يبدو أن أزمة الغذاء فى العالم لم تفرق بين الدول الفقيرة والدول الغنية على حد سواء ، خاصة بعد أن وصلت إلى عقر دار واحدة من أكثر الدول ازدهارا فى العالم، وهى بريطانيا، والتى يعانى العديد من مواطنيها أزمة الجوع بشكل كبير . يأتى ذلك فى ضوء التقرير الذى نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية والذى قامت بإعداده إحدى اللجان البرلمانية ضمت بين ثناياها جميع الاتجاهات السياسية بتمويل من الكنيسة الانجليزية والجماعات التطوعية التى تعمل على مكافحة الفقر فى كافة أرجاء المملكة، ويسعى إلى إنهاء ظاهرة الجوع من البلاد بحلول 2020، وقد جاء التقرير تحت عنوان "إطعام البريطانيين "محذرا من تفاقم الفقر فى بريطانيا، حيث يزداد عدد الذين يعانون من الجوع بشكل صارخ واصفا ما يجرى بان الجوع يطارد المواطنين فى أكثر من مدينة داخل البلاد ، مشيرا إلى تزايد عدد الأسر التى لا تمتلك قوت يومها، أو ما يكفيها لشرائه. وأعلنت واحدة من أكبر جمعيات بنوك الطعام فى المملكة المتحدة، وتدعى جمعية "تراسيل تراست" أن عدد الذين طالبوا بمساعدات غذائية قد زاد منذ عام 2011 إلى عام 2014 بفارق 784٫441 ألف شخص. ويلقى التقرير اللوم على الحكومة التى اتخذت العديد من الإجراءات التقشفية بدءا من خفض الأجور، مرورا بارتفاع نفقات البنود الأساسية مثل السكن ،الطاقة انتهاء بارتفاع أسعارالمواد الغذائية التى زادت بشكل لم يسبق له مثيل منذ عشرة أعوام. وتتمثل حالة الجوع فى بريطانيا بعدم قدرة الأسر على الوفاء باحتياجات أطفالها مما يجعلهم يذهبون إلى مدارسهم دون الحصول على وجبة الإفطار، كما أن عدم إجادة هذه الأسر للمهارات الأساسية لطرق طهى الطعام ضاعف من هذه الأزمة حيث يضطرون إلى شراء أطعمة جاهزة بأسعار مرتفعة، علاوة على أن الطعام يهدر بكميات كبيرة، و بشكل مستمر، بينما الجوع ينتشر فى مناطق كثيرة فى البلاد . وقد قارن أسقف كانتربورى جاستن ويلبى فى مقال له نشرته جريدة "ميل اون صانداى وضع اللاجئين فى أحد المخيمات بجمهورية الكونغو الديمقراطية بوضع أسرة بريطانية التقى بها فى احد بنوك الطعام حيث عبرت الأسرة المكونة من أب وأم وطفل واحد عن شعورهم بالخزى بسبب اضطرارهم لطلب الطعام، متحدثا عن الصدمة التى أصابته من كم الجائعين فى بريطانيا أكثر من صدمته بالجوع فى بعض البلدان الإفريقية، لأنه ببساطة أمر لا يمكن توقعه، مما جعله يطالب السلطات البريطانية بتقديم المزيد من المساعدات للبريطانيين المحتاجين، والذين يعانون من نقص الإمكانيات المالية اللازمة للحصول على طعام . ومن المتوقع أن تؤدى حالة الفقر التى أصابت الكثير من البريطانيين إلى حدوث خلاف بين الكنيسة فى انجلترا، وحزب المحافظين الذى يتولى الحكم منذ عام 2010، ولا سيما بعد أن أعلنت الحكومة مؤخرا عن تجميد الإعانات الاجتماعية لمدة عامين باستثناء تلك المقدمة للمعاقين والمتقاعدين للمساهمة فى خفض العجز إذا فازوا فى الانتخابات التشريعية فى مايو المقبل. كما اعتبر حزب العمال المعارض ما يقوم به المحافظون إجراء عقابيا للطبقات المتوسطة والشعبية بعد تبنيها ميزانية تقشفية غير مسبوقة ، وتكمن المفارقة فى هذه الأزمة بين كثرة بنوك الطعام المنتشرة فى كافة أرجاء المملكة، وحجم الفقر المدقع فيها حيث تضم بريطانيا، التى افتتح فيها أول بنك للطعام عام 1990، أكثر من 470 بنكا للطعام تديرها جميعا جمعية " تراسيل تراست " غير أن هذا العدد لم يحول دون وقوع هذه الأزمة . ويرجع التقرير أزمة الغذاء فى بريطانيا إلى وجود أزمة أخلاقية واضحة فى معالجة أوجه القصور الموجودة فى نظم الرعاية الاجتماعية فى بريطانيا، فهى معقدة ومرهقة من حيث الاستجابة بفعالية للتغيرات اليومية فى حياة المواطنين، فضلا عن الجدل الدائم، فيما يتعلق بضمان الاستغلال الأمثل للموارد ، خاصة أن بريطانيا مرت بأكبر ركود اقتصادى فى الذاكرة المعاصرة، ويعتبر التمسك بالخطة الاقتصادية طويلة الأجل للحكومة أفضل سبيل لتحسين مستويات المعيشة . ويدعو التقرير إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان بذل المزيد من الجهد لمكافحة الجوع ، ومنها العمل على إنشاء هيئة للغذاء تمولها الحكومة، وتشرف عليها الوزارات المعنية بهذا الشأن من أجل "بريطانيا خالية من الجوع "، وإنشاء بنوك طعام أكثر، تقوم بتوزيع المزيد من الطعام المجانى على المواطنيين، وتقديم المشورة لهم حول كيفية الحصول على الدعم الحكومي. والأهم من ذلك العمل على رفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير وجبات مدرسية مجانية خلال العطل المدرسية للأطفال الأكثر فقرا ، والاستجابة لمقترحات تهدف لتشجيع محلات السوبر ماركت لإعطاء الفائض منها إلى الفقراء ، و ربط شركات المواد الغذائية بالجمعيات الخيرية.