تراجع الأزهر على مدى عقود طويلة هو ما أعطى الفكر المتطرف مساحات خالية شاسعة للتحرك فجاءت الأفكار التكفيرية وجاء الشطط الفكرى والانحراف السلوكى للإرهابيين معتقدين أنهم يسيرون بذلك فى الطريق السليم إلى الله وأنهم هم «الصح» وغيرهم «الخطأ» وأنهم «أصحاب الجنة» وغيرهم «أصحاب النار»!! تلك هى مشكلة الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية التى لا ترى إلا نفسها فقط وترفض الآخرحتى لو كان على دينهم نفسه، لكنهم لا يريدون الدين إلا بمنظور واحد فقط ودونه الموت والشهادة والجهاد. لن تنهض الدول الإسلامية ومنها مصر إلا بمراجعة الأفكار المتطرفة وإزالة الضلال من العقول الذى يسهم فى تقسيم الشعوب ويجعل من الأمة الواحدة فئات متناحرة تتقاتل بغير هدف وتخدم أعداء الأمة الإسلامية. لابد أن نعترف بأن هناك مشكلة فى عقول بعض أبناء الأمة بسبب خلط المفاهيم الذى يؤدى إلى التطرف والإرهاب. فالإسلام دين السلام والرحمة، والقرآن والسنة شاهدان على ذلك، كما أن الدعوة الإسلامية انتشرت فى أغلب البلدان الإسلامية دون فتوحات وإنما باخلاق المسلمين وتجارتهم كما الهند ونيجيريا وإندونيسيا وماليزيا، وهذه الدول وغيرها لم يذهب اليها مقاتل ليفتحها وإنما انتشر بها الإسلام بالمعاملة والأخلاق الرفيعة للمسلمين الأوائل. مؤتمر الأزهر الأخير الذى أختتم أعماله يوم الخميس الماضى وأصدر بيانا كشف فيه حقيقة الفكر الإرهابى مؤكدا براءة الإسلام من العنف والقتل والتكفير موضحا مفاهيم الجهاد والحاكمية وتغيير الفكر والولاء والبراء هو الخطوة الأولى لمشوار طويل للأزهر الشريف لمواجهة الإرهاب والتطرف حتى يتم دحر تلك المفاهيم الخاطئة التى كانت السبب فى تراجع الدول الإسلامية ودخول العالم الإسلامى إلى عصور الظلام التى لا نزال نعيش توابعها حتى الآن، فالحضارة ليست استهلاكا فقط، وإنما هى القدرة على المشاركة فى صناعة التقدم الإنساني، كما فعل المسلمون فى عصورهم الأولى حينما كانت أوروبا تعيش عصور الظلام، غير أن أوروبا استعادت عافيتها وانطلقت نحو الحضارة فى حين دخل العالم الإسلامى عصر الظلام والانحطاط ولا يزال ساكنا فيه لا يريد أن يغادره بسبب الانشغال بالمعارك الوهمية والانقسام إلى فرق وشيع مختلفة ومتناحرة تقتل بعضها البعض فى إطار الانحراف العقلى والسلوكى بعيدا عن قيم الإسلام الصحيح. لقد أدان شيخ الأزهر بوضوح لا لبس فيه الميليشيات الطائفية التى تذبح وتهجر المواطنين قسرا فى العراق وسوريا واليمن، كما أدان الطوائف المذهبية التى تحاول جر الأوطان إلى ولاءات اقليمية خارجية باسم الديمقراطية كما يحدث فى البحرين،مؤكدا أن الذى يجمع هؤلاء جميعا قاسم مشترك يتمسكون به ويحكم كل جرائمهم هو تكفير المسلمين بالزيف ثم استحلال دمائهم بعد ذلك استنادا إلى فهم خاطئ ومنحرف لنصوص الكتاب والسنة فى محاولة للخروج بالدين عن مساره الصحيح. تلك هى آفة المسلمين الآن التى لابد أن يشترك الجميع فى مواجهتها وإلا ظللنا نراوح مكاننا فى التخلف والجهل، ودور الأزهر هنا لابد أن يكون فى المقدمة ومعه كل وسائل الإعلام والتربية والتعليم والثقافة لزرع مفاهيم الإسلام الصحيحة من جديد القائمة على الكتاب والسنة بعيدا عن الشطط والغلو والتطرف. لا يجوز أن يتوقف دور الأزهر لمجرد أنه عقد مؤتمرا لمواجهة التطرف والإرهاب وحشد فيه رجال الدين والفكر من كل دول العالم وبمشاركة البابا تواضروس ورجال الدين المسيحي، وانما عليه أن يستكمل المسيرة حتى يتم تنقية كل المفاهيم الخاطئة وتصحيح الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين فى العالم من خلال استراتيجية متكاملة تدعمه فيها الدولة بكل إمكاناتها المادية والمعنوية ولا تتركه وحيدا فى الساحة ليقاتل وحده فى تلك المعركة المصيرية، فلن تتقدم الدول الإسلامية مهما تفعل مادام التطرف والإرهاب والتكفير منتشره. لن يستطيع الأمن وحده مهما أوتى من قوة أن يقوم بتغيير العقول، فهل يفعلها الأزهر وتقف معه الدولة فى تلك المعركة لنخرج من عصور الظلام ونستعيد عصر الحضارة الإسلامية الراقية التى ملأت الدنيا نورا وعدلا ورقيا وقادت العلم كله فى وقت كان يغط فيه الآخرون فى التخلف والجهل والظلام؟! لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة