إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    شهداء وجرحى في قصف لطيران الاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة (فيديو)    5 أندية في 9 أشهر فقط، عمرو وردة موهبة أتلفها الهوى    احذروا ولا تخاطروا، الأرصاد تكشف عن 4 ظواهر جوية تضرب البلاد اليوم    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داعش .. تفاصيل "الذمة المالية" لأغنى تنظيم إرهابى فى العالم
نشر في النهار يوم 16 - 10 - 2014

بات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف إعلاميا بتنظيم "داعش"، يحمل ألقابًا غير معهود إطلاقها على التنظيمات الإرهابية المماثلة له، فالبعض وصفه بأنه "أغنى تنظيم إرهابي في العالم"، وقدرت بعض الدراسات رأس مال التنظيم بحوالي 2 مليار دولار(1). وآخرون وصفوه بأنه "أخطر تنظيم إرهابي في العالم" لجسامة الأخطار والتهديدات التي يمثلها هذا التنظيم على واحدة من أهم مناطق العالم من الناحية الجيوبيولتيكية والجيوقتصادية(2). وبعضهم اعتبروه "أكبر تنظيم إرهابي في العالم" لأنه يسيطر ويفرض سيادته على مساحة من الأراضي والأقاليم تصل إلى مساحة بريطانيا(3)، ومن مساحة دول مجلس التعاون الخليجي (بدون السعودية وعمان).
وكأي تنظيم نفعي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، فإن تنظيم داعش لم يتورع عن القيام بأي أفعال وسلوكيات هي طبقًا للقانون "أعمال إجرامية يعاقب عليها القانون" مثل السرقة والاحتيال والنصب والابتزاز والاختطاف وقطع الطرق، جنبًا إلى جنب مع قتل وترويع المسالمين العزل من المسلمين وغير المسلمين. وهو ما يثير تساؤل رئيسي مفاده: ما الذي يجعل تنظيمًا لم يتجاوز عمره خمس سنوات بكل هذه القوة والنفوذ والقدرة على التوسع؟.
يرجع تنامي نفوذ وسيطرة داعش عاملين؛ العامل الأول اقتصادي، متمثل في تعدد مصادر تمويل داعش التقليدية والمعروفة، بالاستيلاء على الموارد الطبيعية (وتحديدًا النفط) وتخصيصها، والاستفادة من عوائدها الضخمة لتمويل عملياته الإرهابية والتوسعية عبر تهريبها وبيعها في السوق السوداء، وهو ما ساهم في تقوية شوكة هذا التنظيم الإرهابي. والسبب الآخر سياسي، ويتمثل في عاملين، غياب الدولة القوية التي سمحت بوجود مثل هذه التنظيمات غير الرسمية وتقويتها بصور باتت معها دولة داخل الدولة (بتعبير جويل مجدال)، والعامل الآخر، هو غياب استراتيجية جادة للتحالف الدولي لمواجهة هذا التنظيم الذي ينتشر كالسرطان عبر منطقة الهلال الخصيب وما وراءها.
مصادر تمويل داعش
تؤكد كاثرين فيليب أن تنظيم داعش بات من أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم، وأن مصادر تمويله أصبحت متعددة وواسعة(4). ومن خلال التقارير والدراسات التي تطرقت إلى مسألة تمويل داعش، والتي حتى الآن لم يُمكن التأكد من مدى صحتها أو حقيقتها بصورة أكيدة - تمكنا من حصر حوالي 12 مصدرًا لتمويل الأعمال الإرهابية التي تقوم بها داعش، سواء في العراق أو في سوريا(5). وهذه المصادر هي على النحو التالي:
1- تبرعات أثرياء الخليج: حيث رصد تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في شهر يونيو الماضي وجود عدد كبير من الأثرياء والشخصيات الخليجية التي دعمت ومولت الأنشطة الإرهابية في كلٍّ من العراق وسوريا، ووفقًا للتقرير هناك (28) شخصية سعودية، و(12) عراقية، و(5) من الكويت، إلى جانب عدد آخر من قطر والإمارات والبحرين وقطر.
2- أموال الصداقات والتبرعات والزكاة: حيث عملت المنابر والقنوات الإسلامية خلال عامي 2011/2012 على تشجيع المسلمين على توجيه أموال الزكاة والتبرعات والصدقات لتأييد الجهاد والمقاومة في سوريا، وهي الأموال التي وجدت طريقها بصورة مباشرة إلى كلٍّ من داعش وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية.
