية لا يحمد عقباها, فمن المعروف علي مستوي العالم أن معظم الناس يفضل الذكور عن الإناث, ولو أنهم تركوا لرغبتهم لزدادت نسبة الذكور علي الإناث, وهذا يؤثر بالسلب في التزاوج والتكاثر, ولقد دلت الدراسات التي أجريت علي مدي العصور أن هناك تقاربا بصفة مستمرة في نسب الذكور إلي الإناث, وإن كانت الحروب التي قضت علي ملايين الذكور دون الإناث قد أدت الي تغير النسبة لسنوات قليلة, إلا أنه سرعان ما عاد التوازن بين أعداد الرجال والنساء إلي سابق عهده, وذلك بإرادة الله ومشيئته. ولقد حبا الله مصر بطاقات إبداع مختلفة أثرت الثقافة والفن وغيرهما, ليس علي مستوي مصر فحسب, بل امتد الإثراء ليشمل الدول العربية وكثيرا من دول العالم, وإننا نأمل أن يقوم في مصر مشروع يستهدف البحث عن المواهب وصقلها وتنميتها بين طلاب المدارس والجامعات ومراكز البحوث وغيرها, فربما أسفر البحث عن كاريزمات إبداعية في مختلف مجالات الابتكار والمهارات الفنية والهندسية والتكنولوجية والإنشائية, بحيث تشكل هذه الكاريزمات ثروة بشرية فوق الثروات الطبيعية التي تنعم بها مصر.