تأتي الرسوم المسيئة للإسلام والاستجابة الأصولية عليها بالمزيد من تأجيج صراعات عسكرية كبري تدور بالفعل في عالمنا المضطرب المختل, وتغطي خريطة العالم,حيث تنطلق هذه الأصولية المقاتلة إليه من بؤرة الشرق الأوسط حاملة معها الدمار إلي كل مكان. ومن المرجح أن يؤدي هذا الصراع, بحكم توازن القوي, إلي هزيمة حاسمة لمشروع الإسلام السياسي الذي بدأ القتال ضد الغرب في عقر داره منذ11 سبتمبر2001, بكل الدمار الذي قاد إليه ذلك الحدث الرهيب. وكان الهجوم الأصولي علي البرجين ومواقع أخري في الولاياتالمتحدة قد أتي انتقاما من الحرب الأمريكية والعالمية ضد إرهاب القاعدة وطالبان في أفغانستان. وبعد عقود من إيواء الغرب لجماعات الأصولية الإسلامية الإرهابية لاستخدامها عند الضرورة, صار عليه منذ ذلك الحين فصاعدا أن يدفع الثمن, كما صار علي شعوب العالم الإسلامي أن تدفع بدورها ثمن تحويل ديكتاتورياتها الحاكمة لأقسام واسعة من شعوبها إلي طريق الإرهاب كملاذ أخير ضد متلازمة الفقر التي خلقت البيئة الاجتماعية والثقافية الملائمة. وبالطبع فإن هذه التطورات الآخذة في التفاقم ترتبط بتأجيج الإسلاموفوبيا الغربية ضد الإسلام والإسلاموفوبيا الإسلامية ضد الغرب. وقد دخلت في رءوسنا كلمة الإسلاموفوبيا المنحوتة في الغرب في أوائل القرن العشرين, من الإسلام والخوف أو الخوف المرضي, مغلفة بالإبهام والغموض.والمقصود بهذا التعبير هو توجس الغرب إزاء الإسلام والمسلمين. ومع هذا فقد استخدم الإسلام السياسي هذا التعبير ضد معناه الأصلي وأراد به أن يحرق روح المجتمعات الغربية متهما إياها باضطهاد المسلمين بوصفهم مسلمين لابتزاز الدول والشعوب الغربية باستغلال عقدة الذنب الناشئة عن ماضي وحاضر الممارسة الإمبريالية لتلك البلدان, في سبيل فتح مجال أوسع فأوسع أمام الغزو أو الفتح الإسلامي الأصولي للغرب فيما يسمي بأسلمة الغرب, وهنا تبدأ حرب غير متكافئة ضد الغرب في عقر داره, وهي حرب تغذيها حماقة القوة التي دفعت الأصولية الإسلامية إلي توسيع نطاق الحرب التي لا يمكن أن تنتهي إلا بدمارها. ومن المهم أن ندرك أن الدول الغربية الاستعمارية لا ترسم سياساتها تجاهنا أوتجاه غيرنا علي أساس الأديان.إنها ترسمها في الحقيقة علي أساس المصالح الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية;وهذا الإدراك ضروري لتحديد سياساتنا ومواقفنا وردود أفعالنا علي أساس الحقائق, وليس علي أساس الأوهام.وهذا شرط مهم من شروط تفاعلنا الصحي مع هذه الشعوب ثقافيا وإنسانيا وسياسيا. وبهذا يصب المفهوم الأصولي للإسلاموفوبيا في التيار العام للزينوفوبيا( الخوف من الأجانب) في الغرب. وللزينوفوبيا بالطبع مصادر كثيرة منها دور العمل الرخيص المهاجر إلي الغرب والذي يزاحم جماهير عاملة محلية تعاني أصلا البطالة والإفقار النسبي والمطلق, وقد يكون هذا العامل الأجنبي المنافس لعمال الغرب في عقر دارهم مسلما أو مسيحيا أو بوذيا, فهي لا تقتصر علي معاداة الأصوليين الإسلاميين ولم تبدأ بهم.وهناك بالطبع شوفينية شعوب الغرب وراء رأسمالياتها. وهناك كذلك دور العداء التاريخي بين الاستعمار الغربي وشعوب المستعمرات بكل ويلات الاضطهاد الاستعماري, وبكل الضغائن التي تراكمت لدي الجانبين, نتيجة للحرب الاستعمارية العدوانية ضد الشعوب التي كانت تقاوم وتقاتل الاستعمار في حرب دفاعية في سبيل الاستقلال والتحرر من التبعية الاستعمارية. كما يوجد تراث عنصري في الغرب لا يجوز إغفاله. فهناك التراث الاستعماري والقومي والشوفيني والفاشي والنازي واليميني الذي يتغذي عليه إحياء وصعود التيارات والمنظمات اليمينية والفاشية في الغرب في العقود الأخيرة. ومعني هذا أننا نتعامل مع رد فعل مجتمعات الغرب علي السلوك الفكري والإرهابي الأصولي الذي يعيث في الغرب فسادا بالفعل, فهي مجتمعات الاستغلال الرأسمالي والفساد المالي والاستبداد المسلح بالتكنولوجيات الحديثة, مجتمعات استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وحرب الكل ضد الكل, مجتمعات أساطير الأيديولوجيات الاستعمارية التي لم تبرأ منها الشعوب الغربية بعد. وتساهم الأصوليات الإسلامية في تأجيج الإسلاموفوبيا والزينوفوبيا بسلوكها الذي يقوم علي النظر إلي البلدان الغربية, التي نذهب إليها باحثين عن العمل هربا من البطالة والفقر, أو بحثا عن الأمان هربا من الاستبداد البوليسي والعسكري, علي أنها ساحة مفتوحة لفتوحات أو غزوات إسلامية جديدة. وطالما استمر هذا السلوك الإسلامي الأصولي فإن كوارث رد فعله, بين أشياء أخري, لن تقتصر علي الإسلام السياسي أو الإسلام أو المسلمين بل ستمتد إلي المجتمعات الغربية من خلال استفحال خطر الاتجاهات اليمينية والفاشية كما نري بوضوح في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الغرب أو الشمال. ومع تأييدنا المطلق للنضال الاستقلالي الحقيقي لشعوبنا ضد الإمبريالية الغربية وضد أمركة العالم, إلا أننا ضد حركات أسلمة الغرب وضدأسلمةالشرق, علي السواء. ولماذا نعتبر رد الفعل المتوقع من المجتمعات الغربية ضد سلوك الإسلام السياسي إزاءها بروح الغزو والفتح والأسلمة خوفا مرضيا نفسيا تستحوذ أوهامه علي العقول في الغرب؟ولا مناص الطبع من أن ينتهي رفض الغرب لأسلمته إلي مواقف عدائية ضد المسلمين في الغرب وفي العالم وإلي حروب عدوانية جديدة ضدهم. لمزيد من مقالات خليل كلفت