3- التمويل الخليجي (الرسمي) خصوصًا من دول مثل السعودية والكويت وقطر والإمارات، حيث قامت هذه الدول بتمويل هذا التنظيم في البداية كجزء من حربها بالوكالة ضد نظام الأسد، قبل أن ينقلب عليها ويبدأ في التوسع والتمدد وتهديد دول الخليج ذاتها، ويمكن القول إن هذا المصدر من تمويل داعش قد تراجع إلى حدٍّ كبير الآن. خصوصًا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع حول قطع التمويل عن كلٍّ من تنظيمَيْ داعش وجبهة النصرة، باعتبارهما تنظيمين إرهابيين(6).
4- التمويل الدولي: طبقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية السابق الإشارة إليه، وجد أن التمويل الذي تحصل عليه داعش يأتي من حوالي 31 دولة عبر العالم، من: الخليج، وباكستان، والجزائر، وتركيا، ومصر، ولبنان، وغانا، والسودان، وبريطانيا، والسويد، وهولاندا، وأستراليا، والسنغال، وتايلاند، وبنجلاديش، وغيرها من الدول؛ حيث تعتمد داعش (وهي في ذلك مثلها مثل القاعدة) على شركاء محليين مسجلين تحت أسماء وهمية، وتمارس نشاطها من وراء ستار قانوني وشرعي.
5- عوائد تحرير الأجانب المختطفين: حيث دأبت داعش على اختطاف المواطنين الأجانب، والموظفين الدوليين، والصحفيين الغربيين، ومساومة ذويهم ودولهم على الإفراج عنهم مقابل ملايين الدولارات كفدية. وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية أن عوائد هذه الطريقة بلغت أكثر من 25 مليون دولار سنويًّا.
6- نهب الموارد والسلع من الأماكن المسيطر عليها: من مستشفيات، ومراكز تسوق، ومطاعم، ومرافق الكهرباء والمياه في هذه المناطق، وهي المرافق التي توفر لها عوائد تُقدر بالملايين كل شهر.
7- عوائد التهريب: من النفط، والأسلحة، والآثار، والمخدرات، والاتجار في البشر.. إلخ؛ حيث ذكر تقرير لقناة ABC الأمريكية وغيرها من المصادر أن العوائد اليومية من النفط المهرب ما بين 2 إلى 4 ملايين دولار.
8- الهبات من مؤيدي التنظيم: المنضمون لهذا التنظيم يأتونه محملين بكل ما يملكونه، ويتنازلون عنه، كونهم يؤمنون بأنهم في مهمة إلهية سامية. وذكرت بعض المصادر أن مؤيدي التنظيم في مدينة الموصل وفروا لداعش -حسب أحد المصادر- حوالي مليون دولار شهريًّا.
9- الابتزاز: إلى جانب فرض الترويع والقتل على المواطنين الأبرياء، فإنه يقوم بابتزاز الفلاحين والموظفين في هذه المناطق، ويجبر غير المسلمين على دفع الجزية، بصورة أدت إلى تهجير مئات الآلاف منهم. إلى جانب ذلك أيضًا تقوم داعش بفرض ضرائب شهرية على المؤسسات المحلية بحوالي 8 ملايين دولار.
10- السرقة والنهب: المثال على ذلك حادثة سطو داعش على البنك المركزي في الموصل، والاستيلاء على عشرات الملايين من الدولارات.
11- عائدات الحبوب: حيث قال أحد مسئولي وزارة الزاعة العراقية ان داعش بدأت تسطير على حوالي ثلث إنتاج العراق من القمح.
12- مناجم الذهب التي استولت عليها داعش في مدينة الموصل بعد سيطرتها عليها.
النفط في خدمة داعش:
يُعتبر الاستيلاء على حقول النفط في كلٍّ من العراق وسوريا من أهم وأكبر مصادر تمويل داعش، وصار لديها استقلال مالي واقتصادي كبير بفضلها، بصورة جعلتها توقف وتراجع المصادر والتمويلات القادمة من الخارج بحيث لا تؤثر على قوتها واستمراريتها. فبفضل هذه العوائد التي تصل إلى حوالي 4 ملايين دولار يوميًّا، وإلى حوالي مليار دولار كإجمالي(7)؛ أصبحت داعش قادرة على تمويل نفسها بصورة ذاتية، وهو الأمر الذي يُفسر سبب توسعها وتمدد نفوذها واتساع حجم المناطق والأقاليم التي باتت تقع تحت سيطرتها، بصورة جعلتها تبدو في الحقيقة كدولة.
كما نجحت داعش في استغلال حالة الهشاشة التي تمر بها الحكومة المركزية في العراق، وقامت بتوسيع نفوذها، وفرض قوتها على المناطق التي لا تخضع لسيطرة هذه الحكومة، وقدمت نفسها كبديل لهذه الحكومة، وهو الأمر الذي دعمه وسانده توافر العوائد المالية اللازمة للإنفاق على هذه المناطق، وتدعيم أسس التنظيم ووجوده على أرض الواقع.
ويُعتقد أن داعش باتت تُسيطر على حوالي 3060٪ من حقول النفط في سوريا؛ حيث تُسيطر داعش على أكبر ستة حقول في سوريا، وحوالي ثلاثة عشر حقلا في شمال وشرق العراق، إلى جانب ثلاث مصافٍ للبترول في العراق(8).
ففي سوريا، تسيطر داعش على حقول "غاز الشعار" القريب من تدمر، وحقل "التنك" القريب من دير الزور، وحقل "عمر" وحقل "نجمة". وغيرها من الحقول. وفي العراق، تُسيطر داعش على حقلي "عين زالة" و"بطمة" العراقيين اللذين تبلغ طاقتهما الإنتاجية اليومية حوالي 30 ألف برميل من النفط الخام، وحقل "القيارة" الذي تبلغ إنتاجيته اليومية حوالي 7000 برميل، وتُقدر احتياطاته بحوالي 800 مليون برميل، وحقل "الدجيل"(9). وسيطرت أيضًا على الحقول الموجودة في الجنوب من تكريت، على حقل "حمرين" الذي يبلغ إنتاجه حوالي 5000 برميل/يوميًّا، وحقل "عجيل" الذي ينتج حوالي 25 ألف برميل يوميًّا من النفط الخام، و150 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وتقدر بعض التكهنات أن داعش تقوم باستخراج وإنتاج حوالي 80 ألف برميل/يوميًّا (50 ألفًا في سوريا، 30 ألف برميل في العراق)(10).
تقوم داعش ببيع النفط الذي باتت تسيطر على حقول استخراجه وإنتاجه في السوق السوداء أقل من السعر العالمي بحوالي 75%؛ حيث تبيع البرميل بسعر يتراوح بين 25 إلى 50 دولارًا، في حين أن السعر العالمي للبرميل أكثر من 100 دولار. وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته الكارثية على مستقبل الاقتصاد في كلٍّ من العراق وسوريا، خصوصًا إذا ما علمنا أن النفط يُمثل مصدر الدخل الرئيسي لهذه الدول. وطبقًا لبعض الدراسات، فإن عوائد داعش من النفط وصلت إلى حوالي مليار دولار، مقابل 500 مليون دولار لتنظيم القاعدة، وهو ما يجعل من داعش أكبر وأقوى تأثيرًا من القاعدة على الأمن الإقليمي والعالمي من القاعدة التي ظلت محتلة قمة أكثر التنظيمات الإرهابية خطورة على العالم.
شبكات تهريب إقليمية للنفط:
ليس المطلوب فقط السيطرة على حقول إنتاج النفط كي تتمكن داعش من الحصول على تمويل أو تدفق نقدي يساعدها في تمويل استراتيجيتها الداعية للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي والأقاليم داخل العراق وسوريا، ولكن مطلوب أيضًا إيجاد شبكة تهريب دولية وإقليمية تساعدها في بيع وتصدير هذا النفط.
وتُشير التقارير المنشورة إلى أن المخرج/الباب الوحيد لتهريب النفط من العراق وسوريا هو عبر الجيران، وتحديدًا إيران وتركيا والأردن(11). حيث أوردت تقارير أمريكية وفرنسية أن هناك عصابات جريمة منظمة في كلٍّ من كركوك والموصل وتركيا وإيران تتولى التنسيق والترتيب والإعداد لتهريب هذه الكميات الكبيرة من النفط على شبكات تهريب دولية تتولى العملية برمتها، حيث يباع الصهريج الواحد بحوالي 10 آلاف دولار أمريكي، ووصل عدد الصهاريج التي كانت تهرب يوميًّا حوالي 60 صهريجًا(12).
