بدأت تدعيات تنظيم داعش فى العراقوسوريا المتوقعة فى الظهور، حيث استطاع التنظيم ضرب أسعار البترول عالميا، بعد الاستيلاء على الكثير من منابع البترول فى مناطق نفطية كبيرة على جانبى الحدود السورية العراقية, وبيعه لتجار دوليين ومهربين عن طريق تركيا بسعر 25 دولارا أمريكيا للبرميل. كما أثرت عمليات داعش المستمرة فى تهريب البترول على أسعار البترول فى الأسواق العالمية، مما أدى إلى هبوط سعر البرميل من خام برنت إلى حوالى 70 دولارا أمريكيا، وهو أقل سعر وصل إليه سعر البرميل منذ أربع سنوات , مما كان له أثر سلبى كبير على أسواق المال الخليجية فى المقام الأول والشركات المنتجة للبترول والمصدرة له، وكذلك على الشركات الصناعية الدولية المتصلة بتجارة البترول . ووفقا لتقارير غربية، فإن قيمة سوق البترول التى تسيطر عليها داعش تقدر بحوالى مليونى دولار يومياً، وهو ما يعنى أنه يتوفر بين يدى إرهابيى داعش ما قيمته 370 مليون دولار سنوياَ، وهو مبلغ كافٍ لاستمرار عمليات التنظيم لما وراء العراق. وإضافة إلى ذلك، يمتلك التنظيم مصاف تحضيرية صغيرة فى سوريا, ثم يعود البترول المكرر بعد ذلك إلى داعش لتتمكن من بيعه محلياً، فى كل من العراقوسوريا, وهو ما يوفر للتنظيم ثروة بالعملة الصعبة، كما تستخدم داعش البترول فى معاركها، أى فى إمداد وتموين معداتها العسكرية على الأرض. ويعتبر الأمر الرئيسى الذى ساعد داعش على بيع البترول فى السوق السوداء هو سيطرتها على جميع نقاط التهريب, حيث يتم نقل البترول الخام عبر الناقلات إلى الأردن عبر محافظة الأنبار العراقية، وإلى إيران عبر كردستان، وإلى تركيا عبر الموصل، وإلى أسواق سوريا المحلية، وإلى منطقة كردستان العراق، حيث يتمّ تكرير معظمه محلياً. ومن جانبها, غضت تركيا نظرها عن الأمر، وقد تستمر على هذه الحال إلى أن يمارس الغرب عليها بعض الضغط لإغلاق أسواق البترول السوداء فى جنوب البلاد. ولحسن الحظ أنه، حتى الآن، لم تصل داعش إلى جنوبالعراق الذى يضم الجزء الأهم من بترول البلاد، والحقيقة أنه قد تكون السيطرة على الأصول الجنوبية للبلاد مهمة يستحيل على التنظيم تنفيذها, حيث يتواجد الشيعة فى تلك المناطق، ويحكمون سيطرتهما عليها جيدا، الأمر الذى يمنع تلك الجماعة الإرهابية من دخولها أو حتى التفكير فى ذلك، على الأقل فى الوقت الحالي. وفى الوقت نفسه، نجد أن إنتاج البترول يعتبر السبيل الوحيد لداعش لتحقيق أهدافها، حيث يحاول التنظيم تأسيس دولة ذات اكتفاء ذاتى ورأسمالى فيما يعرف باسم "المثلث السني" غرب العراق وشماله عن طريق توسيع رقعة الأراضى التى يسيطر عليها، وضمّ المزيد من التكفيريين إلى صفوفه، مع التركيز على المتطرفين من حاملى جوازات السفر الأجنبية، لأن هؤلاء يسهل تنقلهم، مما يتيح للتنظيم فى النهاية السيطرة على مزيد من الأراضي، وبالتالى مزيد من آبار البترول. وهذا الأمر ينذر بالخطر، لأن المعروف أن مسرح عمليات التنظيم حاليا قريبة للغاية من شبه الجزيرة العربية التى تضمّ 60% من احتياطيات الطاقة التقليدية فى العالم، وتساهم ب40% من الإنتاج العالمى للبترول والغاز، الأمر الذى قد يساهم فى تدفق الأموال لتوسيع إمبراطورية الإرهاب توسعاً يفوق الخيال. والسؤال الذى يطرح نفسه هو : ما السبب الحقيقى الذى يجعل واشنطن غير مهتمة بمنع داعش من السيطرة على الحقول البترولية التى تقع جميعها فى مناطق صحراوية مكشوفة يسهل قصفها؟ ولماذا لا توجه الطائرات الأمريكية عمليات القصف لنقاط التهريب، لتقليص قدرة داعش المالية؟ إن ما يحدث فى المنطقة حاليا ما هو إلا لعبة سياسية أمريكية ماكرة غايتها ضرب الاقتصاد الروسي بالدرجة الأولي، بالإضافة إلى محاولتها تحطيم تجمع "بريكس" الاقتصادى النامى الذى يضم روسيا والصين وغيرهما، كما أنها وسيلة جديدة لتعميق الفجوة بين الشيعة والسنة فى المنطقة، حيث إن حقول البترول الكبيرة فى العراق غير مهددة حاليا بشكل مباشر، لأنها تقع فى الجنوب كما سبق الذكر، إلا أن احتمال تقدم "داعش" صوب الجنوبالعراقي، وإن بقى ضئيلا، يعد السيناريو الأسوأ، فلو حدث سيؤدى ذلك إلى تعميق سريع لتقلبات أسواق الطاقة العالمية. وهذا السيناريو يستتبع بالضرورة القول إن هذا معناه أنه إذا أريد لجهود مكافحة "داعش" النجاح، فإنه لابد من إشراك إيران فى هذه الجهود، ورغم أن إيران لا تقبل بشكل واضح ولادة دولة خلافة سنية راديكالية أو إرهابية على حدودها الشمالية الغربية، فإن انفتاح المجتمع الدولى على طهران وتقديم بعض التنازلات لها فى الملف النووى الإيرانى سيساهم فى زيادة الجهد الإيرانى فى الكفاح ضد "داعش"، وهو ما ثبت قبل أيام عندما توخت أمريكا الصمت تجاه معلومات عن قيام طائرات إيرانية بشن غارات على مواقع داعش فى شرق العراق دون استشارتها، فكان "صمتا أقرب إلى الرضا"! إذن، فسرقة داعش للبترول تتم على مرأى وأعين الجميع، تماما كما ضربت إيران شرق العراق برضا أمريكي، لأن هذه السرقات ستحقق مصالح مشتركة لأطراف دولية وإقليمية كثيرة، فضلا عن أثر ذلك على زيادة أسهم أمريكا فى قائمة القوى المنتجة للبترول، وأيضا فى تقويض نفوذ حلفاء لها فى المنطقة اقتصاديا، أو بالأحرى الضغط عليهم عبر التراجع الهائل فى أسعار البترول.