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية؛ فإن النفطَ الذي يتم استخراجه من العراق (وتحديدًا من المناطق القريبة من جبل حمرين) يتم تهريبه قبل تزايد الاهتمام الدولي بداعش بصورة علنية عبر طريق قادر كرم إلى السليمانية وإلى أربيل في إقليم كردستان. وبعد تزايد الاهتمام الدولي بداعش بعد توسعها في عملياتها الإجرامية البشعة، تحول الأمر ليتم الآن عبر شبكة من المهربين ومالكي مقطورات وصهاريج نقل البترول أنفسهم عبر مناطق إقليم كردستان، وفي مناطق مثل الحفنية والبوغانم وسليمان بك وطوزخورماتو، ثم عن طريق تكريت وناحية رشاد التابعة لمحافظة كركوك، ومنها إلى الموصل ثم إلى سوريا وأخيرًا إلى تركيا(13).
وتشير التقارير المنشورة حول هذا الموضوع إلى أن المستفيد الأول من هذا النفط هو داعش بالدرجة الأولى، والتي تقوم بتوزيع هذا النفط والاستفادة منه في دعم وتمكين وجودها في الأماكن التي تسيطر عليها. ثم في الدرجة التالية لها النظام السوري الذي تحدث بعض الخبراء السوريين المستقلين عن وجود صفقة ضمنية بين داعش والنظام السوري على توفير داعش النفط للنظام مقابل إطلاق أيديها في البلاد، ثم تستفيد إيران من شبكات التهريب التي تملأ البلاد، وأغلبها من الموالين لها للحصول على النفط بمبالغ زهيدة، وإعادة تصديره مرة أخرى بأسعار مرتفعة(14). وهناك بعض التقارير التي تشير إلى استفادة الأردن أيضًا من هذه الشبكات القريبة جدًّا من حدوده مع العراق بصورة خاصة، على الرغم من النفي الرسمي من المملكة لوجود مثل هذه الممارسات، وأخيرًا هناك بعض التقارير تشير إلى تورط الحكومة التركية، أو على الأقل علمها، بوجود صفقات تهريب نفط تتم بينها وبين داعش داخل الحدود التركية دون أن تتحرك بجدية لمحاربة مثل هذه الممارسات الإجرامية وغير القانونية(15).
لكن يبدو أن الجميع يستفيد من هذه الشبكات المنظمة، فالنفط أسعاره في تزايد مستمر، وداعش تبيعه بأسعار خيالية، ولأن هذه الشبكات لا تهتم إلا بالربح، فلا تسأل عن مصدر هذا النفط، وفي ظل حالة التسيب والسيولة والفوضى وعدم القدرة على حماية وحراسة الحدود في كلٍّ من سوريا والعراق (اللتين تشتركان في حدود مع حوالي ثماني دول) فإن هذا يجعل داعش قادرة على الحصول على الأموال الكافية لتمويل أجندتها الإرهابية والتوسعية، خصوصًا مع عدم وجود استراتيجية دولية أو إقليمية لمجابهتها بجدية.
داعش وسوق النفط العالمي:
في حالة استمرار نفوذ داعش وعدم نجاح التحالف الدولي في القضاء على التنظيم، فمن المتوقع أن يكون استمرار داعش سيطرتها على النفط العراقي تداعيات اقتصادية على سوق النفط العالمي، كونه بات يتحكم في أكبر عدد ممكن من حقول البترول في العراق الذي يُعتبر من أكبر دول العالم تصديرًا للنفط، إلى جانب المخاوف المتزايدة من تأثيره على سوق تصدير النفط العالمي المعتمد بالأساس على منطقة الخليج، لما قد تمثله داعش من تهديد على مناطق استخراج النفط، وعلى طرق نقله وتصديره عبر مواني الخليج القريبة جدًّا من العراق(16).
كما سيؤثر استمرار وجود وتوسع نفوذ داعش على حجم الاستثمارات الدولية في مجال النفط والصناعات المرتبطة به في العراق وسوريا وما يجاورها. حيث نشر اثنان من خبراء النفط مقالا في صحيفة "وول ستريت" يتوقعان فيها تراجع حجم الاستثمارات الأمريكية في مجال الطاقة في الشرق الأوسط في حال استمرار داعش وحالة الفوضى في العراق وغيرها(17).
والخوف أيضًا ليس فقط من استنزاف الاحتياطات النفطية أو الإضرار بالأسعار العالمية، ولكن أيضًا من تدمير البنية التحتية لصناعة النفط في كل من العراق وسوريا وكافة المناطق التي تسيطر أو ستسيطر عليها داعش في المستقبل، نظرًا لأنها تستخدم وتلجأ إلى وسائل بدائية جدًّا في استخراج النفط، وهو ما يعني تدمير هذه الحقول في المستقبل القريب جدًّا(18).
تجفيف المنابع:
تؤكد لنا الخبرة التاريخية في التعامل مع التنظيمات والجماعات الإرهابية أنه يبدأ ويكون بالأساس عبر خطوتين رئيسيتين؛ الأولى هي القيام بتجفيف مصادر تمويلها ودعمها المالي، الذي هو بمثابة شريان الحياة لها، والخطوة الثانية هي بإقامة تحالف دولي لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية(19). والقضاء على داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية يبدأ بالتأكيد عبر تجفيف منابع تمويلها، ولعل الخطوةَ التي قامت منظمة الأمم المتحدة باتخاذها منذ شهور (وإن جاءت متأخرة بعض الشيء) تعتبر خطوة على الطريق الصحيح؛ فوضع داعش وجبهة النصرة وغيرها ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيعطي للمجتمع الدولي الحق في فرض عقوبات على من يقوم بانتهاك هذا الميثاق. مثل هذه الخطوة ستسمح للدول وللمنظمات المالية الدولية والإقليمية والمحلية المتخصصة بمراقبة وتتبع رءوس الأموال التي تمول داعش، وبالتالي معرفة مموليها ومسانديها ومعاقبتهم ومنعهم وإجبارهم على قطع هذه الإمدادات، وبالتالي قتل هذا التنظيم بشكل بطيء.
الخطوة الأخرى هي إقامة تحالف دولي وإقليمي لمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية التي باتت تمثل تهديدًا وخطرًا على الأمن الإقليمي والدولي. والتحالف الدولي المقصود هنا ليس تحالفًا عسكريًّا فقط، ولكنه بالأساس تحالف سياسي واستراتيجي متعدد الأطراف والوظائف. حيث سيساعد الوصول إلى تفاهمات وتنسيقات دولية وإقليمية حول كيفية مواجهة هذه التنظيمات العابرة للحدود وللقوميات على تفعيل أي مسعى لمحاربة هذه الجماعات.
والوصول إلى حالة من التوافق والإجماع بين جيران العراق وسوريا حول اعتبار داعش تهديدًا مشتركًا للجميع؛ سوف يسهل من عملية خنق داعش، والتحكم في الحدود والمناطق التي يتم استغلالها لتهريب النفط الذي تقوم داعش من خلاله بتمويل والإنفاق على عملياتها الإرهابية والإجرامية. كذلك، فإن وجود تحالف دولي وإقليمي حقيقي سوف يساعد كل دولة من دول التحالف في استغلال نفوذها وقوتها وتأثيرها الداخلي في كلٍّ من العراق وسوريا بصورة تساعد في نزع الشرعية والشعبية التي تحظى بها داعش في الداخل، وبالتالي تسهيل سقوطها والقضاء عليها. وحتى يتم التوافق والتفاهم حول ضرورة قيام هذا التحالف في أقرب وقت ممكن، والتخلي عن التناقضات وتضارب المصالح الآني بين الأطراف الإقليمية والدولية حول كيفية التعامل مع هذا التنظيم الإرهابي - ستظل داعش مستمرةً، وقوتها في تزايد مستمر بفضل تدفقات مبيعاتها من النفط الذي تُسيطر عليه، بل وربما سنجد حجم داعش والمناطق التي تسيطر عليها قد فاق كل احتمال، وكل ذلك سيرجع بالأساس لغياب طرف قوي يواجهها، تمامًا كما كان ذلك هو السبب وراء نشأتها الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.